اتصل بنا
 

الأردن القَلِقْ.. نقاشات الهُوية والرسائل المشفَّرة بين الرفاعي والفايز

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2021-10-26 الساعة 12:09

الأردن القلق.. نقاشات الهوية والرسائل المشفرة
نيسان ـ محمد قبيلات

القلق الأردني أين بدايته؟ من الجغرافيا والتأريخ، أم من المناخ والموارد والحدود والإدارة والتكوين الاجتماعي عموما؟ أم يبدأ من حالة عدم الاكتمال لأشكال التنظيم والهُوية والثقافة والقوانين جميعها؟

الحقيقة المُرَّة هي ألّا أحد يمتلك الجواب على كل هذه الأسئلة، والسبب ليس معرفيًا، بل هو مرتبط ارتباطا وثيقا بتوظيف الأجوبة، فلا أحد محايدًا في هذه البلاد، وليس للحديث الموضوعي مجالا، لأن الأمور وصلت إلى مفترق طرق وعرٍ، فلا الإدارة الرسمية مستعدة لتحمل المسؤولية الأخلاقية عن سياساتها التي أدت إلى هذه النتائج، ولا أصحاب المشروعات المستقبلية لديهم الاستعداد لتقديم برامج واقعية.

ولعل هذا هو بيت القصيد، إنها الأزمة بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ وتجليات الإفلاس، فلا الإدارة القائمة لديها التفسير أو الحل، ولا البدائل مؤهلة الآن لتقديم الحلول.

وما يزيد في حجم وعمق المشكلة، قوة تأثير المسارات الخارجية على الوضع الداخلي، وارتباطها المباشر بنمط الحكم لا بالنمط الاجتماعي، وهذه المشكلة بدأت مع ظهور الدولة الأردنية الحديثة، إذ أصبح هناك جزءٌ كبيرٌ من الشرعية يُستمد من الخارج، لا من العمق الاجتماعي، وبناء عليه تمت صياغة السياسات بما يتوافق والغايات المرسومة إقليميًا ودُوليًا، حيث لم تؤخذ أولوية المصالح الاجتماعية الأردنية بالحسبان.

لذلك نجد أن التطورات الخارجية هي أكثر ما يربك المشهد الداخلي، وما ينجم عنها من تفاعلات، قد تؤثر سلبا في الصورة المرسومة خارجيا للأردن، وذلك بسبب امتداد العوامل الخارجية بقوة إلى الداخل، وتأثيرها المباشر في توزيع الموارد والثروة والتنمية.

لا شك أن التفسيرات العدمية جاءت تعبيرا عن عمق الأزمة، بمعنى الاستناد إلى حالة اللّايقين وعدم الثقة بالتحليل، والذهاب فورا إلى تفسيرات المؤامرة، وهذا ما أثار زوبعة النقاش والجدال في موضوع الهُوية مؤخرا، إثر ورود تعبير الهُوية الجامعة في بيان توصيات اللجنة المَلِكِيَّة لتحديث المنظومة السياسية.

اللافت أن الجناح الثاني تحرك، والمقصود هنا رئيس مجلس الأعيان رئيس الوزراء الأسبق، الذي كان مرشحا لإدارة ملف اللجنة المَلِكِيَّة للحوار، ولكن نتائج جولاته في المحافظات، على ما يبدو، لم تشجع صاحب القرار لتكليفه حمل الملف، وحُمِّلَ لسمير الرفاعي، فقد صرح قبل يومين في اجتماع في مجلس الأعيان بجملة من التصريحات حول نقاشات الهُوية، لكن خطابه لم يخرج عن نمطيته المعروفة، التي تتوسع في ديباجة المديح للملك والأسرة الهاشمية، مع دس بعض العبارات التي عادة ما تنطوي على رسالة ما.

استعاض الفايز عن مصطلح الهُوية الجامعة بتعبير جديد، قد لا يبدو على صلة بالموضوع، لكنه مقصود كرد مُمَوَُه على كل ما يجري، وكأنه يلوم اللجنة على استخدامها مصطلح الهُوية الجامعة عن طريق تأكيده "الوحدة الوطنية الجامعة".

هنا لم يتأخر رئيس اللجنة المَلِكِيَّة في الرد على الفايز، لكنه ليس ردًا مباشرا ،وذلك ربما لحساسية العلاقة بين الرجلين، فكان أن جاء هذا الرد عبر مقال للناطق الإعلامي للجنة الحوار الدكتور مهند مبيضين، وليس شرطا أن يكون قد كُلف المبيضين مباشرة بالرد، حيث دافع، في مقال مطول له في العربي الجديد، عن توصيات اللجنة ورفض الإفراط في الحساسية من مصطلح الهُوية الوطنية الجامعة.

مشكلة الأطراف المتحاورة، أنها لا تمتلك الجرأة على الحديث الصريح، ويتم تعاملها مع الدولة الأردنية ككيان هش، معرض للانهيار من أية كلمة.

فلا أحد يقول أنّ مجيء الأمير الهاشمي عبد الله الأول، بصفته الهاشمية، شكّل أول إعادة صياغة للهُوية الأردنية، حيث اجتمعت عدة عوامل على تسهيل هذه المهمة وتذليل العقبات أمامها، ثم جاءت الهجرات من فلسطين لتعيد تشكيل هذه الهُوية من جديد، واستمرت عملية الانصهار بطاقة المد القومي، الذي كان حاضرا بقوة بُعَيْد عهد الاستعمار وتحديات بناء الدولة ومواجهة الاحتلال الصهيوني لفلسطين.

أحداث أيلول الأسود كانت النقطة الفارقة في تشكل الهُوية ببعدها الثاني، ومن بعدها شح الموارد أعاد نقاش العامل الأول، حيث أن العقد غير المكتوب بين الهاشميين والأردنيين ينطوي ضمنا على دعم موارد الدولة، وتوظيف أبنائها، وبناء التنمية المستدامة... الخ.

النقاش على الهُوية اليوم نقاش محمل بهم شح الموارد، وتوقف التنمية، وارتفاع المديونية، والتكاليف الزائدة لذلك التحالف التأريخي، الذي صاغ الهُوية الجامعة، وأصبحت الآن في صراع ليس مع الهُويات الفرعية، بل مع جهات تتبنى الهُوية الأردنية الأولى، وبدأت تفكر بالمقولة اللبنانية "وطن الجميع ليس وطنا لأحد" والتي كانت وصفة تفجير لبنان وتقسيمه إلى أشياعٍ وطوائف.

نيسان ـ نشر في 2021-10-26 الساعة 12:09

الكلمات الأكثر بحثاً