اتصل بنا
 

ثورة "الطبقة" المتوسطة أم هبّة الفئات المهمشة؟

نيسان ـ نشر في 2018-06-03 الساعة 16:33

x
نيسان ـ

تقدم مدير الدرك من مجموعة من المتظاهرين على الدوار الرابع، ليلة أمس، وأدار مع بعضهم حوارا لا يمكن وصفه إلا بالحوار التحريضي المبني، بامتياز، على أساس طبقي، فقد سأل شابا عما اذا كان يعرف شيئا عن قانون الضريبة الذي يتظاهر ضده، مستنكرا انخراط هؤلاء الشباب في هذه الاعتصامات لأن القانون الضريبي الجديد لا يمسهم من قريب أو بعيد، وبعد ذلك توجه إلى الحاضرين باستنتاجه المعمم عليهم بأنهم جميعا غير مشمولين بقانون الضريبة الجديد، بمعنى أن دخلهم أدنى من أن يشملوا بالفئات الخاضعة للاقتطاعات الضريبية.

لسان حال الجنرال يحرّض هؤلاء الفقراء على الطبقات المتوسطة والغنية؛ إذ أنهم من قصدهم قانون الضريبة هذه المرة، لكن الشباب المتظاهرين لم يقتنعوا برأيه هذا وهو لم يلحّ عليهم كثيرا، وطلب منهم فقط أن يكون حراكهم عصريا، بمعنى أن يكون سلميا لا يستخدم خلاله العنف.

لعل هذه الصورة تختصر القصة كاملة، فمجتمعنا ما زال يتلمس بدايات طريق التطور السياسي، على ذمة توضيح التمايزات الطبقية وتقسيم العمل السياسي على أساسها، بل إنه ما زال يخوض مراحل ما قبل الطبقات، وأقرب ما يمكن أن توصّف تقسيماته الاجتماعية بأشكالها كافة حالة النمط الآسيوي للإنتاج، فالكل يعمل اليوم، بشكل أو بآخر، أجيرا لدى الطبقة البيروقراطية، والتي مثّلها خير تمثيل بالقصة أعلاه الجنرال حسين الحواتمة.

ففي اللحظة التي بتنا فيها على مشارف مئوية الدولة الأردنية، دخلنا، على حين غرة، المرحلة الصعبة، التي اختلطت فيها الملفات المؤجلة لتتكدس، دفعة واحدة، على طاولة صاحب القرار، فما هي الحلول الواقعية التي يمكن أن تعيد الطبقة الوسطى إلى سكونها أو إلى سكتها الصحيحة، خصوصا أنها نزلت إلى الشوارع محتجة على السياسات الحكومية ونتائجها التي ما انفكت تقضم جزءا من حصتها كطبقة، بعد أن استوعب النظام الطبقات الفقيرة كموظفين بدخل محدود في جيشه البيروقراطي الجرار، وكسبهم لفترة طويلة إلى جانبه في المعركة.

سابقا، عندما اشتعلت الحراكات 'الأقل حظا' في هبة نيسان 1989 وفي حراك 2011 وحتى في هبة تشرين 2012 لم تحرك غالبية الطبقة المتوسطة ساكنا، وهذا أمر طبيعي، فهي طبقة ليست قائمة بذاتها لكنها تعمل لذاتها، ويمكن وصفها بطبقة الخدمات كونها لا تمت لعملية الانتاج بصلة، بل إنها اليوم باتت تتكون من كبار الموظفين والمتقاعدين والتجار وقادة الأحزاب اليسارية والأسلامية وقادة النقابات المهنية، ولم تكن لها مصلحة مباشرة بتلك الحراكات، لكنها اليوم وما أن استهدفت بقانون الضريبة، الذي يفترض أنه أداة من أدوات إعادة توزيع الثروة، حتى هبّت للدفاع عن مكتسباتها، والغريب أن الفقراء هبوا لنجدتها، وهو ليس غريبا تماما إذا ما راجعنا مستويات ثقة الفقراء المتدنية بمؤسسات الدولة وأجهزتها.

خطورة المرحلة تكمن بالتخوفات المشروعة من أن تنزلق الطبقة المتوسطة العمّانية إلى تمييز نفسها على أساس الهُوية، فالتباين الاجتماعي بين الطبقات يبقى العامل الأكثر تقدمية في تشكيل الصراعات الاجتماعية وتضمنه سيادة التجانس الديموغرافي في كل طبقة، لكن إذا دخل التشويش الهُوياتي على الخط، فإن الموضوع يصبح موضوعا آخر ينذر بالرعب.

نيسان ـ نشر في 2018-06-03 الساعة 16:33

الكلمات الأكثر بحثاً