حبيب الزيودي.. شهيد القصيدة بالضربة القاضية
نيسان ـ نشر في 2017/07/01 الساعة 00:00
سعد الفاعور
كمن سبقه من المبدعين الأردنيين الذين لم يمهلهم الموت طويلاً، وكأنما كان يترصد خطواتهم ليختصر أعمارهم ويطوي سجلات صحائفهم الإبداعية على حين غفلة، وإثر نوبة قلبية مفاجئة، وبينما كان عمره فقط (49 عاماً)، خسرت الساحة الشعرية والأدبية والثقافية الوطنية حبيب الزيودي.
وكما غيره من لآلئ العقد الأردني المنفرطة حباته والتي لم يلظمها أحد بعد، ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر: تيسير سبول، مصطفى وهبي التل، نمر ابن عدوان، ميسون الصناع، غالب هلسة، ناهض حتر...الخ، قضى حبيب الزيودي نحبه بالضربة القاضية مضرجاً بحبر القصيدة، وقد سالت حروف وجعه على عتبات مضارب القبيلة وصهيل خيلها ورائحة قهوتها التي كانت تعدها أمه بيديها فيتذوقها بفخر، كأنه يزهو في جلسة خيلاء بإحدى مقاهي: (كوستا أو جلوريا جينز أو ستاربكس) الفاخرة.
وبين وقفاته الشعرية في تحسس حب الوطن، ووصف العشيقة، والحنين إلى رائحة أمه ومضارب قبيلة أبيه، وجمال الفتاة البدوية التي تسير إلى الغدير، ووصف الشارع، وشبابيك الحي، وتفاصيل يوميات الإذاعة والجريدة، انتزع ألقاباً عديدة، كانت حرية به، وكان جديراً بها، فعرف بأسماء كثيرة، منها: (الفتى الأسمر، شاعر القلق، شاعر الحب، شاعر الأحلام الوردية)، كما اشتهر بأنه صاحب محكية (قفا نحك)، الزاوية الأكثر شهرة في صحيفة الرأي آنذاك، التي كان يثرثر بها شعراً وعشقاً ووطناً تَسَرْبَلَهُ عطاءاً وقراءة وثقافة وإبداعاً، بكل لغات القصائد النبيلة، الفصيحة والنبطية والعامية!
الفتى الأسمر، لم يبرح مضارب الشعر، إلا وترك خلفه بصمة فارقة أثرت الساحة الثقافة والأدبية الأردنية، ففي عام 2000، أسس مبادرة 'بيت الشعر الأردني' في جبل الجوفة فوق المدرج الروماني، فجسر بين الشعراء الأردنيين والعرب والأجانب، فأصبح البيت كما لو أنه قلعة مثقلة بأكبر وأشهر شعراء الأردن والوطن العربي، وتراثاً أدبياً يقارع عظمة البناء الهندسي للحضارة الرومانية، فصنع تلاقحاً حضارياً وإنسانياً حوّل الليالي الصيفية والرمضانية إلى واحة غناء تكتنز بثراء مترف من العصف الوجداني والشعري والثقافي الذي يليق بعاصمة من طراز عمّان.
ولد حبيب الزيودي في لواء الهاشمية بمحافظة الزرقاء سنة 1963، وما أن شب واشتد ساعده، حتى تسلق بثبات وشموخ عتبات كلية الآداب في الجامعة الأردنية، فحظي بحب ورعاية وإشادة أساتذته، خالد الكركي وصلاح جرار وسمير قطامي، الذين أبهرهم بقصائده المتدفقة لحناً موسيقياً عذباً دون تكلف أو عناء!
تخرج في الجامعة الأردنية، عام 1987، فنال درجة البكالوريوس في الأدب العربي، ثم واصل مشواره الأكاديمي، ونال الماجستير من الجامعة الهاشمية عام 2009. رصيده الأدبي مثقل بالعديد من القصائد والدواوين، فضلا عن مساهمته الكبيرة في إثراء المشهد الثقافي من خلال عمله في صحيفة الرأي بالقسم الثقافي عام 1987، وفي الإذاعة الأردنية بالقسم الثقافي أيضاً عام 1989 ثم في وزارة الثقافة عام 1990، ثم في التلفزيون الأردني عام 1992، وكذلك عمله مساعداً ومستشاراً لرئيس الجامعة الأردنية للشؤون الثقافية.
له العديد من الدواوين الشعرية، من أبرزها: الشيخ يحلم بالمطر، صدر عام 1986، طواف المغني، صدر عام 1990، منازل أهلي، صدر عام 1997، وناعي الراعي صدر عام 2004. وقد كتبت العديد من الدراسات النقدية التي تناولت أعماله وسيرته الإبداعية.
أخيراً، وإلى من اختاره الرحيل مبكراً، هل يكفيك أن نبادرك مع إشراقة كل شمس: 'صباح الخير يا حبيب، يا حنة على حنة، يا فوح الخزامى والندى ويا ريحة الجنة'. أيكفيك أن نمر بقبرك ونقول لك: 'قفا نحك' أو 'قفا نبك'، فكلاهما سيان: فالكلام بمقامك ضرب من بكاء وشطر من وجع عشيقة خانها الموت وخطف فارس أحلامها بالضربة القاضية؟!
نيسان ـ نشر في 2017/07/01 الساعة 00:00