اتصل بنا
 

لماذا تثمن إسبانيا اليوم القرار 2797 المتعلق بملف الصحراء المغربية، وما الذي تغير فعلا؟

نيسان ـ نشر في 2025-12-09 الساعة 11:23

نيسان ـ تبدو العلاقات المغربية ـ الإسبانية اليوم أكثر هدوءًا واستقرارًا مما كانت عليه في السنوات الماضية. فالدعم الإسباني للقرار 2797، وتجديد موقف مدريد المؤيد لمبادرة الحكم الذاتي خلال الدورة الـ13 للاجتماع رفيع المستوى بين البلدين مؤخرا، يعكسان مستوى متقدّمًا من الثقة الثنائية. ويأتي ذلك فيما يستعد المغرب لتقديم النسخة المفصّلة من مبادرة الحكم الذاتي إلى الأمم المتحدة، الأمر الذي يمنح الموقف الإسباني وزنًا خاصًا ويفتح أفقًا سياسيًا جديدًا أكثر انسجامًا ورؤية بين الرباط ومدريد.
لكن السؤال الذي يطرحه كثيرون هو: لماذا تعلن مدريد تقديرها وتثمينها للقرار اليوم ؟ فالمغرب قدّم مبادرة الحكم الذاتي عام 2007، بينما لم تُعلن إسبانيا دعمها إلا في 7 أبريل 2022، أي بعد خمسة عشر عامًا كاملة، ما يفسر أن الموقف الإسباني كان دائمًا حساسًا ومعقّدًا، بسبب تاريخها الاستعماري في الصحراء، وبسبب الضغوط الداخلية التي تتعرض لها الحكومات المتعاقبة في هذا الملف. فالرأي العام الإسباني لم يكن موحّدًا، وبعض الأحزاب كانت تستخدم قضية الصحراء كأداة في صراعاتها وسجالاتها السياسية. وهذا ما أشار اليه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أمس في حديثه مع وكالة الأنباء الإسبانية “إيفي” بقوله أن “هذا النهج ينعكس سلبًا على مسار التعاون بين البلدين”.
كما أن إعلان فرنسا دعمها الرسمي والواضح لسيادة المغرب على الصحراء قبل إسبانيا، وضع مدريد في موقف محرج ودفعها لإعادة حساباتها. فإسبانيا لم يعد بإمكانها البقاء خارج الموقف الدولي تجاه الملف، وكانت بحاجة إلى توضيح رؤيتها والالتحاق بمسار التعاون الجديد مع الرباط. ومع ذلك، يبقى هذا التحول خطوة من بين عوامل كثيرة تفسّر هذا التأخر.
اليوم، ومع اعتماد القرار 2797 في مجلس الأمن الذي يدعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية، تبدو الصورة مختلفة. فإسبانيا لم تعد تتحرك خارج الإجماع الدولي، بل أصبحت جزءًا منه، خصوصًا أن القرار يعطيها إطارا قانونيا ويضع مبادرة الحكم الذاتي في قلب الحل الواقعي الممكن. هذا التطور يمنح مدريد فرصة لإعادة ترتيب أوراقها الدبلوماسية وتعزيز حضورها الإقليمي، في لحظة يشهد فيها العالم تغيّرات كبيرة في التحالفات، تقوم على المصالح المشتركة والشراكات القائمة على الاستقرار، خاصة على ضفتي المتوسط والمحيط الأطلسي.
تدرك مدريد أن استقرار الصحراء يمسّ مصالحها مباشرة، فالمغرب يشكّل عمقها الجنوبي، وأي اضطراب سياسي أو أمني في المنطقة—خصوصًا في دول الساحل وموريتانيا—قد يزيد من موجات الهجرة ويؤثر على الأمن والطاقة والتجارة في البحر المتوسط. لذلك، تُعدّ أي خطوة لتعزيز الاستقرار مصلحة مباشرة لإسبانيا. وهذا يفسّر الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين البلدين بعد دعم مدريد لمقترح الحكم الذاتي عام 2022، والتي شملت توقيع اتفاقيات متعددة، ومشاريع اقتصادية كبيرة، وتعاونًا في مجالات الأمن والطاقة والربط الكهربائي، لتعزيز الثقة السياسية وتوطيد العلاقات بين الرباط ومدريد.
وربما ترى إسبانيا أيضًا أن تثمينها للقرار 2797 يمنحها فرصة للعب دور أكبر داخل الاتحاد الأوروبي في ملف الصحراء، خاصة في ظل غياب موقف موحد للاتحاد بسبب الأزمات الدولية المتلاحقة، مثل الحرب الروسية–الأوكرانية والقرارات الجمركية الأمريكية الأخيرة. ومع تناقص نفوذ الدول الغربية في القارة الإفريقية أمام التمدد الروسي والصيني، يصبح دعم الحكم الذاتي فرصة لمدريد لتقديم رؤية أكثر واقعية داخل أوروبا، مستفيدة من قوة المغرب كركيزة أساسية للاستقرار الإقليمي.
في النهاية، تُثمّن إسبانيا القرار 2797 لأنه يتماشى مع التحولات الدولية ويعزز الاستقرار في المنطقة، ويضمن حماية مصالحها الاقتصادية والأمنية. لكن الأهمية الكبرى تكمن في أن المغرب يخرج من هذه المعادلة كلاعب محوري قادر على صياغة قواعد اللعبة الإقليمية وفق رؤيته الاستراتيجية. فقد نجح في كسب دعم حلفائه الإقليميين وإقناع المجتمع الدولي بجدوى مبادرة الحكم الذاتي، ما يجعلها أكثر من مجرد خيار دبلوماسي؛ فهي إطار متكامل يحقق السيادة ويضمن استقرار المنطقة ويعزّز مكانة الرباط على الساحة الدولية.

نيسان ـ نشر في 2025-12-09 الساعة 11:23


رأي: د. آمال جبور

الكلمات الأكثر بحثاً