اتصل بنا
 

معايير حقوق الإنسان الأمريكية والامتحانات شرق الأوسطية الصعبة.. لمن تنحاز إدارة بايدن؟

كاتب وخبير أمني

نيسان ـ نشر في 2021-03-10

نيسان ـ أصبح واضحاً أنّ معيار التزام الأنظمة السياسية والحكومات بمنظومات حقوق الإنسان والإصلاح والديمقراطية ستكون أبرز المحدّدات التي ستبني على أساسها قيادة البيت الأبيض علاقاتها مع تلك الأنظمة والحكومات، وهو ما يعني أنّ المقاربة التي تزعم أنّ نجاح الديمقراطيين في الانتخابات الأمريكية سيكون بمصلحة الشعوب، وليس الحكومات والأنظمة، تبدو صحيحة للوهلة الأولى، خاصّة بالنسبة إلى الشعوب والحكومات الغربية.

غير أنّ هذه المقاربة الأمريكية يتمّ التعاطي معها في أوساط عديدة في الشرق الأوسط "شعبياً وفي أوساط نخب سياسية ومنظمات مجتمع مدني" بشكوك عميقة؛ إذ تسود قناعات، تصل إلى درجة التعامل معها بوصفها حقائق، بأنّ أمريكا تكيل بمكاييل عدة في استخدام هذا العنوان، رغم ما أظهرته المعركة الانتخابية الأخيرة بين ترامب وبايدن من مرجعيات حول التزام أمريكا بالديمقراطية، وعودتها إلى حقوق الإنسان، والتنوّع والتعدد الثقافي.
تسود قناعات، تصل إلى درجة التعامل معها بوصفها حقائق، بأنّ أمريكا تكيل بمكاييل عدة في استخدام عنوان حقوق الإنسان
وإذا كانت الإجراءات التي اتخذتها أمريكا تجاه حليفها الاستراتيجي المملكة العربية السعودية على خلفية قضية خاشقجي، وتأييد الإفراج عن الناشطة الحقوقية "لجين الهذلول"، وضدّ روسيا، وإعادة إثارة قضية المسلمين "الإيغور" ضد الصين، قدّمت دليلاً "أوّلياً" على التزام أمريكا الجديد بحقوق الإنسان، فإنّ تساؤلات تُطرح حول الترجمات الأمريكية لدفاعها عن حقوق الإنسان في فلسطين، وسورية، والعراق، واليمن، وليبيا، وفيما إذا كانت الحقوق والمعالجات لشعوب هذه الدول ستبقى خاضعة لحسابات سياسية تحكمها مصالح أمريكا، لا منظومات قيمها، يتمّ خلالها التغاضي عن إثارة هذا الملف في إطار التحالف مع إسرائيل، أو التواطؤ مع الفاعلين في الملف السوري في إطار التسوية السورية، أو ستخضع مقاربات حقوق الإنسان للمفاوضات القادمة بين أمريكا وإيران، أو بين أمريكا وتركيا.
لقد كان لافتاً الموقف الأمريكي الرافض لقرار خضوع إسرائيل لتحقيقات وقرارات المحكمة الجنائية الدولية، فيما يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي آلاف المعتقلين الفلسطينيين، ورغم أنّ العرب يدركون ضعف فاعلية أحكام الجنائية الدولية، إلّا أنّ المأمول كان موقفاً أمريكياً منسجماً مع ما تعلنه أمريكا الجديدة، وبما يشمل الحقوق الإنسانية للفلسطينيين.

لقد فهم العالم كله أنّ معركة الانتخابات الأخيرة لم تكن بين الحزبين الأمريكيين الكبيرين، ولا بين شخصيّ الرئيسين السابق واللاحق "ترامب ـ بايدن"، وإنّما كانت بين القيم الإنسانية واللّاقيم، بين عالمين: الأوّل بنظم وحكومات ديمقراطية ملتزمة بحقوق الإنسان، والثاني بنظم وحكومات دكتاتورية، وهو ما عبّر عنه الرئيس بايدن في أحد تصريحاته قبل أقلّ من أسبوع.
تساؤلات تُطرح حول الترجمات الأمريكية لدفاعها عن حقوق الإنسان في فلسطين، وسورية، والعراق، واليمن، وليبيا، وفيما إذا كانت المعالجات لشعوب هذه الدول ستبقى خاضعة لحسابات سياسية
الصورة اليوم في الشرق الأوسط تشير إلى حكومات تسابق الزمن في الإعلان عن توجهات إصلاحية واتخاذ قرارات تحت عناوين الإصلاح، ترسل رسائل إلى الإدارة الأمريكية بـ"تكيفها" مع المتطلبات الجديدة، تشمل الحكومات كافة، ومنها حكومات الاعتدال والممانعة العربية والإسلامية، وبالتزامن شعوب عربية وإسلامية من اتجاهات مختلفة "موالية ومعارضة" للحكومات في المنطقة تترقب وبصورة مجهرية أيّ تصريحات أو إجراءات أمريكية ذات مرجعيات مرتبطة بمقاربات حقوق الإنسان، خاصّة أنها "عملياً" صوّتت إلى جانب الرئيس "بايدن"، رغم أنّ أصواتها لم تُحتسب.

مقاربة معايير الإصلاح الأمريكية في التعامل مع حكومات المنطقة سترتب عبئاً على الإدارة الأمريكية، وتجعلها موضع اختبار دائم بالنسبة إلى شعوب الشرق الأوسط، في مقارنات بمدى مصداقيتها من جهة، ومدى عدالتها وعدم استخدامها في أطر براغماتية واستخدام أكثر من مكيال في توزينها مقارنة بين الحكومات من جهة أخرى، وستكون الحقوق الفلسطينية أوّل الامتحانات، إضافة إلى امتحانات أخرى تشمل حكومات وشعوب المنطقة، عربية وإسلامية، فالشرق الأوسط حافل بتفاصيل كثيرة في هذا الملف، وتكاد الفروق بين دوله وحكوماته تكون محدودة في التعاطي مع منظومات حقوق الإنسان، ويبقى السؤال مطروحاً: هل ستنحاز الإدارة الديمقراطية إلى الشعوب أم إلى الحكومات؟

نيسان ـ نشر في 2021-03-10


رأي: عمر الرداد كاتب وخبير أمني

الكلمات الأكثر بحثاً