اتصل بنا
 

إصلاح بلا إصلاحيين

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2021-06-13 الساعة 08:16

إصلاح بلا إصلاحيين ـ بقلم: محمد
نيسان ـ محمد قبيلات

تدور فراشات مروحة الإصلاح السياسي ضمن خيارات المحاصصة التي تفرضها مراكز القوى المتخفية تحت عناوين براقة أعلاها شأنا؛ المحافظة والليبرالية، وأدناها تلك الجهويات الإقليمية والمناطقية المتفشية ناخِرَةً أوصال المجتمع، وتهدد السلم الأهلي بالانفجار في أية لحظة.
وتظهر، هذه التشكيلات، بعدد من الدواوين والمجالس السياسية التي يقتصر وجودها في العاصمة عمان، ظلّت طوال الحقب الفائتة تتعيش على الشكل البسيط المتيسر من تداول السلطة، الذي يأخذ طابع التنفيعات والمحسوبيات للموالين، عن طريق التعديلات والتشكيلات الوزارية، وما يتبعها من تغييرات في الإدارات، إذ يتم توزيعها غنائميا على الطبقة السياسية المُصَنّعة لتمرير تسيّد طبقات السياسة الطفيلية، التي سادت البلاد منذ تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، واستشرست بعد الفورة النفطية مطلع سبعينيات القرن الماضي.
مما لا شك فيه، أن عملية الإصلاح الحقيقي، لا بد أن تنطوي على جملة من التسويات بين أطراف المعادلة الاجتماعية والرتب الطبقية، أبرزها الإصلاح الاقتصادي والإداري والسياسي، أي إنجاز التسوية الكبرى المتعلقة بأس المشاكل والاختلالات كافة، والتي تتمحور حول عملية التوزيع العادل للثروة والتنمية، وصون المال العام، ما يستدعي إصلاح الأجهزة التشريعية والقضائية والرقابية أولًا، ومنحها الاستقلال التام.
على المستوى السياسي، لا بد من تفعيل الدستور، وإبعاد المؤسسات المتنفذة، وكف أيديها، عن الانخراط مباشرة بالإدارة السياسية للبلاد، ولا بد أن نتذكر أن أرقى أنظمة الحكم المَلكِيَّة اليوم هي تلك المُقيَّدة بالبرلمان والدستور، وهذا هو المطلوب على المستوى الوطني، بحيث تبقى للمَلكِيَّة رمزيتها ومكانتها الأرفع، الي تمكنها من الإشراف على عمليات تداول السلطة، لتبقى الحَكَم العدل المستقل الأمين على مصالح الأمة، والمنزهة عن الانخراط في الصراعات الاجتماعية، والاصطفافات الطبقية، فتقف على مسافة واحدة من مكونات وبنى الدولة جميعها.
للأسف؛ هذا الكلام لن يُطرح في لجنة الإصلاح الموقرة، وستغرق اللجنة بالمفاضلة بين مسودات قوانين الانتخاب المجهزة مسبقا، وفي الأغلب لن تخرج بقانون انتخاب جديد تماما، أي قانون يعيد للسلطة التشريعية والرقابية مكانتها ويخرج البلاد من حالة الاستعصاء السياسي، بل سيتم الاختيار من ضمن القوانين السابقة، أو بشطب أو إضافة بعض الفقرات، ولن تكون هناك تعديلات دستورية جوهرية، وعلى الأغلب، سينسحب الشيء ذاته على قانون الأحزاب، وقانون الادارة المحلية.
هناك الكثير من الملحوظات على اللجنة المَلكِيَّة لتحديث المنظومة السياسية، لكن أخطر ما سمعت من الملحوظات تلك التي تتعلق بتشكيلتها السياسية، حيث اللمسات الأمنية واضحة على اختيار أغلبية الأعضاء، وتم عن سابق قصد استبعاد المعارضة الحديثة، ذات الطابع المطلبي الفئوي، التي ظهرت بعد عام 2011، وعبرت عن حالة التذمر والغضب الشعبي التي خفضت، بشكل غير مسبوق، مستويات الرضا عن الأداء السياسي والاداري، وسبق أن أسقطت حكومة دولة سمير الرفاعي، رئيس لجنة الإصلاح نفسه، في مطلع الربيع العربي.
هذه الملحوظة خطيرة، لأنها تؤكد وجود تحالف مصالح قوي، يتكون من أطراف المنظومة القديمة، سلطة –معارضة سواء كانت الإخوانية أو اليسارية والقومية، من جهة، ضد المعارضة الجديدة، سواء كانت حراكية أو نقابية أو لجان المتقاعدين وحلفائهم من المعارضة الوطنية، في الجهة الأخرى، وهو الفرز الواضح للتشكل السياسي الذي يجب أن تتم التسوية على أساسه.
واذا ما اعتبرنا هذا الذي جرى، تجاهلًا متعمدًا للتناقضات الحقيقية، وتغييبًا للأطراف الاساسية التي يجب أن تجلس حول طاولة التسوية، فإن الاستنتاجات بالضرورة محبطة، وتعكس ضعف الآداء السياسي للجهات التي قدمت المقترحات بتشكيلة اللجنة.
الملحوظة الأخيرة؛ أن الإصلاح ضرورة وطنية، يجب أن يكون من الوطن وللوطن، لا حسب تصورات الإدارة الأمريكية الجديدة، فرأي "الأصدقاء" الأمريكان ليس سديدًا دائمًا، وإذا كانت التوجهات لدى الإدارة الأمريكية الجديدة تدعم إصلاحا يتعدى أو يتجاهل المصالح الوطنية العليا، كأن يفرضوا اشراك تيار معين مثل الإخوان المسلمين في الحكم، بشكل يفوق وزنهم الحقيقي في الحياة السياسية الأردنية اليوم، أو زيادة المقاعد في البرلمان والحكومات للأردنين من أصل فلسطيني، لأغراض وغايات التوطين وتصفية القضية الفلسطينية، فليس من داع لهذا الإصلاح من أساسه الآن، والأردنيون على استعداد، في ظني، لتحمل شوطٍ جديدٍ من الاستبداد السياسي، والتعايش مع هذا الشكل من إدارة أمورهم السياسية والحياتية، إلى أن يفرجها الله.

نيسان ـ نشر في 2021-06-13 الساعة 08:16

الكلمات الأكثر بحثاً