اتصل بنا
 

(أم القرى) إيران!!

كاتب مختص في شؤون الحركات الاسلامية

نيسان ـ نشر في 2015-05-14 الساعة 20:45

نيسان ـ

يجادل البعض بحسن نية أن ما يحرك إيران هو المصالح السياسية، ويورد على ذلك مثالاً ودليلاً: موقف إيران من التحالف مع أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان الشيعية!

للوهلة الأولى يبدو المثال والدليل مقنعا، لكن هل يمكن تفسير سياسة إيران بموقف واحد؟ وأين نذهب بالدستور الطائفي بامتياز؟ وكيف نفسر سيطرة الملالي من أصحاب العمائم على مفاصل البلد طيلة أكثر من 35 سنة؟ وهل يسلم لنا نفي آلاف القرارات والتصريحات ذات الخلفية والبعد الطائفية لموقف واحد؟

لكن إذا أضفنا لهذا الوعي بنظرية "أم القرى" التي يقوم جزء كبير من سياسة واستراتيجية إيران عليها حالياً سيمكن لنا فهم الانحياز الإيراني لأرمينيا بشكل يتسق مع منطلقاتها الشيعية والدينية التي اتخذتها حكومة الملالي، وبطلان فكرة أن إيران تتلاعب بالدين، ويضاف لذلك أن الطائفية الفارسية هي قائمة على التلاعب؟

نظرية "أم القرى"، وضعها منذ ثمانينيات القرن الماضي أكبر منظر إستراتيجي للثورة الإيرانية وهو د. محمد جواد لاريجاني، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية لعدة سنين في عهد الخميني، حيث سرق مصطلح "أم القرى" القرآني، الذي أطلقه الله عز وجل على مكة المكرمة، "ولتنذر أم القرى ومَن حولها" (الأنعام: 92)، لكون الكعبة "أول بيت وضع للناس" (آل عمران: 96)، أي أول بناء لعبادة الله، وحوله وُجد أول مجتمع بشري.

لكن د. لاريجاني سرق هذا المصطلح من مكة المكرمة ونقله إلى إيران!! بحيث تصبح هي قبلة المسلمين الرمزية ومنبع القيادة والسيطرة على العالم الإسلامي، ويكون الولي الفقيه الذي يحكم إيران هو قائد المسلمين في العالم، وبالتالي ينبغي أن تعمل كل المجموعات الشيعية في إطار التبعية المطلقة لأم القرى/ إيران!

يقول لاريجاني في كتابه "مقولات في الاستراتيجية الوطنية": "لب الموضوع في نظرية (أم القرى) أنه إذا أصبحت دولة من بين البلاد الإسلامية أم القرى، دار الإسلام على نحو تعدّ فيه هزيمتها أو انتصارها هزيمة أو انتصارا للإسلام كله، فإن الحفاظ عليها يأخذ أولوية على أي أمر آخر، حتى إنه في حال الضرورة يمكن تعطيل الأحكام الأولية، وقِس على هذا، ومما لا شك فيه أن الحفاظ هنا يقصد به المعنى الكامل للكلمة، إذ لا يقتصر على الحفاظ على حيز الدولة الجغرافي، بل يتعدى ذلك إلى النظام الحكومي الكامل الذي يشمل على السيادة والنظام الحكومي الخاص، ولهذا السبب أصبح هذا النظام أم القرى".

وهذا الدور المركزي للحفاظ والإبقاء على أم القرى/ إيران بأي طريقة قد يفسر قبول إيران بتسليم السلاح الكيماوي السوري سريعاً لأمريكا ودون مماطلة في مقابل تخفيف القبضة على إيران، كما نشاهد اليوم. وقد تفسر أولوية الحفاظ على أم القرى/ إيران العرض الإيراني لأمريكا سنة 2003 بإيقاف الدعم عن حماس والجهاد وحزب الله مقابل تسوية وإنهاء المقاطعة ضدها، كما شرح ذلك د. تريتا بارسي في كتابه (حلف المصالح المشتركة).

ويدعم هذا التفسير قول لاريجاني: "في بعض الوقت من أجل المحافظة على أم القرى يجب أن يكون هناك تصرف معتدل مع بعض الدول على الرغم من فسادها وجورها، لكن من أجل المحافظة على أم القرى يمكن شرب كأس السم"، وهذا التعبير هو نفسه الذي استخدمه الخميني عند إعلانه الموافقة على قرار وقف الحرب مع العراق!

ولذلك إذا اقتضت مصلحة إيران/ الولي الفقيه التحالف مع أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان الشيعية فليس هذا بسبب طغيان السياسة على الدين الشيعي في إيران، كلا، بل لأن هذا مصلحة الطائفية في إيران!

يؤكد لاريجاني هذا المفهوم بقوله: "في العام 1363 هجري شمسي (يعادل 1987م) بينت نظرية أم القرى، وعلى الفور تابعت واستنتجت أبعادها العملية: (عندما ننظر خارج حدودنا فإن غرضنا لا يتعدى مقولتين: تصدير الثورة، والمحافظة على أم القرى. وإذا حدث تزاحم في مرحلة ما فإن الأولوية هي المحافظة على أم القرى)".

وهذا مثال على تطبيق عملي غير إيراني لنظرية "أم القرى"، وهو موقف المعمم العراقي واثق البطاط، إمام حسينية الإمام الكاظم في النجف، والمؤمن بولاية الفقيه الإيراني، والأمين العام لكتائب حزب الله في العراق قبل قتله، وقائد ميليشيا المختار، ففي مقابلة مع قناة السومرية لبرنامج (حديث الوطن) - والحلقة منشورة على موقع يوتيوب- صرّح أنه لو حدثت حرب بين العراق وإيران فسيؤيد إيران!! ثم شرح موقفه فيقول: أنا مع الإمام المعصوم ويمثله اليوم الولي الفقيه، فلذلك لو كان الإمام في الهند وحاربت العراق سأكون معه ضد العراق التي تحكمه حكومة ديمقراطية لا تلتزم ولاية الفقيه.

هذه نظرية "أم القرى" وهذه تطبيقاتها الدينية السياسية، وما تقوم به من إيران من مواقف قد يظهر منها التعارض مع التشيع، في الحقيقة هو تمسك بالتشيع وبقائه وليس تخلياً عنه فهل نعي ذلك بوضوح؟

نيسان ـ نشر في 2015-05-14 الساعة 20:45

الكلمات الأكثر بحثاً