اتصل بنا
 

الألمان

نيسان ـ نشر في 2016-08-11 الساعة 11:06

حكايات عن الشرف والتقاليد في الماضي الألماني واللبناني والكويتي
نيسان ـ

يروي مانفريد فون نوستيتز٬ أحد أحفاد بسمارك٬ موِّحد ألمانيا الأولى٬ ولاحقًا٬ الأستاذ في جامعة تورونتو٬ أنه كان طفلًا خلال الحرب العالمية الثانية في قصر آل بسمارك٬ شرق ألمانيا. وكان يعيش هو وأبناء عمومته في كنف جدته٬ التي كان عليهم مناداتها «صاحبة السعادة». كانت الجدة تعطيهم درسًا يوميًا ­ للأطفال ­ «أيها الصبية٬ عندما تكبرون غدًا٬ ستصبحون جنودًا٬ وقد تفقدون في القتال ذراعًا أو يدًا. ولكن عليكم أن تحافظوا دائمًا على أصول المائدة. لذا٬ عليكم منذ الآن أن تتعلموا كيف تتناولون

الطعام بيد واحدة!».

عندما أخذ السوفييت يقتربون من برلين٬ رفضت أن تغادر القصر مع بقية أفراد العائلة والعمال. إنها حفيدة بسمارك٬ ولن ترمي هذا العار على العائلة. وهكذا٬ أخذت تعد للحظة الأخيرة. وأمرت بأنُيحفر لها قبر: «لأنه عندما يصل السوفييت٬ لن يكون أحد قد بقي من أجل أن يقوم بالعمل». ثم قتلت كلابها ببندقية صيد. وانتظرت إلى أن يصل قائد الفرقة السوفييتية٬ فأخذته في جولة حول القصر٬ ودلته على مخابئه٬ وطلبت إليه احترام الذكريات الباقية من جدها. ثم أطلقت على رأسها النار!

أولئك هم الألمان. وتلك كانت حقبة تحترم فيه الناس الشرف العائلي والشرف العسكري وشرف المهنة وشرف الوعد.

في كتاب الدكتور أنيس فريحة عن القرية اللبنانية «اسمع يا رضا»٬ يروي أنه في أيام المجاعة الكبرى٬ كان القرويون ينزلون إلى بيروت لشراء بضاعة يبيعونها. لا هم يعرفون القراءة٬ ولا التاجر البيروتي يعرف الكتابة. لذلك٬ كان يسلمهم البضاعة بلا إيصال٬ أو سند٬ أو ورقة٬ أو توقيع. ثم يعودون بعد حين لدفع الثمن وأخذ بضاعة أخرى بلا ورقة أو توقيع.

ظلت السوق في الكويت لا تغلق أبوابها في أوقات الصلاة حتى أوائل الستينيات. لا بائع الذهب ولا بائع اللؤلؤ ولا بائع الثياب. وروى لي لبناني أنه كان يرى رزم المال موضوعة على المقاعد الخلفية للسيارات٬ فلا يمسها أحد. وقد غدر به الشيطان٬ ذات يوم٬ وأغراه بأن يمد يده إلى كمية من الروبيات. ويقول إنه تسبب٬ مع أمثاله٬ في تغيير عادات الكويتيين٬ فلم يعودوا يتركون الرزم على المقاعد الخلفية في سيارات غير مقفولة الأبواب٬ ولا عادوا يتركون محالهم مفتوحة. ثمة عصور لها قيمها وتقاليدها في كل مكان.

عندما أُسأل في أي عصر كنت أتمنى أن أعيش٬ أقول دائمًا في القرن التاسع عشر. ليس فقط بسبب أدبائه وشعرائه٬ بل أيضًا بسبب عربات الخيل والناس التي تملك الوقت بدل أن يملكها٬ وارتباط الكلمة بالشرف والكرامة والأخلاق. عرفنا شيئًا من هذا حتى جاءت حرب 1975 بكل شياطينها٬ وأول ما سقط٬ كان الوعد. صار الكذب القاعدة.

نيسان ـ نشر في 2016-08-11 الساعة 11:06


رأي: سمير عطا الله

الكلمات الأكثر بحثاً