اتصل بنا
 

كيف أصبحت تونس حارقة لأكباد أبنائها؟

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2021-07-27 الساعة 20:29

كيف أصبحت تونس حارقة لأكباد أبنائها؟
نيسان ـ محمد قبيلات
مرَّ عِقد من الزمان على ثورة التونسيين على حكم زين العابدين بن علي، لكن الحال لم يتغير، بل ربما صار أشد وطأة على الفقراء، وعلى الشباب الهائمين، تحت أشعة الشمس اللاهبة، في شارع الحبيب بو رقيبة الذي يتوسط العاصمة التونسية، لا عمل ولا خدمات، ولا أي تقدم في مجال من مجالات الحياة، بل على العكس تماما، كل شيء إلى انهيار وخراب، ليس فيما يخص الشباب والفقر والبطالة وحسب، بل في المجالات كافة، حتى القطاع الصحي لم يعد كما كان حاله أيام حكم الفساد والاستبداد، بل ازداد سوءًا.
هل يمازح التاريخ التوانسة ويقول لهم أخطأتم؛ أم أنها كلف الثورة؟ ولِمَ تستمر الأمور متعرجة كل هذا الوقت؟ ومتى تعود إلى نصابها وسِكَّتها الصحيحة؟ وآلالف الأسئلة الاستنكارية والاستفهامية التي تملأ الرؤوس، هذه الأيام، على وقع أخبار تونس، ليس في تونس فقط، بل على امتداد الوطن العربي، خاصة لدى أجيال الشباب الطامحين إلى التغيير وتحسين الأوضاع.
وهذه مشكلة ليست جديدة، فكل الثورات كُلَفها عالية، ولم تُنجز في ليلة وضحاها، بل استمرت عشرات السنين وهي تتقاعل وتتعرج، سواء بالنسبة للثورة الفرنسية، ثورة البرجوازية على الاقطاع، أو الثورة الروسية، ثورة الطبقة العاملة على البرجوازية، في الحالتين لم تتم الأمور بسهولة، أو بكبسة زر كما يقولون.
لعل المشكلة والسبب في تكبد كل تلك الأكلاف تعود إلى عدم جاهزية وكفاءة المشروع الجديد، إضافة إلى مقاومة "السيستم" القديم للإدارة الجديدة، وإلى غير ذلك من تبدل الحلفاء الداعمين أو المتعاونين، ضمن منظومة المصالح والتحالفات مع الدولة قبل الثورة، سواء الإقليميين أو الدُّوليين.
وإذا عدنا لأساس المشكلة، نجدها تتلخص باستحكام الأزمة، بمعنى أن النظام القائم يصل إلى الإفلاس التام، وبالوقت ذاته لا يكون البديل جاهزا، أو ربما لا يوجد بديل من الأساس، ولهذا السبب يمشي التاريخ الهوينى، ريثما تتهيأ الظروف لإنجاز التغيير والتقدم.
لهذا السبب تتردد فئات كثيرة من المجتمع أمام فكرة التغيير الجذري، لأن معظم الناس غير مستعدين لتحمل أكلاف التغيير، فيميلون للقبول بفكرة الإصلاح المتدرج، بمعنى إجراء تسويات متمهلة ومتهاونة بين الحاكمين والمحكومين، وإن لم توفِ بكل المتطلبات، خصوصا في هذا الزمان الذي أصبح فيه الإنسان مربوطا بالسوق بشكل مستمر، فلقد زادت حاجاته من السوق وأصبح أكثر ارتباطا في المجال العام، وقلت مخزوناته ومكتفياته الذاتية، وكذلك مساحاته الخاصة.
في الوطن العربي اليوم، تبدأ الأزمات اقتصادية واجتماعية، لكنها تنتهي سياسية وأيدولوجية، لأن ثمة أمورًا لم تُحسم منذ مئات السنين، وما زال العقل الجمعي يعج بها، كأننا ما زلنا في سقيفة بني ساعدة، نعم ما زلنا في نزاع مفتوح، النقاش ذاته في العراق وسورية واليمن ولبنان ما زال مستمرا، وتونس ليست بالبعيدة عن تلك الأجواء، فلقد انقسم الشارع التونسي بين تيارين متشددين، تيار ميوله غربية تماما ويريدها حرية مفتوحة، وتيار آخر متدين يريد العودة بتونس إلى دولة الخلافة.
النتيجة أن ليس من حل وسط بين الطرفين، وبالتالي لا تصبح الديمقراطية الوصفة الأنسب لضبط النزاعات والصراعات، خصوصا أن النظم الديمقراطية الجديدة عادة ما تكون هشّة، فلا تتحمل قوة الشد بين الأطراف المتنازعة، فيصير البديل الأسهل، المتاح، العودة إلى شكل الحكم السابق، أو ربما إلى ما هو أسوأ وأضل سبيلا، أو يتقبل الناس الوضع القائم الجديد، درءًا لمخاطر تحمل كلفًا إضافية.

نيسان ـ نشر في 2021-07-27 الساعة 20:29

الكلمات الأكثر بحثاً