اتصل بنا
 

الكعبة مركز الأرض الجغرافي

نيسان ـ نشر في 2015-06-25

x
نيسان ـ

يبدأ هذا الجزء من القرآن الكريم، منْ الآية [82] من سورة الـمـائدة، وحتى الآيـة [110] من سورة الأنعـام، ومـمّـا ورد فيـه:

الخمْـرُ والميْسِـرُ والأنْصـابُ والأزْلامُ:

(إنّمـا الـخـمْـرُ والـمـيْـسِـرُ والأنْصـابُ والأزْلامُ رِجْـسٌ مِـنْ عـمـلِ الـشـيْطـانِ فاجْـتنِبُوهُ) [المائدة 90]، الـخـمْـرُ هو: كُلُّ أنْواعِ المُسْكِراتِ مهْما كانتْ أسْماؤُها وأنْواعُها، الـمـيْـسِـرُ هو: كُلُّ أنْواعِ القِمارِ والمُراهـنات، الأنْصـابُ هي: هي كُلُّ الأشْكالِ والهياكِلِ التي تُعْبـدُ حصْراً، وتُقدّمُ لِهـا القرابينُ: (ومـا ذُبِح عـلـى الـنُصُـبِ) [المائدة 3]، حتّى إنّ ما يُذْبحُ على النُصُبِ غيْرُ قابِلٍ للتزْكِيةِ، لأنّهُ قدْ أُهِلّ بِهِ لِغيْرِ الله: (أُهِـلّ لِـغـيْرِ اللّـهِ بِهِ) [المائدة 3]، (فِسْـقـاً أُهِـلّ لِـغـيْرِ اللّـهِ بِهِ) [الأنعـام 145]، الأزْلامُ هي: كُلُّ وسائِلِ ضرْبِ الحـظِّ، الرِجْـسُ: هُـو اخْتِـلاطُ الأُمُـورِ، وضـياعُ الصحيحِ مِنْها: (إنّمـا يُريدُ اللـّهُ لِـيُذْهِـب عـنْكُـمُ الـرِجْـس أهْـل الـبيْتِ ويُطـهِّـركُـمْ تطْـهِـيراً) [الأحزاب 33]، (فاجْـتنِبوا الـرِجْـس مِـن الأوْثانِ) [الحج 30]، (فأعْـرِضُـوا عـنْهُـمْ إنّهُـمْ رِجْـسٌ) [التوبة 95]، (كـذلِـك يجْـعـلُ اللّـهُ الـرِجْـس عـلـى الـذين لا يُؤْمِـنُون) [الأنعام 125]، (وأمّـا الـذين فـي قُـلُـوبِهِـمْ مـرضٌ فزادتْهُـمْ رِجْـسـاً إلـى رِجْـسِـهِـمْ) [التوبة 125].

أمّا الرِجْـزُ: الكسلُ والعـذابُ والمُعاناةُ: (لـهُـمْ عـذابٌ مِـنْ رِجْـزٍ ألـيمٍ) [سبأ 5] [الجاثية 11]، (ولـمّـا وقـع عـلـيْهِـمُ الـرِجْـزُ) [الأعراف 134]، (فـأنْزلْـنا عـلـى الـذين ظـلـمُـوا رِجْـزاً مِـن الـسـمـاءِ) [البقرة 59]، (ويُذْهِـب عـنْـكُـمْ رِجْـز الـشـيْطـانِ) [الأنفال 11]، فالشـيْطانُ إذاً: لديْهِ الرِجْسُ والرِجْـز ُمعاً، والله بِكرمِهِ يُريدُ أنْ يُذْهِبهُما معاً عن الناسِ.

(جـعـل اللّـهُ الـكـعْـبة الـبيْت الـحـرام) [المائدة 97]:

تُعْتبرُ الكعبـةُ مرْكزاً لِلحـقِّ في الأرضِ: (جـعـل اللّـهُ الـكـعْـبة الـبيْت الـحـرام قِيامـاً لِلـناسِ) [المائدة 97]، والاتجاهُ نحْو الكعْبـةِ في الصلواتِ مِنْ كلِّ بِقاعِ الأرضِ، يجْعلُ الكعْبة في المركـزِ، والمصلون مِنْ كُلِّ بِقاعِ الأرْضِ يُشكِّلونُ حلقاتٍ دائِريّةٍ حوْلها: (ومِـنْ حـيْـثُ خـرجْـت فـولِّ وجْـهـك شـطْـر الـمـسْـجِـدِ الحـرامِ وحـيْثُ مـا كُـنْتُمْ فولّـوا وُجـوهـكُـم شـطْـرهُ) [البقرة 150]، مِـنْ حـيْـثُ خـرجْـت: في الصـلاةِ وغيْرِ الصـلاةِ لِلتزوُّدِ بالطاقةِ الصادِرةِ عنْهُ.

لِذلِك كانتِ الكعبـةُ مرْكز الحـقِّ في الأرْضِ، وبِما أنّها تتوسّـطُ اليابِسـة فيُمْكِنُ اعتِبارُها مركز الأرضِ الجغرافيّ، وقدْ ذُكِرتْ مكّةُ في القرآنِ الكريمِ باسمها الصريح بِقوْلِهِ تعالى: (وهـو الـذي كــفّ أيدِيهُـمْ عـنْكُمْ وأيْدِيكُـمْ عـنْهُـمْ بِبطْـنِ مـكّـة) [الفتح 24] .

ومكّةُ: اسـمٌ يخُصّ الحرم المكيّ، ويمتدُّ نحو [13 كم] حوْل المسجدِ الحرامِ.

وإذا تأملْنا قوْلهُ تعالى: (جـعـل اللّـهُ الـكـعْـبة الـبيْت الـحـرام قِيامـاً لِلـناسِ) [المائدة 97]، لبـدا لنـا أنّ الكعْبـة هي أسـاسُ المنـافِعِ بالنسبةِ للناسِ عامّـةً، وللمسلمين خاصّـةً وللحُجّاجِ منْهمْ بوجْهٍ أخصُّ: (لِـيشـهـدوا مـنافِـع لـهُـمْ) [الحج 28]، وأهمُّ هذهِ المنافِعِ هي الحنيـنُ للموْطِنِ الأصْليِّ، فلدى جميعِ الكائناتِ الحيّةِ ومِنْها الإنسانُ حنينٌ عجيبٌ لِموْطِنها الأصْليِّ، فالسلاحِفُ وسـمكُ السلمونِ والطيورُ المهـاجرةُ مثلاً، كُلُّها تعودُ لِموطِنِها الأصليِّ بعْد طُـولِ هجْرةٍ، فالناسُ في الحـجِّ والعُمْرةِ يذْهبون إلى حيْثُ يشُدُّهُمُ الحنـينُ إلى الموْطِنِ الأوّلِ للإنسانيّةِ إلى مكّـة: (أُمّ الـقُرى) [الأنعام 92] [الشورى 7]، فمِنْ موْقِعِ مكّة انتشرتِ الإنسانيةُ في الأرضِ، وإلى هذا الموقِعِ تعودُ بالحـجِّ يشُدُّها الحنينُ إلى نُقْطةِ البدْءِ هذهِ: (وإذْ جـعـلْـنا الـبيْت مـثابةً لِلّـناسِ وأمْـناً) [البقرة 125]، مـثابةً لِلّـناسِ: مرْجِعـاً يرجعـون إليْـه.

لِذا يكْفي إعْلانُ الحـجِّ فقطْ حتّى يتوافد الناسُ غيْر عابِئـين بالمشقّةِ ومخاطِرِ السفرِ وبُعْدِ المسافةِ: (وأذِّنْ فـي الـناسِ بالـحـجِّ يأْتُوك رِجـالاً وعـلـى كُـلِّ ضـامِـرٍ يأْتِيْن مِـنْ كُـلِّ فجٍّ عـمـِيقٍ) [الحج 27]، رِجـالاً: مُشـاةً على أرْجُلِهِمْ مُتحمِّلين مشـاقّ السـيرِ، وعـلـى كُـلِّ ضـامِـرٍ: رُكوباً على الحيواناتِ الضامِـرةِ مِنْ طولِ السفرِ، يأْتِيْن مِـنْ كُـلِّ فجٍّ عـمـِيقٍ: دليل بُـعْدِ المسـافةِ مِنْ جهةٍ، وعُمْقِها مِنْ جِهـةٍ أخْرى، فكلِمةُ [عميق] دليلُ كرويّـةِ الأرْضِ.

والكـعْبةُ هي رمْـزُ وحْـدةِ المسلمين، فمن دونِهـا لا يقومُ لـهُمْ ذِكْرٌ ولا شـأْنٌ ولا حيـاةٌ، ولنْ تنْمـو لهمْ قـوّةٌ إذا لمْ يُعْطـوا هذا البيْت العـتيق قيمتهُ الحقيقيّةُ، وإعطاء شعـائِرِهِ أبْعادهـا الإنسانيـّة العامّـة: (ومـنْ يُـعـظِّـمْ شـعـائِـر اللّـهِ فـإنّـها مِـنْ تـقْـوى الـقُـلوبِ) [الحج 32]، فكُلُّ إنْسانٍ مُسْلِمٍ في العـالمِ، يسْتطيعُ عِبادة اللهِ الواحِدِ والصلاةِ لـهُ دون الخوْفِ مِنْ أحدٍ، ويتوجّهُ إليْها ويقْصدُهـا المؤمِنون مِنْ كُلِّ بِلادِ العالمِ، لِيجِدوا فيها الأمْن والسلام المفْقوديْنِ بيْن شُعوبِ الأرْضِ: (أولـمْ يـروْا أنّا جـعـلْـنا حـرمـاً آمِــناً ويُـتـخــطّـفُ الـناسُ مِـنْ حـوْلِـهـمْ) [العنكبوت 67]، (أولـمْ نُـمـكِّـنْ لـهُـمْ حـرمـاً آمِـنـاً يُجْـبى إلـيْهِ ثمـراتُ كُـلِّ شـيْءٍ رِزْقـاً مِـنْ لـدُنّـا) [القصص 57]، (ومـنْ دخـلـهُ كـان آمِـناً) [آل عمران 97]، ولِهذا أصْبحتْ مكّةُ مرْكزاً لِلثقافاتِ العالميّةِ المتنوِعةِ، حيْثُ يحجُّ إليْها المسلِمون مِنْ كلِّ بِلادِ العالمِ على اختِلافِ أجْناسِهِمْ فهي أهـمُّ مرْكزٍ دِينيٍّ عالميٍّ.

بناء الكعبة

كانتِ الكعْبةُ قائِمةً قبْل إبراهيم عليهِ السلام، لكِنّها كانتْ مُنْدثِرةً، فأمر اللهُ نبِيّـهُ إبراهيم بإعادةِ بِنائِهـا في مكانِها السابِقِ: (وإذْ بـوّأْنـا لإبـراهـيـم مـكــان الـبيْـتِ) [الحج 26]، وذلِك: (بِـوادٍ غـيْـرِ ذي زرْعٍ) [إبراهيم 37]، على مُفْترقِ طرُقِ القوافِلِ، فبنى بِمُساعدةِ ابْنِـهِ إسْماعيل عليهما السلام قواعِدهـا فقطْ: (وإذْ يـرْفعُ إبراهـيمُ الـقـواعِـد مِـن الـبيتِ وإسْـمـاعِـيل) [البقرة 127]، وكانتْ من دونِ سقْفٍ، وارتِفاعُها نحو مترين حتّـى سقفها [قُصيُّ بن كِلاب] في القرن الثاني قبْل الهجرة، ورفع بابها نحو مترين، وأخْرج مِنْها حِجْر إسْماعيل [الحطيمُ]، وقدْ أعادتْ قُريْـشُ بِناءها بعْد أنْ تصدّعتْ جدْرانُها، بِسببِ سـيْلٍ جارفِ أصابها مِنْ بعْـدِ حريقٍ، حيثُ شـارك الرسولُ الكريمُ صلى اللهُ عليهِ وسلّم ببنائِها، ووضع الحجر الأسـود مكانهُ، وكان عمرُهُ الشريفُ وقْت ذاك 35 عاماً، وكان آخِرُ بِناءٍ للكعْبةِ والذي يطُوفُ حوْلهُ المُسْلِمُون الآن قدْ تـمّ في عام 1040 هجريّةِ المُوافِقُ عام 1630 ميلاديّةٍ، وأكْبرُ توْسِعةٍ للحرميْنِ كانتْ في عهْدِ خادِمِ الحرميْنِ الشريفيْنِ: [الملِكُ عبدالله بن عبدالعزيزِ آل سُـعُود] رحمه اللهِ، والتي لاتزال أعمالها جارية حتى الآن.

مواصفات الكعبة

الكـعْبةُ لُغـةً: هي الغُرْفـةُ المربّـعةُ، فهي بِنـاءٌ مُكـعّبُ الشـكْلِ، ارتِفاعُهـا 16 متـراً، وطـولُ ضِلْعِهـا الذي يحـوي البـاب = 12 متـراً، وطولُ ضِلْعِها الذي يّحوي [الميزابِ وهو مزرابُ السطحِ] = 10 أمتار و10 سم، يرْتفِـعُ بابـُها مترينِ عن الأرضِ ويتّجِهُ للشِمالِ الشرْقيِّ، وتُسمّى زواياهـا «الأرْكان»، والركْنُ الذي على يسارِ البابِ يحْتوي الحجـر الأسْـود على ارتفاعِ مترٍ ونِصْفه، وهي بِنـاءٌ مِن الحجرِ الرماديِّ، والزاويةُ الشماليّةُ تُسمّى العراقيّـةُ، والغربية تُسمّى الشامية، والجنوبيّـةُ تُسمّى اليمنيّـةُ، ويقعُ الحطيمُ في جِهتِها الغربيّةِ.

الأساطير تُعْنى بالخُرافاتِ واللاّمعْقُول وحكايا الآلِهـةِ المُتعدِّدة

(مـا جـعـل اللّـهُ مِـنْ بحِـيرةٍ ولا سـائِبةٍ ولا وصِـيْلـةٍ ولا حـامٍ) [المائدة 103]:

البحيِـرةُ: إذا ولدتِ الـدابّةُ خمْسـة أبْطُنٍ، وكان الولدُ الخامِسُ ذكـراً، ذُبِح وأكلهُ الرِجالُ والنِساءُ، أمّـا إذا كان الولدُ الخامِسُ أُنْثى، بحروا - شقُّوا - أُذُنها ويحْرُمُ أكْلُها على النِساءِ، السـائِبةُ: يُنْذرُ الحيوانُ للرجُلِ إذا شُـفِي مِن المرضِ أوْ أوْصلهُ لِهدفِهِ فإنّ الحيوان يُتْركُ سـائِباً لا يُرْكبُ ولا يُذْبحُ ولا يُمْنعُ مِن الرعْي حيْثُ يشـاءُ، الوصِـيلةُ: إذا ولدتِ الدابّةُ سـبْعةُ أبْطُنٍ، وكان السابِعُ ذكراً ذبحُوهُ، وإنْ كانتْ أُنْثى تُرِكتْ، وإنْ كان البطْنُ السابِعُ توْأمـاً [ذكراً وأُنْثى]، قالُوا: وصلتْ أخاها، فلمْ تُذْبحْ، الحـامُ: الفحْـلُ الذكرُ، إذا نتـج مِنْ صُـلْبِهِ عشـر وِلاداتٍ، قالُوا: حمى ظهْـرهُ، فلا يُذْبحُ ولا يُرْكبُ ويُتْركُ حُـرّاً.

أسـاطـير الأوّلـين:

(يقُولُ الـذين كـفروا إنْ هـذا إلاّ أسـاطِـيرُ الأوّلـين) [الأنعام 25]:

وقدْ أهْملتِ العُلُومُ الشرْعيّةُ دِراسة الأُسْطُورةِ، لأنّ الأساطير تُعْنى بالخُرافاتِ واللاّمعْقُول وحكايا الآلِهـةِ المُتعدِّدةِ، فاعْتبرها عُلماءُ الشريعةِ أباطِيْـل، وقدْ سـاعد هذا لإهْمال، البُعْـدُ الزمنيُّ مـا بيْن التُراثِ القديمِ وبيْن اليوْمِ، حيْثُ لمْ يعُدْ للتُراثِ القديمِ أيّ تأثيرٍ يُذْكرُ في حياةِ الناسِ هذِهِ الأيّام، والسُؤالُ الذي يطْرحُ نفْسهُ بِقُوّةٍ: هلْ يجُوزُ إهْمالُ دِراسةِ التُراثِ المِصْريِّ العريق جِدّاً، مِنْ أجْلِ فِرْعوْنٍ طغى: (اِذْهـبْ إلـى فِرْعـوْن إنّهُ طـغـى) [طه 24] وغرِق مع جيْشِهِ في البحْرِ، وانْتهى الأمْرُ، أمْ إنّ دِراسـة التاريخِ القديمِ دُون أساطيرِهِ، هي دِراسةٌ مبْتُورةٌ ناقِصةٌ.

وتخْتلِفُ الأسْطورةُ عنِ التعاليمِ الدينيّةِ، بِأنّ الأسـاطير لا تهْتمُّ بِإرْشـادِ البشرِ، مِثْلمـا التعاليمُ الدينيّةُ، والناسُ يخْتبرون الحياة على جانبيْنِ: العِـلْمُ والأُسْطورةُ، وبِمـا أنّ العِلْـم يزْدادُ سـيْطرةً، فإنّ الـوعْي الأُسْـطوريّ اللاّعقْـلانيّ يتراجعُ، لأنّ الوعْي الأُسْـطوريّ لا يظهرُ إلاّ عِنْدمـا ينْهارُ المجْتمعُ العقْلانيُّ العِلْميُّ.

وقدْ كان سرْدُ الأسـاطيرِ ضرورةً حيويّـةً لِلناسِ في الماضي، لِشحْـذِ المواهِبِ الروحيّـةِ التي جعلـتْ الإنسان يبْتكـرُ أساطيرهُ لِفهْمِ الكثيرِ مِن المعـاني مِثْل: معْنى الوِلادةِ والموْتِ وما بعْد الموتِ، ومعنى القضـاءُ والقدرُ والوجُودُ، والخِصْبُ والبُطُولةُ وقيامـةُ الأمْواتِ والخلودُ، فلِكلِّ سُـؤالٍ أُسْـطورةٌ تُجيبُ عليـهِ، كما أنّ لِكُلِّ مـزاجٍ أُسْطورةٌ تُلائمُـهُ، فبعيداً عنِ السُـلوكيّاتِ الدينيّةِ وجد الإنْسانُ سُلوكيّاتٍ لا معْقولة ٍ ولا مُبرّرة إلاّ عنْ طريقِ الأسـاطيرِ، فأبْطالُ الأسـاطيرِ عِنْدهُ كانوا يقومُون بأعْمالٍ خارِقةٍ ويُحقِّقُون كافّة الرغباتِ والأمـانيِّ، ويهْزِمُون حتّى الآلِهـة، مِمّـا يُشِـيرُ إلى انْفِـلاتٍ لِمكْـبوتاتِ اللاّوعي الشـعْبيِّ. وقدْ أغْنى القُرْآنُ الكـريمُ العقْل البشـريّ بِمـواضيع تفوقُ مـدى التصـوُّرِ البشـريِّ الذي تحُـدّهُ قوانينُ الطبيعـةِ، مِثْل الناقةِ التي خرجتْ مِن الصخْرِ [ناقةُ النبي صـالح]، والبُراقُ الذي يسْـتحيلُ تصْـنيفهُ ضِمْن أيِّ فصِيلةٍ حيوانيّـةٍ مـعْروفةٍ، كُلُّ هذا كيْ يتْرُك للفِكْرِ البشـريِّ حُـرِيّة الانْطِلاقِ والتصوُّرِ لِمـا وراءِ الطبيعـةِ وقوانينِهـا، بعْد الإيمـانِ بِهذِهِ الأحْـداثِ، ونحْنُ كمُؤمِنِين نبْحـثُ عنِ العـوامِل الموْضُـوعيّةِ للحـدثِ الدينيِّ مثل [الإسْـراءِ والمِعْـراجِ]، ونتركُ اللاّموْضُوعيّ فيهِ لِجـانِبِ الإيْمـانِ، دُون أنْ نكُـون قدِ ارتكبْنـا خطـأً في حـقِّ العِـلْمِ والدينِ معـاً.

والأدْيـانُ قدْ جاءتْ ردّاً على الجهْلِ المعْـرِفيِّ [عصْر الجاهليّةِ]، والحديث الشريفُ: [اللهُمّ اهْـدِ قوْمي فإنّهُمْ لا يعْلمُـون]، فالأسـاطيرُ أوّل مـا نشـأتْ في المعـابِدِ، وكانتْ مُهِمّتها تقْـديم تفْسِـيرٍ للظـواهِرِ التي عجِز الإنْسـانُ عنِ الوُصُـولِ لإجاباتٍ صـادِقةٍ عنْهـا، فجـاءتِ الأُسْـطُورةُ لِتُفسِّـر الحاضِر وتُعْطي الأمـل في مُسْـتقْبلٍ أفْضـل، وقـدْ قسّـمتِ الأُسْـطُورةُ العمـل إلى يدويٍّ وذِهْنيٍّ، ولِهذا كانتِ الأسـاطيرُ جـزْءاً مِنْ بُنْيـةِ الأدْيانِ وطُقُوسِ العِبـادةِ، لكنّهـا لـمْ تتّخِذْ صِـفة الإلْـزامِ، مِمّـا جعلهـا عُرْضـةً دائِمـةً للتغْـييرِ، وكذا كان مع الأدْيانِ والرِسـالاتِ السـماويّةِ التي كان الناسُ يُحـرِّفونها بلْ ويبْتدِعُون كُتُـباً سـماويّةً مِنْ تأليفِهِـمْ: (فـويْـلٌ لِـلّـذين يـكْــتُبُـون الـكِـتاب بأيْـديهِـمْ ثُـمّ يقُـولُـون هـذا مِـنْ عِـنْـدِ اللّـهِ) [البقرة 79]، وبِسـببِ تداخُلِ الأسـاطيرِ مع الأدْيانِ فقدْ بدأتِ المُعْتقداتُ بِعِبـادةِ ظواهِرِ الطبيعـةِ: (وجـدْتُهـا وقـوْمـهـا يسْـجُـدون لِلـشـمْـسِ مِـنْ دُونِ الـلّـهِ) [النمل 24]، لذلك يقول تعالى: (لا تـسْـجُـدوا لِلـشـمْـسِ ولا لِلـقـمـرِ واسْـجُـدوا لِلّـه الذي خـلـقـهُـنّ) [فصلت 37]، ثُمّ انتقلت المعتقدات إلى عِبادةُ آلِهةٍ مُتعدِّدةٍ بدأتْ إنـاثاً أوّلاً: (أفـرأيْتُمُ الـلاّت والـعُـزّى ومـنات الـثـالِـثـة الأُخْـرى) [النجم 19]، ثُمّ ذُكُوراً: (فراغ إلـى آلِـهـتِهِـمْ فقـال ألا تأْكُـلُـون) [الصافات 93]، ثُمّ تحوّل الحُكّامُ إلى آلِهةٍ، ففِرْعوْنُ: (قـال مـا عـلِـمْـتُ لـكُـمْ مِـنْ إلـهٍ غـيْـري) [القصص 38].

كل هـذا واللـه أعلـم

نيسان ـ نشر في 2015-06-25

الكلمات الأكثر بحثاً