اتصل بنا
 

‫‏الإسراء‬ و ‫المعراج‬ ... دروس و عِبّر

نيسان ـ نشر في 2015-05-15 الساعة 11:50

نيسان ـ

أيامٌ تمر على أمتنا تتجدد فيها المناسبات و تمرّ في ذاكرتها الوقائع، نحتفي بها بطرائق متنوّعة، كلّ حسب ما رُزِق من فهم، من ينشد الفرح له ذلك، و من يعزم على التدبّر فهو له، ومن يرغب بتربية النفوس و صقلها فإنها له ميدان فسيح.

هاهي نسائم الإسراء والمعراج تهبّ علينا لننهل من عبيرها دروسا نفيد بها واقعَنا، و نسمو بالعِبرة سماء العلياء، نستشرف من علٍ ما نتأمل من مستقبل زاهٍ برّاق.

الإسراء و المعراج معجزة ربانية كانت مكافأة و تسريَة عن قلب المصطفى المحزون، اختار الله لحبيبه أحلى مكان و أجمل بقعة يحبّها الله؛ لذا نحبّ الأقصى كما نحبّ الله، ونحبّ القدس لأنها مسرى الحبيب المصطفى، ونعشق ترابَها الذي وطئته أقدام محمّد الهادي، تهفو القلوب لسجدة خاشعة في باحات الأقصى كما سجد إمامُنا وزعيمُنا محمّد عليه السلام.. نشتمّ هواء القدس الطاهر ونحن عنه مبعدون وقد حال بيننا و بينه عدوّ حاقد، أعانه حكامٌ أذلاء، توَلـّوا أمرَنا بغير إرادتنا!!

هذه المعجزة دفعت قريشاً لمزيد من السخرية والاستهزاء بدعوة الحقّ، ودفعت النبيّ عليه الصلاة والسلام إلى مزيد من ‫‏التضحية‬ و ‫العمل، ‬ودفعت الجماعة ‬ إلى الحرص على الثقة‬ بـقيادتها؛ لتكوّن بذلك قاعدة صلبة في وجه المتربصين، ثقة بكل ما يقوله القائد، نراها و نعيشها كما رآها و عاشها صديقُ رسول الله أبو بكرحين قال رادّاً كيدَ قريشٍ إليهم، غائظاً لهم حتى النخاع: (لئن قال ذلك فقد صدق)، نتلمّس خطى الصِّديقِ ونقتفي أثَرَه، لنعيشَ ثقته بالدعوة الحقّة و بالقيادة الفذّة، نقتبس من نور الجيل الفريد ما يقوّي صُلبنا و يَرفع سوِيّتَنا؛ لنكون من أولي العزم جماعةً و أفراداً.

رحلةٌ تتجلى فيها عظمة الله في تأييده لهذا النبيّ الذي حمل همّ دعوته و أخلص التوجّه إلى الله، أخلص فلم يتعثّر، أخلص فنال الكرامةَ و إمامة الأنبياء، كان مع الله فأعطاه الله فوق ما يتصوّر، هكذا هي سنّة الله لعباده المخلِصين العاملين المتجرّدين، لهم تكون السّيادة كما كانت لمحمّد يوم الإسراء، فكان أن تُوّجت السيادة بتكليف ربانيّ لمن يسود الأمم... نعم هي الصّلاة يقيمها أسياد الأرض و عُمّارها، بها تدوم الروابطُ مع الخالق لضمان ديمومة الخيرية التي حمل أمانتها الإنسان، بها تعرجُ أرواحُهم و قلوبُهم، عروجا يحقق التّرفعَ عن الأهواء و الشّهوات، فيزيد و يرقى تمسكهم بالإسلام وبه يكون علوّهم و سموّهم .

نتدبر حال الجماعة المؤمنة الصالحة المصلحة قبيل الإمامة و السيادة، نراها مقاطَعَةً في الشِعب كحال أهلِ غزةَ، وحالِ كلِّ من نظرَ لله نظرةَ تعظيمٍ و إكبارٍ وإجلالٍ، و كلِّ من استحقر الطغاة الذين يشاقّون الله و رسولَه، فكان من الرسول عليه الصلاة و السلام ثباتا عجيبا، و كان من أصحابه اتباعا بصيرا، يعكس صدق الإيمان و سموّ النفس و الروح، وتنتهي المقاطعة بجهود عقلاء قريش، وتستمرّ في زماننا وتتلوّن، فلا عقلاء و لا أخلاق، زمن فيه الحرب شرسة على المتطهّرين، يكيد العدوّ بكل ما أوتي من قوّةٍ، لعباد الله المخلصين ليخرجهم من ديارهم، عدوّ بأشكال متعددة و وجوه متنوّعة و أماكن متفرّقة، وصفاتٍ متلوّنة، يبذل كلّ سبيل قذرةٍ لطمس دعوة الحق، فتراه لا يرقب في مؤمنٍ إلاً و لا ذمّة !

في هذه الظروف القاهرة وإرهاصات المعجزة الحانية، ترتسم لوحةٌ زاهية الألوانِ بريشة امرأةٍ وفيّة حانية عزيزة قويّة، تسند زوجها وتدعم دعوتها، فكانت الفهم و كانت الحكمة، و كانت الهمة للعمل، بها كان الأمل و لفقدها كانت التسرية، فالله يعلم قدرها، و على قدرها كان التدخل الإلهي.. هي امرأة عرفت مكانتها فأرادت لأمتها تلك المكانة و عزمت على أن يكون لها دور الريادة، هي مثال يَرسُم سِمات نساء الجماعة المؤمنة و ملامح قائداتٍ رائدات للأمة المسلمة.

ليست هذه الرحلة لمحمّد النبيّ المحزون فحسب، بل لأمته المكلومة في أيّ وقت و في أيّ حين، هكذا نعيش نسمات الإسراء ليُسرى بنا، أمةً عزيزة حرّة، لا توقفها تأشيرةٌ ولا تتحكّم بدخولها الأقصى أختام بني صهيون أو تصريح حاكم متصهين، هكذا هي بكل بساطة و عظمة، كما أسرى الله بعبده يسري بعباده، تغلي الأمة من أقصاها إلى أقصاها لأجل أقصاها، و تعرج الأمة بأرواح و قلوب صالحيها و مصلحيها لترتقي و تسود فتؤمّ الدنيا، هذه هي دعوة محمّد عليه الصلاة و السلام و هذا هو حال أمته في ذكرى إسرائه و معراجه... تسريةٌ، فرح وحنوّ، حركةٌ، حرّية و علو.. إمامة، سيادة و سمو..

نيسان ـ نشر في 2015-05-15 الساعة 11:50

الكلمات الأكثر بحثاً