اتصل بنا
 

عندما تجد نفسك في حفرة، توقّف عن الحفر!

كاتبة اردنية

نيسان ـ نشر في 2021-05-03 الساعة 20:01

نيسان ـ كان بإمكان السيّد طارق أبو الراغب أن يثبت صدق كلامه الّذي عبّر عنه في سلسلة إطلالات مصوّرة صارخة ويعلن اعتذاره عن قبول تعيينه مديرا عامّا لهيئة الإعلام، ولكنّه اختار الموافقة.
لا شكّ وأنّ إقناع متابعيه ومنتقديه بهذا الخيار مهمّة شبه مستحيلة خاصّة وأنّه استفاض مرارا وتكرارا في رفض فكرة الهيئات المستقلّة برمّتها، بل واعتبرها "جريمة تستنزف أموال الدولة والأردنيّين"، وأن "لا رقيب ولا حسيب على الرواتب العالية لهذه الهيئات"، بل وتساءل بتهكّم عن دور هيئة الإعلام المرئيّ والمسموع. فهل ذهب هذا كلّه أدراج الرياح عندما وُضع الرجل على محكّ المنصب؟
"العلمانيّون والملحدون هم الدواعش الجدد"، "لن ندفع ثمن عهركم"، وغير ذلك من العبارات الاسفزازيّة والتوصيفات القاسية التي دعت عددا من المواطنين لرفع قضايا ذمّ وتحقير ضدّه ما أدّى إلى اقتياده إلى سجن ماركا قبل خمس سنوات بقرار من المدّعي العامّ وفق قانون الجرائم الإلكترونية، بتهمة “نشر وذمّ وقدح شخص من خلال الفيسبوك، ونشر ما يمثّل قدحا وتحقيرا وذمّا لإحدى الديانات المكفولة حريتها بالدستور، وعدم الالتزام بالدقة والحياد والموضوعيّة في عرض المادّة الصحفيّة". وبغضّ النظر عن مآلات القضايا التي وجّهت إليه، فإنّ اختيار شخصيّة عُرفت بالحدّيّة والانقسام والإقصاء على رأس هيئة وطنيّة عليا يطرح التساؤل والريبة.
وقد يقول أحدهم للحكومة: "من فمك أدينك"، وهي التي لا تنفكّ تذكّرنا بعبارات مثل "نواصل تعزيز نهج الشفافية والعدالة وتكافؤ الفرص". وهنا يأتي السؤال الكبير: ما هي معايير التوظيف المتّبعة في هذه الهيئات؟
فإذا كان المؤهّل من بينها، فما هي الرسالة التي تحاول الحكومة أن توصلها للآلاف من خرّيجي الإعلام، ومن ذوي الخبرات الطويلة والمميّزة، عندما تضع محاميا على رأس أعلى هيئة لهم؟ وكنت سأطرح السؤال ذاته لو وضعت صحفيّا على رأس هيئة قانونيّة. وإذا كانت قدرات وكفاءة التواصل من بين تلك المعايير، فالرجل احتفل بتعيينه بمنشور له على الفيسبوك يحتوي عشرات الأخطاء الإملائيّة واللغويّة!

من نافلة القول إنّ منصبا كهذا يجب أن يخضع للإعلان والمنافسة بين المرشّحين بموجب نظام الخدمة المدنيّة، وهو ما دفع شركة"إحقاق" القانونيّة الرائدة لاعتبار تعيين الأستاذ طارق أبو الراغب مخالفا للدستور ولنظام الوظائف القيادية. ومن سخرية القدر أنّ هذا التعيين كان هدية الحكومة للصحفيّين في يومهم العالمي!
يبدو أن الحكومة من الإفلاس بمكان بحيث بدأت تبحث عمّن يسمّون بـ "المؤثّرين" على الفضاء الافتراضيّ سعيا وراء شعبيّة زائفة في ظلّ سلسلة من الإخفاقات في كافّة الصّعد تقريبا مجازفة بأصول العمل المؤسّساتي الفعّال.
مشكلتنا ليست مع الأشخاص بل مع النهج الارتجاليّ غير المدروس الذي تتّبعه الحكومات المتعاقبة في الأردن، والتي بات عليها الآن أن تواجه أجيالا من المحبطين والمشكّكين بصدق نواياها في الإصلاح والتنمية والعدالة.
يقول السياسيّ البريطانيّ دنيس هيلي: عندما تجد نفسك في حفرة، توقّف عن الحفر" When you're in a hole, stop digging ، وهي حكمة يبدو أنّ حكومتنا مصرّة على مواصلة تجاهلها.

نيسان ـ نشر في 2021-05-03 الساعة 20:01


رأي: هيا منير كلداني كاتبة اردنية

الكلمات الأكثر بحثاً