اتصل بنا
 

رَجَع السِّنِين... شَخصِيَّات مِن قَلِق

نيسان ـ نشر في 2021-01-21 الساعة 18:35

x
نيسان ـ
صحيفة نيسان-خاص مَا أَنَا إلّا رَجُلٌ يُوغِلُ فِي عَقْدِ الْعُمْر السَّادِس، عَبَثًا يُحَاوِل تَرْتِيب الذِّكْرَيَات، أَو تنضيدها بتواريخ مُحَدَّدَة فِي رُزْنامَة السِّنِين.
الْقِصَّةِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَحْدَاث وَالكَوارِث العلنية الْكَبِيرَة فَقَط، بَلْ إنَّهَا تَشْتَمِلُ بِنَفْس الْقُوَّةُ عَلَى تِلْكَ الْأَحْدَاثِ الْخَاصَّة (الصغيرة) الْمُرْتَبِطَة بالمشاعر والأحاسيس، أَو الكَوَارِث النفسية، قُلْت كَوَارِث!؟ نَعَم كَوَارِث، فأن تُحِبّ كَإِرْثِة، وَأن تكْرَه كَارْثِة، وَأن تُؤْذِي الْآخَرِين كَارْثِة، وكَاْرثِة أَيْضًا حِين تُحَب وحين تُكرَه وتَتَأَذَّى مِنْ قِبَلِ أُولَئِك الْآخَرِين.
لكن كارْثِة الكَوَارِث؛ أَنْ تَظّل حياديا، بِالْمَعْنَى السلبي، كَأن تَرَاقَب الْأَحْدَاث، لا تُحَب ولا تُكَره فقط تُعَدّ الْأَيَّام وتعبرها، غيرَ آبِهٍ أَنْ يَكُونَ لَكَ فِيهَا أَثَرُ.
تتعرض بَعْض بَقِع الذَّاكِرَة لاهترآت كَبِيرَة، تُصِيب تِلْك المساحات الدِّمَاغِيَّة الْمَسْؤُولَةُ عَنْ حِفْظِ الْأَحْدَاث، وَهِيَ لَا تَتَعَلَّقُ أَو تُنْتِج بمؤثرات خَارِجِيَّة، بَلْ كَأنَ قُدُرات الْجَسَد الدفاعية تَعَمَّدَت مَحْوهَا، رُبَّمَا لأثرها الْبَالِغ وسيطرتها الْمُسْتَمِرَّةُ عَلَى التَّفْكِير، فَكَأَنَّمَا هِي حَمَل فَائِض، سيقلل كِفَايَات مَا، فتتصدى لَهَا خُطُوط دِفَاع خُفَّيْة فتطيحها جَانِبًا.
وَهَذَا السُّلُوك ذَاتِه يَنْسَحِب ويتمدد بِاطِّرَادٍ مِنْ الْجُزْءِ إلَى الْكُلِّ، لِيَصِلَ إلَى الذَّاكِرَة الْجَمْعِيَّة، فيحصنها بالذكريات، الْجَمِيلَة والمؤلمة، كَمَا يُحْصِنُهَا بمساحات النِّسْيَان، فالجماعات لَدَيْهَا مَا تَتَوَافَق عَلَى نِسْيَانَه، وَفِي الْحَالَتَيْن؛ التَّذَكُّر وَالنِّسْيَان، فَإِنَّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُسَمَّى بِالْعُرَى يَشْتَدّ وَيَزْدَاد مَنَعَه، فَكَمَا الذَّاكِرَة سِلَاح مشحوذ فَإِنَّ النِّسْيَانَ سِلَاح لَكِنَّه مَغْمُود.
طَالَمَا وَقَفْت مُرَاقِبًا جِسْر الْحَيَاة الْمُحْدَوْدِب، واجتاحتني أَعْتَى حَالَات الْعَجْزِ عَنْ إحْصَاءِ مَا مرَّ تَحْتَهُ مِنْ الْمِيَاهِ الْمُتَقَلِّبَة الْأَلْوَان، تَارَة تَمَوَّر نَاصِعَة الصَّفَاء، وَتَارَة تتشح بِالخُضْرَة، أَو تَلْتَحِف لَوْن السَّمَاء متقمصة زرقتها، كَمَا أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ دَائِمًا بمنأى عَن التَّكَدُّر بِالطِّين فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، نَعَم، راقبتها بِكُلّ حَالَاتِهَا، حَتَّى عِنْدَمَا مرّت وَادَعَة منسابة بِكُلّ رِقَّةٌ، وَكَذَا الْحَالُ حِينَ كَانَ يَرْكَبُهَا الْجُنُون مُهْدَرَةٌ لتطرد السُّكُونِ الَّذِي اسْتَوْطَن هَذِه الْإِنْحَاء مُنْذُ الأزَلِ.
لَقَد راقبتها بحيادية عَابِرَ سَبِيلٍ، حَتَّى عِنْدَمَا تشاقت متقافزة فَوْقَ ظَهْرِ الْعُمْر الْمُنْحَنِي .
أَوَّل اِنْهِيَار الْجَمَاعَة يَبْدَأ بِكَشْف الْمَسْتُور الَّذِي تواطأوا عَلَى نِسْيَانَه، فَمَا تَوَافَقُوا عَلَى نِسْيَانَه أَهَمّ لوحدتهم مِمَّا تذاكروه واعتدوا بِه، وَهُوَ مَا شَكْل تضامنهم الْحَقِيقِيّ، فَإِذَا مَا أَزِفَت لَحْظَة اِنْفِراط عَقْد وَحِدّتَهُم، نُلَاحِظ أَنَّ أَوَّلَ مَا يَنْقَطِعُ الْوَاهِن مِن خُيوطِها، كَاشِفًا نِقاطٌ ضَعْفِهَا الْمَسْتُورَة.
هَذِهِ مُجَرَّدُ رِسَالَةِ، قَطَعَ بِهَا حَمام التَّعَب الزَّاجِل فيافي وَبِحَاراً، وراوغَت طَوِيلًا بَيْن كُثْبَان الرُّوح وأمواجها، لتأتيكم مِمَّنْ عَرَفَ كَيْفَ يمخر عُبَاب الْمَفَازَات كَسَيْفٍ قاطع مُرهف الحدّ، لا تغله الرِّمَال الْمُتَحَرِّكَة.
تأتيكم ممن خَبِر الحياة وخَبَر دُوار الْبَحْر وغثيانه، ظلَّ يَضَع نُصْبَ عَيْنَيْهِ نَصِيحَة لِشَيْخ مِنْ شُيُوخِ الْبَحْر؛ أَن يشيح بِنَظَرِه عَنْ سَطْحِ الْمَاءِ إنْ شَعْرَ بالدوار، وَأَنْ لَا يُرَاقِب الزَّبَدُ عَلَى حَواف الأنهْرِ، فَهُوَ مُجَرَّدُ غُثاء لَا يَجْلِبُ إلّا غُثَاء.
وبرغم أَنَّ شَيْخِي الْجَلِيل لَاحَظ تململي مِن مَوَاعِظِه المستمرة، إلّا أَنَّه أَرْدَف، شَارِحًا طَرِيقَتِه، يَجِبُ أَنْ لَا تُشيح بِنَظَرِك عَنْ الْمَاءِ المتماوج إلَى الْغَيْم الْمُتَحَرِّك فِي السَّمَاءِ، وَقَال بِثِقَة النَّاصِح الْأَمِين: لَا تَهْرَبُ مِنَ دُوار إلَى دُوار آخَر، وَلَا مِنْ مُتَحَرِّك إلَى مُتَحَرِّك، فَقَط تخيّل إِنَّك تَقِفُ عَلَى أَرْضٍ صُلْبَةٍ، وركز أقواس نَظَرِك عَلَى هَدَف ثَابِت، وَاضِحٌ الْمَعَالِم، اسرح إلَيْه بخيالاتك، وَسَيَكُون لَك مَا تُرِيد.

نيسان ـ نشر في 2021-01-21 الساعة 18:35

الكلمات الأكثر بحثاً