اتصل بنا
 

جلال برجس... العسكري المثقف

نيسان ـ نشر في 2021-07-30 الساعة 21:16

x
نيسان ـ فاطمة العفيشات
من شجرة نمت في حنينا مأدبا وامتدت لتستظل فيها عمان,
نبت روائيا ببدلة فوتيك، قروي انخرط بالحداثة، وكاتب برز اسمه في الأوساط الثقافية الأردنية والعربية، ليكون جلال برجس العسكري المثقف.
في الثالث من تموز من العام 1973, استقبلت عائلة برجس طفلها الأول, في قرية حنينا في مأدبا, وهي القرية التي انتمى لها جلال في كتاباته فيما بعد ومكانه المفضل للكتابة.
في كنف عائلة مترابطة نشأ يعمل أغلب رجالها في السلك العسكري, بينهم والده، وهو أحد الأشقاء الاثنا عشر لجده وجدته بالإضافة لشقيقاتهما الخمس.
بالنسبة له فإن حديثه عن العائلة لا يقتصر على الوالدين والأخوة الثمانية (4 ذكور و 4 إناث), بل يشمل عائلة جده.
في كل مرة يقابل فيها جلال سيارة عسكرية يعيده هديرها إلى ذكريات العسكريين في الثنكات بينما تتمسك "الفوتيك" بهيبتها في الزاوية الاقرب للقلب.
درس جلال الطفل المرحلة الإبتدائية في مدرسة حنينا, ثم الإعدادية في مدرسة حنينا ثم إنتقل إلى مأدبا لدراسة المرحلة الثانوية قبل الإنتقال إلى العاصمة والتي حصل فيها على شهادة هندسة الطيران من سلاح الجو الملكي.
لازم جلال جده لكونه الحفيد الأول والذي كان رفيقه ومرشده في تعرفه على مأدبا المدينة المختلفة كثيرا عن القرية, فكان شاهد ذهوله لكل اكتشافاته الأولى, أما جدته فهي من غزل أولى غرزات الحكايات والقصص في حياة جلال الثقافية, كان يجد فيها الفطرة الجميلة المشوقة في سرد وقص الروايات التراثية.
في السبعينيات كان للعزيزين العم الدكتورعبدالعزيز غليلات والمعلم الدكتور عبد العزيز أبو جريبان فضل في زراعة بذرة القراءة والكتابة في أرض جلال الثقافية الخصبة , فالأول دفعه لتعلم القراءة من خلال رواية البؤساء (لفكتور هوجو) والتي أبحرت فيه نحو عالم الكتب, بينما راح الثاني يشجعه على الكتابة في حصة اللغة العربية المفضلة له؛ ومواضيع الإنشاء, ويثني عليه بتقديمه نصوص طالبه وقرائتها أمام زملائه في الإذاعة المدرسية, وهو من كان له نبوءة بأن الطالب سيصبح يوما كاتبا ذا شأن.
لم يتوقف دور عبدالعزيز غليلات على دفع ابن شقيقه للقراءة, فبالنسبة لجلال برجس عمه هو قدوته الشامخة في حياته الثقافية والأدبية.
أواسط التسعينات تزوج جلال ورزق بقمرين وشمس, يقطن برفقة عائلته في مأدبا.

عمان
من قرية حنينا التي لم تر نور الكهرباء والتطور -آنذاك-، خرج برجس إلى عمان لدراسة هندسة الطيران, والتي كانت في كل مرة تبهره بأسرارها.
"مرحلة الدهشة" هكذا يصف برجس مرحلة إلتقائه بالمدينة العاصمة, وهي مرحلة جديدة بالنسبة له, تعرف فيها على العديد من المؤسسات الثقافية والمكتبات وأكشاك الكتب, الصحف والمجلات, بالإضافة لتعرفه على المؤسسات والأندية التي ترعى الأمسيات الثقافية , وتكوينه صداقات جديدة بوعي مختلف.
اندمج في عمان لدرجة تعلقه بالطقس العمراني لها وشوارعها وناسها ومنطقة وسط البلد التي وجد نفسه فيها لتحفيزها له على الكتابة والإندماج الحقيقي بالأوساط الثقافية الأردنية والعربية.
بعد إنتهائه من المرحلة الدراسية, إلتحق جلال بسلاح الجو الملكي للعمل ضمن تخصصه في إحدى المطارات العسكرية في الصحراء الأردنية الشرقية.
شكلت الصحراء لدى برجس حالة إلهامية في هدوئها وغموضها، فمنحته حافزا مؤجلا للكتابة والقراءة.
في أواسط ثلاثينيات العمر, قرر جلال إنهاء خدمته العسكرية والتفرغ للكتابة , لينهي بذلك 18 عاماً من خدمة الطيران العسكرية .
في أواخر التسعينات بدأ برجس بنشر كتاباته الأدبية في الملاحق الثقافية الأردنية والعربية, وحصل على عضوية الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين، واتحاد الكتاب العرب، واتحاد كتاب الإنترنت، وحركة شعراء العالم , كما شغل موقع رئيس مختبر السرديات الأردني، وأمين سر رابطة الكتاب الأردنيين فرع مادبا، بالإضافة لعمله رئيسا لعدد من الملتقيات الأدبية، منها ملتقى مادبا الثقافي، وملتقى أطفال مادبا الثقافي، اللذين أسسهما مع عدد من الأدباء والناشطين في العمل الثقافي، و ترأس هيئتيهما لدورتين متتاليتين.
كان جلال مدير تحرير لعدد من المجلات الثقافية منها مجلة مادبا، و مجلة الرواد, وترأس هيئة تحرير مجلة أمكنة الأردنية قبل توقف صدورها.
كما عمل بإعداد وتقديم برنامج إذاعي بعنوان (بيت الرواية) عبر أثير إذاعة مجمع اللغة العربية الأردني.

مؤلفاته والجوائز
لبرجس مجموعة أعمال شعرية نشرت عام 2007 (كأي غصن على شجر)و (قمر بلا مُنازل) عام 2011,وقصصية (الزلزال) ومقالات نقدية وأدبية، ونصوص المكان (رذاذ على زجاج الذاكرة) و (شبابيك تحرس القدس).
صدر له 4 روايات هي: (مفصلة الحالم, أفاعي النار, سيدات الحواس الخمس ) وآخرها (دفاتر الوراق).
في رواياته اهتم بالمكان الذي تطرق له عبر عين ثالثة تجاوزت التاريخ، والجغرافيا لصالح القيمة الجمالية عبر رؤية شعرية لما وراء المكان؛ إذ نشر كتابه (رذاذ على زجاج الذاكرة/حكايات مكانية) قبل أن يصدر، في ملحق الدستور الثقافي في حلقات متتابعة, كما أصدر في هذا المجال بالتعاون مع رواق البلقاء كتابه الذي ترجم لسبع لغات ( شبابيك مادبا تحرس القدس) عبر تداخل ما بين عدد من اللوحات الفنية لفنانين أردنيين وعرباً.
حصل جلال على عدة جوائز منها جائزة روكس بن زائد العزيزي عام 2012 عن مجموعته القصصية (الزلزال), و جائزة كتارا للرواية العربية عام 2015 عن رواية (أفاعي النار), وجائزة رفقة دودبن للإبداع السردي عام 2014 عن رواية (مفصلة الحالم), والجائزة العالمية للرواية العربية البوكر عام 2021 عن رواية (دفاتر الوراق), بالإضافة لوصول روايته (سيدات الحواس الخمس) للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر عام 2019.
يرى جلال برجس أن الكاتب الأردني ينقصه إهتمام المؤسسة الرسمية بأعماله, وتغول دور النشر على أعماله, بالإضافة لحاجته لفتح وتسهيل مسارات ترجمة أعماله الأدبية للغات أخرى.
في حديثه لـ"صحيفة نيسان" يقول إن الإبداع يظهر مهما كان حتى لو لم يتوفر أدنى درجات الإهتمام , القارئ حين يقرأ كتابا حتى لو كان الكاتب مجهول لابد وأن يساهم ولو بشكل بسيط في نشر النص.

والدته
بالنسبة لجلال والدته هي شريكة أفراحه, لا ينسى يوم تخرجه من المدرسة ويوم إصداره كتابه الأول حين عاد مسرعاً ليرى ردات فعلها المبهرة على ما أنجزه.
ولا يغيب عن زوايا ذاكرته الحزينة يوم وفاة والدته والذي يجد أنه تبدل لشخص آخر بعدها.
"الأم هي النفس والحياة" قال ذلك لـ"صحيفة نيسان" بصوت خانته العبرة بعد صمت لثوان حين استذكرها.
بعد وفاتها عام 2009 كتب جلال برجس مقالا بعنوان "أمية أمي مرسة علمتني الحياة", في آخر تلك المقال كتب يصف الحال بوفاتها: "أمي لم تعرف القراءة والكتابة لكنها يوم نتائج التوجيهي أطلقت زغرودتها التي جاءت كترويدة نحلة برية وكأنها تود أن تقول أنها تعلن الان طقوس نصرها على هذه الحياة.
زمن كاسح مابين 1975 ومابين 2009 ، لم يمر مرور الكرام بل مرّ كما تمر سكين مهترئة بجسد فتي ، بحيث اهدتني هذه الحياة معادلتها المختلطة على ذاتها ، لكن تبقى سنوات المدرسة شرفة بهية تتمختر في دمي ، وتبقى أمي - التي صارعت وحش السرطان شهوراً قبل أن تودع هذه الحياة - مدرستي الإنسانية الأولى رغم قراطيس القسوة التي توزعها الحياة كل طالعة شمس . عندما أهالوا عليها التراب رأيت كل شيء حولي يتهاوى لأصير شجرة دب بها اليباس على حين غرة."

نيسان ـ نشر في 2021-07-30 الساعة 21:16

الكلمات الأكثر بحثاً