اتصل بنا
 

ديمة طهبوب.. برلمانية معارضة سقفها الدستور وترفض التغريد خارج السرب

نيسان ـ نشر في 2020-01-18 الساعة 12:14

x
نيسان ـ نيسان – سعد الفاعور
على العكس من الوجهين النسائيين البرلمانيين توجان الفيصل وهند الفايز، اللتان خرجتا أو أخرجتا من اللعبة "السياسية-البرلمانية" نجحت البرلمانية ديمة طهبوب، عضو كتلة الإصلاح، الذراع السياسية لحزب جبهة العمل الإسلامي في مسايرة أمواج السياسات الحكومية المتلاطمة والتزلج باحترافية كنائب معارض، دون أن تخل بدورها التشريعي والرقابي، أو فقدان ثقة قاعدتها الانتخابية.
طهبوب إبنة الأسرة الأردنية العريقة، ذات الجذور الفلسطينية، والوجه البرلماني النسائي المعارض الذي لا يستهان به، لم تحبذ السير على خطى زميلتيها توجان وهند، اللتان اختارتا سقفاً عالياً جداً في مقارعة السياسات الحكومية غير المحبذة شعبياً، وهو سقف يرى كثيرون أنه يمثل تجاوزاً للدستور، ويتعدى انتقاد السياسات الحكومية إلى انتقاد مؤسسة العرش!
في بدء انطلاق مسيرتها البرلمانية شنت هجوماً حاداً على النائب السابق المخضرم والمعارض البارز ليث شبيلات في سجال أشعل في حينه الكثير من علامات الاستفهام والتعجب، رغم ما يفترض من تقارب آيديولوجي وعقائدي بينهما، ليتضح أن الخرق بين القطبين شبيلات وطهبوب اتسع على الراتق، وأن العطار لن يصلح بينهما ما أفسده الدهر!
طهبوب، في عين الوقت، ورغم كل ما سبق، وفي شهادة محايدة، يمكن القول بضمير يملأوه الطمأنينة أنها كما شبيلات والفايز والفيصل، لم تهادن أو تصالح على حساب الثوابت، بل ظلت محتفظة بمقعدها بين صفوف المعارضة، لكنها اختارت المعارضة المنظمة التي ترتكز إلى سقف الدستور وثوابت وأبجديات الإطار التنظيمي لحزب جبهة العمل الإسلامي وحاضنته الكبرى جماعة الإخوان المسلمين، مرتهنة في عين الوقت لـ "مدونة السلوك" التي تحدد وتضبط ايقاع وأداء النواب تحت القبة.
وهي رغم أنها ذات جذور "إخوانية" وكثير من تدويناتها عبر "فيسبوك" وكذلك مداخلاتها البرلمانية واستجواباتها للحكومة مكرسة للحفاظ على قيم وتقاليد المجتمع الأردني الإسلامي المحافظ، والدفاع عن حقوق ناخبيها وتمثيلهم والتعبير عن مواقفهم، إلا أنها أيضاً لا تجد حرجاً من المشاركة في مؤتمرات أجنبية ودولية متخصصة بتكريس قيم الحريات المدنية وهو ما أوقع النائب المحترمة في كثير من المطبات والانتقادات المبطنة والصريحة على حدٍّ سواء من قبل خصومها.
كواليس الصحافة الأردنية وأروقة وسائط التواصل الاجتماعي شهدت حروباً عديدة خاضتها أو أجبرت على خوضها النائب طهبوب، من بينها مساجلات مع الكاتب باسل الرفايعة بميولهالحداثية والمدنية شديدة الانفتاح، وهي مساجلات انحصرت في احتجاج الرفايعة على الاستجوابات والتساؤلات التي طرحتها طهبوب تحت قبة البرلمان عن وجود بعض المرافق السياحية والمطاعم التي تقدم خدمة الطعام والشراب في نهار رمضان، أو وجود منشآت سياحية تقدم المشروبات الكحولية، وهو ما رأته طهبوب أمراً يتعارض مع قيم الدولة الإسلامية التي يؤكد دستورها على الإسلام هو دين الدولة الرسمي، ويؤكد أيضاً على حرمة الشهر الفضيل، بينما رأى خصومها ومن بينهم الرفايعة أنها بذلك تعارض القيم والمبادئ الواردة في الورقة الملكية النقاشية الخاصة بمدنية الدولة!
في مشهد آخر، طهبوب ذات الجذور الإخوانية، تجد نفسها في مواجهة عاصفة مع الناشط اليساري راكان حياصات عضو حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني، وذلك على خلفية رسم كرتوني نشره الناشط اليساري على صفحته في "فيسبوك"، والذي عدته النائب المحترمة تعدياً عليها ومساواة لها بالدواعش الذين يغتالون الحريات ويحزون الأعناق ويقطعون الرؤوس، وهو ما رفضته بشكل قاطع من خلال لجوئها إلى القضاء وتحريك دعوى ضد الناشط حياصات.
المواجهة بين طهبوب وحياصات أحدثت عصفاً هائلاً بوسائط التواصل بين مؤيدي طهبوب الذين هم في جلهم من أنصار ما يطلق عليه الثورة في سورية، وبين مؤيدي حياصات الذين هم في جلهم من أنصار الدولة السورية وحكومتها الشرعية ضد المسلحين.
وفي ظل الصخب الذي رافق هذه المواجهة عدَّ نشطاء وحقوقيون لجوء طهبوب إلى القضاء مثلمة في مسيرة النائب المحترمة، مؤكدين أنها كرست بذلك النهج الحكومي في الاستقواء على الحريات الفردية، لتنتهي المواجهة بعد ذلك في ظل تجاذبات شعبية واسعة بمصالحة عشائرية كان محلها ديوان عشيرة آل طهبوب الكرام الذين استقبلوا جاهة من عشيرة الحياصات الكريمة للاعتذار من النائب طهبوب عما بدر من الحياصات!
طهبوب، على صعيد الأداء التشريعي تحت القبة البرلمانية، وجهت مئات الأسئلة التي حولت العشرات منها إلى استجوابات للحكومة، وهي استجوابات ذات مساس مباشر بمصلحة الناخب الأردني، ومن ذلك: ما يتعلق بصفقة استيراد الغاز من العدو الصهيوني، مستوى الدخل وخط الفقر مقارنة مع سجلات دائرة الإحصاءات الرسمية ذات الصلة، ورفع الأسعار وفرض الضرائب، وكذلك مشروع درب الأردن ذي الطبيعة السياحية، وتسمية الوزيرة السابقة لينا عناب سفيرة بعد استقالتها على إثر كارثة سيول البحر الميت التي أودت بحياة عشرات الطلبة، بالإضافة إلى استجواب الحكومة بشأن سلفة منحتها عام 2000 إلى جهة مجهولة بقيمة 272 مليون دينار لم تحدد الحكومة الجهة التي استلفت المبلغ ولا الغاية من الاستلاف ولا كيفية السداد أو متى!
لكن الملاحظ على أداء النائبة، بحسب خصومها من التيارات السياسية الأخرى، أنه محكوم بسياسات الكتلة البرلمانية التي تنتمي لها، وهي كتلة ذات وزن، وتضم أعضاءً مجربين وكبارا، لهم باع طويلة في الحياة البرلمانية والسياسية وخبرات قانونية، مما يجعل أداء طهبوب بحسب أولئك الخصوم منسجماً مع العرف الدستوري وفي عين الوقت لا يمكن وصفه بالتغريد خارج السرب، بل هي تمارس من وجهة نظرهم الدور الرقابي والتشريعي بانسجام مع النظام الداخلي ومع مبادئ الدستور وبما يتوافق مع مدونة السلوك، وهو ما يعد في نظر أولئك الخصوم نوعاً من المهادنة مع الحكومة أو تجنباً لصدام كسر العظم معها!
يرى آخرون أن أداء طهبوب بما في ذلك أداء زملائها في كتلة الإصلاح يقع في إطار الصفقات التي تتم بين كتل البرلمان والحكومات بحيث يُصَعِّد النواب مواقفهم عبر الأسئلة والاستجوابات لتبادر الحكومة باسترضاء الكتل أو بعض أعضاء هذه الكتل بتسوية أو ترضية أو منح مناصب وحقائب ووظائف سيادية من الصف الأول لبعض أعضاء تلك الكتل أو لمحسوبين على تلك الكتل. لكن هذا الفريق عجز عن اثبات استفادة طهبوب من الحكومة في أي ترضية سواء لها أو لأشخاص مقربين منها، وهو ما ينفي عنها فعلياً تهمة التنفع أو المهادنة أو عقد صفقات أو حتى ممارسة الاستعراض لنيل شعبية زائفة.
طهبوب تتميز بثقافتها الواسعة، ودرجتها الأكاديمية الرفيعة، فهي كاتبة صحفية ومحللة سياسية وناطق إعلامي باسم جبهة العمل الإسلامي وبرلمانية صاحبة حضور. حاصلة على بكالوريوس في الأدب الإنجليزي من الجامعة الأردنية ودكتوراه من جامعة مانشستر البريطانية. تكتب في صحف: السبيل، القدس العربي وموقع الجزيرة الإلكتروني، وفي موقع الإسلام اليوم، وهي تكرس جل كتاباتها للدفاع عن فلسطين وتعرية همجية الاستعمار الصهيوني.
النائب طهبوب، ابنة نقيب الأطباء الأردنيين الأسبق "محمد طارق" طهبوب، وهي أم لطفلة وحيدة (فاطمة) من زوجها الصحفي الشهيد طارق أيوب، الذي قضى عام 2003 في قصف جوي أميركي خلال تغطيته الصحفية العدوان الأميركي على العراق لصالح فضائية الجزيرة القطرية.

نيسان ـ نشر في 2020-01-18 الساعة 12:14

الكلمات الأكثر بحثاً