اتصل بنا
 

نحتاج إلى 'درة الفاروق' لنكف يد الفساد عنا

كاتب صحافي

نيسان ـ نشر في 2021-04-04 الساعة 21:15

نيسان ـ يبدو جليا أن قيم الكون قد تبدلت بالكامل، بعد أن عم الفساد البر والبحر، ولم يترك جانبا من جوانب الحياة إلا ونهشه ومزقه بأنيابه ومخالبه الحادة كوحش مفترس لا يعرف الرحمة!
فرأس المال هو المسيطر، والعلم مركون على الرف، والشر أصبح قوة، والطيبة سذاجة، والمحسوبيات تحولت إلى قنوات اتصال ومعارف، والنصب فن تسويق وإقناع، والنفاق بات ذكاء وحنكة، والإخلاص غباء، أما الرشاوى و"التزريق من تحت الطاولات"، فهي إكراميات!
عندما تسلم الفاروق عمر بن الخطاب كرسي الخلافة قطع عهدا على نفسه أن يحكم بالعدل والنزاهة وقال: "والله ما فيكم أحداً أقوى عندي من الضعيف حتى آخذ الحق له ولا أضعف عندي من القوي حتى آخذ الحق منه" وقد نفذ ما قال.
وكان كلما سن قانونا أو حظر أمرا، جمع أهله وأقاربه أولا وقال لهم: "إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا.. وإن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم.. فإن وقعتم وقعوا.. وإن هبتم هابوا.. وأنى والله لا أوتي برجل منكم وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العذاب لمكانه مني.. فمن شاء منكم فليتقدم ومن شاء فليتأخر".
ترى ماذا تراه كان ليفعل لو عايش ما وصلنا إليه اليوم، ورأى بأم عينه الطغمة الفاسدة تتوارث المناصب وتصادر الحقوق وتبيع الوظائف وتقاسم الناس أرزاقها ترهيبا وترغيبا، بينما يعوي جيل بأكمله من الشباب في الصحراء بلا مأوى، وكرام القوم يقتاتون من قعر حاويات القمامة ويفترشون الخرابات والمقابر مساكن لهم؟.
عن عدل الفاروق نتحدث هنا يا سادة، إذ روي أنه كان دائم الخروج إلى السوق في جولات تفتيشية حاملا بيده درته الشهيرة، يتصيد الفساد، وينزل بالمفسدين أشد العقاب ليكونوا عبرة لمن تسول له نفسه المساس بحقوق الضعفاء، فقد كان يمتلك ضميرا يقظا وحسا قويا بالمسؤولية والعدل السياسي والاجتماعي تجاه رعيته.
في زمننا هذا، أصبحنا نستنشق الفساد مع الهواء الذي نتنفسه ونتذوق طعمه في الماء الذي نشربه والطعام الذي نأكله، فما عاد الفساد متوقفا عند مؤسسات وشخوص بعينهم، بل تعداهم ليتوغل أيضا إلى عمق كل شخص وركن ومؤسسة، كالمدارس والجامعات والمستشفيات وربما دور العبادة.
روت لي إحدى الطبيبات المقربات وهي أخصائية أطفال أنها قدمت استقالتها بعد أقل من شهر واحد من عملها في احد المستشفيات الخاصة بعد دراستها للطب لأكثر من 12 عاما، لأن المدير طلب منها إدخال الأطفال إلى العناية المركزة دون حاجتهم لذلك طمعا منه في زيادة دخل المستشفى.
أفرزت تراكمات الفساد نسخا وطفرات لا تعد ولا تحصى تماما كالفايروس، وبات له ألف وجه ووجه تقاتلنا وتقاتل بعضها بعضا، واختلط الحابل بالنابل وتشابه البقر علينا، حتى تشتتنا وتهنا في دهاليز الفساد، وأصبح من الصعوبة بمكان تحديد ملامحه أوموقعه.
يبدو المشهد اليوم أكثر تعقيدا من أي وقت مضى، فأشباح الفساد تحيطنا من كل جانب، تسدد لنا ضربات متتالية حتى خارت قوانا بالكامل ولم نعد نقوى على صدها، نعاين دمارا ولا نبصر المدمرين، نرى فسادا ولا نرى فاسدين، ربما أصابنا مس منه، وبتنا بحاجة إلى "درة الفاروق" نضرب بها على يده لنكف شره عنا!

نيسان ـ نشر في 2021-04-04 الساعة 21:15


رأي: إسماعيل ياسين كاتب صحافي

الكلمات الأكثر بحثاً