اتصل بنا
 

الإنسان المهدور...دود الخل منه وفيه

كاتب صحافي

نيسان ـ نشر في 2021-01-23 الساعة 22:57

نيسان ـ من المعروف أن تحقيق الذات يتسنم هرم الحاجات الإنسانية، لكن لا بد أن تتحقق العديد من الاحتياجات الأخرى التي تسبقها صعودا نحو قمته.
إن النظرية النفسية التي قدمها العالم ابراهام ماسلو تدرج حاجات الإنسان وتصف الدوافع التي تحركه؛ وتتلخص هذه الاحتياجات في: الاحتياجات الفسيولوجية، وحاجات الأمان، والاحتياجات الاجتماعية، والحاجة للتقدير، والحاجة لتحقيق الذات.
هذا يعني أنه من أجل أن يتحقق الدافع في المستوى التالي، يجب أن يكون المستوى الذي قبله قد اكتمل.
إن الهدف من نظرية ماسلو هو بلوغ المستوى الخامس و هو "تحقيق الذات."
لو أراد إنسان عادي في مقتبل العمر في احدى الدول المتقدمة أن يخطط لحياته، ستراه يمتلك رؤية واضحة المعالم، وفقا لمعطيات متاحة تسهل عليه القيام بذلك وتمكنه من استشراف مستقبله ومستقبل اسرته، بيد أنه من الصعب بمكان أن يتحقق ذلك في عالمنا العربي وذلك لأن المعطيات في المشهد العربي لا تزال ضبابية والحياة في شكلها السياسي والاقتصادي والاجتماعي تقف على أرضية هلامية متأرجحة.
وربما يعود ذلك إلى عدة أسباب منها الجبن الذي يسيطر على العقلية العربية ويمنعها من اتخاذ موقف للمطالبة بالعدالة الاجتماعية والحقوق المشروعة؛ كالحق في العمل والعيش الكريم أو ربما الجهل بضرورة محاربة الفساد والقضاء عليه، الأمر الذي دفع الأخير إلى التوغل في كافة جوانب حياتنا والتأثير عليها سلبا.
لكن هنالك مثل قائل " دود الخل منه وفيه" بمعنى أن الفساد غير مقتصر على الفئة المتنفذة فقط، ففينا أيضا الفاسد.
إن الذي يقيم الولائم في بيته لأحد المتنفذين في سبيل الحصول على وظيفة لابنه الذي لا يستحقها، هو أيضا فاسد ومتسلق.
ومن يبيع صوته أو يمنحه لمن لا يستحق من النواب فقط لاعتبارات عشائرية أوفئوية او جهوية أيضا فاسد. وغيرهم الكثير!
يقول الدكتور مصطفى حجازي في كتابه "الإنسان المهدور":
"الصراع على المكانة والحظوة والغنيمة لا يُتاح للجميع. الذين لا ينتمون إلى عصبية وقبلية، وليس لديهم من مرجعية سوى كفاءتهم وأدائهم، يتعرضون للتهميش والبقاء خارج اللعبة، وبالتالي يتعرضون للعديد من ألوان الهدر لمكانتهم وكفاءتهم ومعنوياتهم بشكل واسع الانتشار.”
أما سوء توزيع الثروات فبات أمرا جليا في حياتنا اليومية، وهو نتيجة حتمية لتغول رأس المال الجشع، ما أدى إلى اضمحلال تام للطبقة الوسطى، و بات لدينا طبقتان لا ثالث لهما، الطبقة المخملية المتخمة بالثروات والطبقة "المطحونة" والفجوة بين الطبقتين كل يوم إلى اتساع!
ففي حين يمتلك البعض الملايين، تجد في المقابل أناسا تعمل فقط مقابل قوت يومها، هذا إن توفر لها عمل في الاساس! وبينما يعيش البعض في قصور فخيمة، يعيش الملايين في بيوت ضيقة مهترئة يدفعون أكثر من نصف راتبهم بدل إيجارها.
وهنالك من هم مشغولون بعمليات التجميل وشفط الشحوم من مؤخراتهم وكروشهم بسبب السمنة المفرطة، بينما يكدح غيرهم ليلا نهارا لتوفير ثمن الطعام الذي يمدهم وأسرهم بأدنى قدر من السعرات الحرارية لضمان استمرار الحياة.
إنها لوحة متباينة الألوان تظهر جانبا مشرقا من حياة البذخ والثراء الفاحش لمن ينعمون في فردوسها، وجانبا مظلما بائسا من مأساة العوز والفقر المدقع لمن يقبعون في سراديبها!
وكي لا نخلط الأوراق، لا بد لنا فقط من الإشارة إلى الدور المفصلي الذي تلعبه السياسة في التبعات التي تنعكس على حال الشعوب التي ترزح تحت ظل الجهل والفقر.
كيف لا والسياسة تضع انفها في كل صغيرة وكبيرة من الامور الاقتصادية، فالاجتماعية، فالدينية، فالثقافية، وحتى الصحية والنفسية!
ولما كان تحقيق الذات على قمة هرم ماسلو، والسواد الأعظم يهدر جل عمره متخبطا في ثنايا المستوى الأول، مكافحا، صابرا، ساعيا فقط من أجل تأمين الاحتياجات الفسيولوجية إن أمكن، فمتى ستسنح لنا الفرصة الوصول أعلى قمة الهرم؟!

نيسان ـ نشر في 2021-01-23 الساعة 22:57


رأي: إسماعيل ياسين كاتب صحافي

الكلمات الأكثر بحثاً