عكاز المسن
رمزي الغزوي
رمزي الغزوي أديب وإعلامي أردني عربي، يعمل محاضرا متفرغا في الجامعة الأردنية، وعمل عضو هيئة تدريس في جامعة فيلادلفيا كلية الآداب والفنون قسم الصحافة، وهو كاتب عمود صحفي يومي (مجرات) في جريدة الدستور الأردنية، له ثمانية عشر مؤلفاً إبداعياً في مختلف صنوف الأدب (شعر، وقصة، وأدب أطفال، ونصوص مكان، ومقالات وأدب الرحلات)، يقيم في مدينة عمان، وهو مواليد عجلون 1972، حاصل على ماجستير في الصحافة الإعلام الحديث من معهد الإعلام الأردني/ الجامعة الأردنية ونال الكثير من الجوائز الأدبية والصحفية، أبرزها جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال عن روايته قمر ورد 2014، وجائزة أفضل مقالة صحفية عربية (جائزة محمد طبلية) 2012، وجائزة أفضل كاتب مقال صحفي لعام 2008، وجائزة إربد مدينة الثقافة الأردنية لأدب الأطفال لعام 2007 وجائزة تيسير سبول للقصة القصيرة 2000، كما نال لقب شاعر الطلبة العرب/ بغداد 1994 إبان دراسته للفيزياء في الجامعة المستنصرية (تخرج 1994). وهو متزوج وأب لطفلين وطفلة.
نيسان ـ نشر في 2024-10-02 الساعة 13:20
نيسان ـ سيبتهج الكثير من الناس بالتصنيف الجديد الذي قدمته منظمة الصحة العالمية لمراحل عمر الإنسان. ليس لأنه رفع سن المراهقة إلى 25 سنة، ولا لأنه مد فئة الشباب حتى 65. بل تأتي جذور البهجة إلى الشطح بفئة كبار السن إلى فوق الثمانين، رغم أن كلمتي (عمو وحجي) تصرفان لك وأنت في بداية الثلاثين.
لن نتوقف عند هذا التصنيف، ولن نعود إلى ما قاله شاعرنا الكبير زهير بن أبي سلمى بعد أن سئم تصاريف الحياة ببلوغه الثمانين. بل سأتوقف لأستعيد موقفاً طريفاً لأطفال دور الأيتام في مدينة هندية كان باستطاعتهم أن يتبنوا جدوداً لهم من أي دار كبار السن، لخلق شعور بالاشتياق والحنين، لدى هؤلاء المبعدين عن عائلاتهم، أو الذين ليس لهم عائلات.
كانت شعوب (المايا) التي استوطنت القارة الأمريكية الجنوبية تسمِّي الأشياء بأسمائها الحقيقية، دون مواربة أو ختل أو تورية، فقد كانوا يقولون عن يقول عن البحر: السماء السفلى، والمرأة أم الرجل، وأما الحفيد فيسمونه: عكاز.
من قبل التصنيفات المثيرة خصص العالم يوما للتذكير بكبار السن، فنسبهم بدأت بالتزايد مع تحسن الظروف الصحية، وارتفاع معدلات الأعمار، ولكني أشعر أن هذا العالم لا يخصص يوماً لشيء ما، إلا كان هذا الشيء يعاني أزمة حادة، فالأوزون له يوم؛ لأن ثقبه يستعصي على الرتق، وها هم جعلوا لكبار السن يوما، لأنهم قد يعيشون شيخوخة باردة.
يوم أمس احتفل العالم بيوم المسن للتذكير برعايته واحتضانه، وهذا اليوم من المفروض ألا يعنينا من قريب أو بعيد، لأننا لا نترك آباءنا وأجدادنا يعانون بعيدا عن دفء الأسرة. وأتذكر جدي الذي كان ملجأنا المنيع حتى وهو في شيخوخته التسعينية، إذا ما دهمنا خطر عقاب من أم أو أب، كيف نلوذ به فلا يجرؤ أحدٌ على النيل منا، ولهذا صرنا نضرب ونهرب، ونقترف الموبقات السبعة، وإذا ما انكشف أمرنا لذنا به؛ فيتلقفنا بذراعيه بؤرة أمان.
وإذا كان الجد حضناً وحناناً خالصاً صافياً، فنحن كنا له أكثر من عكاز. الكل كان يستبق لخدمته، وتلبيه أوامره. فكلمته لا تكسر. وترانا دائما معه في مشاويره إلى السوق أو البستان، يتعكز علينا، ويستعين بعيوننا الصغيرة للتحقق عن فئات النقود المعروضة عليه، أو التي ينوي الشراء بها.
تتباين تصنيفات فئات عمر الإنسان، لكنها تأتلف في أن لكل مرحلة عمرية مذاقا خاصاً لا يبتعد كثيرا عن العدالة في أسمى معانيها. فإن كنت عكازا لوالدك وجدك؛ فسترَ أبناءك وأحفادك يملؤون فضاءك حبا وسلاما، ويصيرون عكاكيز قوية تستند عليها إن جد الجد.
لن نتوقف عند هذا التصنيف، ولن نعود إلى ما قاله شاعرنا الكبير زهير بن أبي سلمى بعد أن سئم تصاريف الحياة ببلوغه الثمانين. بل سأتوقف لأستعيد موقفاً طريفاً لأطفال دور الأيتام في مدينة هندية كان باستطاعتهم أن يتبنوا جدوداً لهم من أي دار كبار السن، لخلق شعور بالاشتياق والحنين، لدى هؤلاء المبعدين عن عائلاتهم، أو الذين ليس لهم عائلات.
كانت شعوب (المايا) التي استوطنت القارة الأمريكية الجنوبية تسمِّي الأشياء بأسمائها الحقيقية، دون مواربة أو ختل أو تورية، فقد كانوا يقولون عن يقول عن البحر: السماء السفلى، والمرأة أم الرجل، وأما الحفيد فيسمونه: عكاز.
من قبل التصنيفات المثيرة خصص العالم يوما للتذكير بكبار السن، فنسبهم بدأت بالتزايد مع تحسن الظروف الصحية، وارتفاع معدلات الأعمار، ولكني أشعر أن هذا العالم لا يخصص يوماً لشيء ما، إلا كان هذا الشيء يعاني أزمة حادة، فالأوزون له يوم؛ لأن ثقبه يستعصي على الرتق، وها هم جعلوا لكبار السن يوما، لأنهم قد يعيشون شيخوخة باردة.
يوم أمس احتفل العالم بيوم المسن للتذكير برعايته واحتضانه، وهذا اليوم من المفروض ألا يعنينا من قريب أو بعيد، لأننا لا نترك آباءنا وأجدادنا يعانون بعيدا عن دفء الأسرة. وأتذكر جدي الذي كان ملجأنا المنيع حتى وهو في شيخوخته التسعينية، إذا ما دهمنا خطر عقاب من أم أو أب، كيف نلوذ به فلا يجرؤ أحدٌ على النيل منا، ولهذا صرنا نضرب ونهرب، ونقترف الموبقات السبعة، وإذا ما انكشف أمرنا لذنا به؛ فيتلقفنا بذراعيه بؤرة أمان.
وإذا كان الجد حضناً وحناناً خالصاً صافياً، فنحن كنا له أكثر من عكاز. الكل كان يستبق لخدمته، وتلبيه أوامره. فكلمته لا تكسر. وترانا دائما معه في مشاويره إلى السوق أو البستان، يتعكز علينا، ويستعين بعيوننا الصغيرة للتحقق عن فئات النقود المعروضة عليه، أو التي ينوي الشراء بها.
تتباين تصنيفات فئات عمر الإنسان، لكنها تأتلف في أن لكل مرحلة عمرية مذاقا خاصاً لا يبتعد كثيرا عن العدالة في أسمى معانيها. فإن كنت عكازا لوالدك وجدك؛ فسترَ أبناءك وأحفادك يملؤون فضاءك حبا وسلاما، ويصيرون عكاكيز قوية تستند عليها إن جد الجد.
نيسان ـ نشر في 2024-10-02 الساعة 13:20
رأي: رمزي الغزوي رمزي الغزوي أديب وإعلامي أردني عربي، يعمل محاضرا متفرغا في الجامعة الأردنية، وعمل عضو هيئة تدريس في جامعة فيلادلفيا كلية الآداب والفنون قسم الصحافة، وهو كاتب عمود صحفي يومي (مجرات) في جريدة الدستور الأردنية، له ثمانية عشر مؤلفاً إبداعياً في مختلف صنوف الأدب (شعر، وقصة، وأدب أطفال، ونصوص مكان، ومقالات وأدب الرحلات)، يقيم في مدينة عمان، وهو مواليد عجلون 1972، حاصل على ماجستير في الصحافة الإعلام الحديث من معهد الإعلام الأردني/ الجامعة الأردنية ونال الكثير من الجوائز الأدبية والصحفية، أبرزها جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال عن روايته قمر ورد 2014، وجائزة أفضل مقالة صحفية عربية (جائزة محمد طبلية) 2012، وجائزة أفضل كاتب مقال صحفي لعام 2008، وجائزة إربد مدينة الثقافة الأردنية لأدب الأطفال لعام 2007 وجائزة تيسير سبول للقصة القصيرة 2000، كما نال لقب شاعر الطلبة العرب/ بغداد 1994 إبان دراسته للفيزياء في الجامعة المستنصرية (تخرج 1994). وهو متزوج وأب لطفلين وطفلة.