اتصل بنا
 

الأردن الممكن.. إدانة صريحة لعملية تأجيل التاريخ وبحث جاد في الهُوية الأردنية العميقة

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2021-11-29 الساعة 18:39

الأردن الممكن.. إدانة صريحة لعملية تأجيل
نيسان ـ محمد قبيلات
الأردن الممكن ما نحب أن نكون وما يجب فعله لنكون ما نحب، هو عنوان كتاب جديد للكاتب المفكر الأردني الهُمام إبراهيم غرايبة، وقد صدر بدعم من وزارة الثقافة ضمن برنامجها المميز كتاب الأسرة، وربما أعاد مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية نشره هذا العام، ويقع الكتاب في خمسمئة صفحة، قدّم فيها المؤلف رواية أردنية نقدية، توازي السرديات الاحتفائية بمئوية الدولة الأردنية الحديثة ولا تلتقي معها.
ينظر الكاتب لبناء الدولة الأردنية الحديثة من زوايا أخرى غير تلك التي درج مجموع الكتّاب والمؤرخين الأردنيين النظر من خلالها، المستندة لروايات المستشرقين، الذين سعوا لرسم الصورة البئيسة لبلداننا وشعوبنا كما هي بعد سنوات طوال من الاستعمار العثماني، وقد تطرفت سردياتهم المبتورة لترسيخ تلك الصورة خدمة للرواية الرسمية التي تختزل التأريخ الأردني بآخر مئة سنة من التأريخ الأردني المديد، أو للروايات الأخرى ذات الطابع العدمي، المعارضة والناسفة للرواية الرسمية، التي ترتكز على مقولات التوظيف الكولنيالي لنشأة الدولة الأردنية الحديثة.
في هذا الكتاب، يحاول الكاتب أن يعيد الجدل السياسي إلى صوابيته، منطلقا مما يجب فعله ليكون الأردن كما نحب، ومبتعدا عن سياسة التوظيف للتأريخ خدمة لمشروعات السياسة المرحلية أو الأجندات الخاصة، وقد ركز الكاتب على ضرورة إعادة النظر بما قُدِّمَ خلال العقود السابقة من نظريات تنموية وإدارية، بحيث تُبنى التنمية على نحو مغاير؛ يتعمد بداية تأصيلها، إن جازت التسمية، بما يتناسب والموارد والإمكانات الطبيعية، تنمية يكون أساسها العدالة والحفاظ على هُوية وكرامة الإنسان الأردني.
يقدم المفكر الغرايبة في كتابه " الأردن الممكن" مرافعة تأريخية تدحض سرديات الأرض القفار وشح الموارد، فهذه السرديات طالما ظلت الشماعة التي تعلِّق عليها الحكومات المتتالية فشل برامجها التنموية، فيذكرنا إبراهيم الغرايبة بإمكاناتنا الحقيقية، ويعود بنا إلى آلاف السنين، فيذكرنا بالمؤلَّف الفريد، الفلاحة النبطية، الذي ربما كان أول كتاب في تأريخ الزراعة، لأبي بكر بن وحشية الأردني النبطي التليد.
وهل سمي الأنباط أنباطًا إلّا لاستنباطهم المياه للزرع، وفلاحة الأرض!؟
تكمن خطورة هذا الكتاب في كونه يدعونا للوقوف مجددا والمشي على الأرض، بدلا من غرس رؤوسنا في الروايات المجتَزَأة، أو التحليق على غير هدى بأجنحة من أوهام التنمية الزائفة، ويدعونا للتفكر وإعادة الحسابات، جميعنا، بكل مستوياتنا.
الأردن الممكن كتاب يحمل بين دفتيه إدانة صريحة لعملية تأجيل التأريخ، بمعنى التسويف في تنفيذ برامج التنمية والإصلاح على المستويات كافة، والتذرع بعناوين سياسية لتأجيل ممارسة الديمقراطية، ويحذر من عواقب شراء الوقت، على سبيل انتظار حدوث معجزات اقتصادية كبيرة، مثل ارتفاع أسعار النفط، أو انتظار مساعدات وهبات خارجية، والشروع فورا بالاعتماد على الذات.
وفيه تجاوز عن فكرة الهُوية السطحية المصطنعة خلال القرن الأخير، والذهاب إلى الهُوية العميقة، حيث نبش الغرايبة عميقا في مفردات اللغة المحكية وبحث عن أصولها الآرامية، إضافة إلى تقديم رؤية موضوعية لشكل التنمية المناسبة لإمكانات وموارد الدولة الأردنية، وبحث مُفصِّلًا في الجوانب الثقافية والاجتماعية وفق نظرة فكرية تقدمية، متحللة من الجمود الفكري.
بقي أن نقول إن الكتاب جدير بالقراءة والتأمل، ليس مِنّا نحن عامة الشعب، بل أيضا من أصحاب وصنّاع القرارات.

نيسان ـ نشر في 2021-11-29 الساعة 18:39

الكلمات الأكثر بحثاً