اتصل بنا
 

هبه عدنان الجندي تحاور وجعها في سوريا

نيسان ـ نشر في 2015-04-05

x
نيسان ـ

في السراديب ، في الأقبية ، في هذه السطور تُلقى ألوفٌ من جثث السوريين في كل مكان ، عظام ساكنة وجلود لا روح فيها ولا خوف .. ولا إنتظار !

قد يقف فوق رأس أحدها قريبٌ أو حبيبٌ أو صاحب أو " إنسان " فيُقلِبُها عله يتذكر الملامح فيعرفها..

وقد تعرف الجثة زائرها قبل أن يعرفها .. ! وربما يتخطاها الزائر دون أن يعرفها ويظل طول العمر ؛ باحثاً عنها ..

ستفرح الجثة الباردة لأن هذا الزائر انصرف ببرود، لإنه لم يشعر بركلة الجلاد في معدته، لأنه لم يكن حاضراً حين داس على رأسه ، حينُ هَتَكَ عرضه ، حين نَزَعَ أظافره ، حين بصق في طعامه وبالَ في شرابه وأرغمه على تناوله ، حين مسحَ بجسده ارض كرامة البلاد كلها ، حين سبَّ دينه وأمه وأخته وابنته وزوجته وقال ساخراً له ... : اضحك .. قهقِه !

فضحك .. حتى بكى قلبه .

" ستمر عني ..

وسيعبرني التاريخ كنسبة خطأ مُحتملة في إحصائية ما ، تدرس عنها ابنتي غداً في الكتب فتَتململَ من كثرة الأرقام في الدرس فتطالبُ مُعلمَتها بإلغاء الإحصائيات وأرقامها .. والدرس .. "

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

" مونولوج "

- مرحبا

- مية اهلين

- زكاتك كيف فيني وصل باب توما

- باب توما .. باب توما ...ايه .... بتفوت من هاد الشارع , شايف الدبابه يلي واقفة هونيك ؟

- ايه ...؟

-بتكسر شمال من عندا , بتلاقي بوشك بناية مقصوفة ع اليمين ... بتكمل لآخر الشارع ; مو اول دبابة ولا التانية التالتة .. في قبالا بيت اسود .. هو كان ابيض بس هلأ صار مشحبر .. المهم . ع سطحو في قناص .. مو تخاف منو! .. هاد قناص آدمي .. اسألوا عن باب توما بأشرلك عليه .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

" الحب والوطن "

كانَ حبيباً مُحارِباً , غير أنه لم يذهب للحرب وإنما أتت الحرب إليه .. فلم يختبئ في دعاء والدته له بالسلامة وطول العمر ولم يقف وراء " بارودة " والده .. استقبل الموت كما يستقبل الشجعان أقدارهم ; بعز وفخر.

حين طُوِقَ بيتنا وجُمعنا كُلنا إلى وسط غرفة المعيشة لم يكن معنا .. لم يكن هناك .. ولم يعرف العسكري ان هناك فرداً ناقصاً لأن عدد الأسِرة والفرش كان أقل من عددنا.

انتبه عمي إلى نظراتي التي راحت تتلفت بين وجوه أسرتي مُتفحصة وباحثة عن ابنه .. ليس هنا ..! ادرك ذلك من النظرة الأخيرة التي انتهيتُ فيها عن البحث ,وادركت انا انك اخترت الطريق الذي اخترت, ولم أعرف حينها أكان دمعاً أم فرحاً ذاك الذي يُلهب صدري.

حَصَلتَ على ما اردتَ في النهاية .. طَلبتها فأتتك! أليس جميلاً ان الحب لا يأتي على دفعات؟ .. أعرف اننا كنا نتسابق ونحن صغار على أينا سيكون شهيداً اولاً:

- أنا الولد .. رح اسبُقِك

تقول وانتَ تقفز على صخرة عالية امام الريح مشيراً إلى المستوطنة البعيدة, فأغتاظ لأنني عاجزة عن تسلق الصخرة واقول بصوت متقطع الأنفاس وأنا احاول:

- لأ انا .. رح اكبر اسرع منك!!

ثم اضيف وانتَ تَصنعُ بيدك بارودة وتصدر صوت اطلاق رصاص متتابع:

- ساللللللللم ساعدني

فتمد يدك لي دون شماتة.

صِرت شهيداً قبلي يا سالم .. وعَرفتُ أي الأوجاع تعنيه الكلمة .. الآن صار عندي سبب آخر لألحق بك .. فبحجم هذا الوطن الكبير الذي يسكنني اشتقت إليك

نيسان ـ نشر في 2015-04-05

الكلمات الأكثر بحثاً