جعفر حسان رجل الملك الذي يواجه الاستعصاء السياسي
نيسان ـ نشر في 2018/04/27 الساعة 00:00
محمد قبيلات...قبل يومين فقط من نشر هذه السطور، كان نائب رئيس الوزراء الأردني وزير الدولة للشؤون الاقتصادية جعفر حسان يتحدث كاشفا عن عدم إمكانية الحكومة الاستمرار بالاستدانة ومضاعفة كلف المديونية لتحفيز النمو. حسان الذي تحدث في ندوة عقدها منتدى الاستراتيجيات الأردني صباح الخميس الماضي، قال إن الحكومة ستقيّم أثر برامج الإصلاح المالي على قطاعات مختلفة في منتصف العام الجاري، مبينا أن المساءلة هي الطريق الأفضل لضمان الالتزام بتنفيذ مشروعات خطة تحفيز النمو الاقتصادي.
ولا شك أن حالة من حالات الحصار باتت تفرضها ظروف الدول المجاورة، أخذت تلقي بظلالها الثقيلة على هذه الأزمة. لذلك فإن الدوائر الاقتصادية في عمان لا تكف عن البحث عن مخارج للأزمة الاقتصادية المستحكمة، منذ سنوات، بمرافق الحياة الأردنية جميعها. الأمر الذي يزيد من تعقيدات الأزمة ويحصر وصفها بين مستويين لا أكثر؛ متشائم، يرى أنها أنتجت حالة انسداد سياسي، ومتفائل، لا يجرؤ على أكثر من وصفها بعنق الزجاجة.
فإغلاق الحدود منذ سنوات مع سوريا والعراق إضافة إلى القلاقل في سيناء، التي عطلت انتظام إمدادات الغاز ضاعفا حلقات الأزمة، وحدّا من نشاط الكثير من القطاعات والفعاليات التي كانت ترفد ميزانية الدولة، وتُحرك عجلة الاقتصاد الأردني ذي الإمكانات المحدودة التي سرعان ما تتأثر بالعوامل الخارجية.
تجيء هذه الظروف وسط جملة من التحديات التي تواجهها المالية العامة للدولة، وتتقافز على إثرها أرقام المديونية والعجوزات والبطالة ومعدلات الفقر، ما يفرض على الفريق الاقتصادي أكبر التحديات خصوصا مع نفاد وضمور هوامش الحلول، إضافة إلى الزيادة المطردة في تعداد السكان وزيادة أعباء اللاجئين.
هذه الملفات كلها وغيرها تتكدس على طاولة حسان رئيس الفريق الاقتصادي في حكومة هاني الملقي، الذي شغل العديد من المناصب المهمة في الفترة الممتدة من بداية مسيرته الوظيفية مطلع التسعينات، التي ظل فيها إما دبلوماسيا في وزارة الخارجية وإما موظفا في الديوان الملكي. وكان قد عُين وزيرا للتخطيط والتعاون الدولي سابقا، وشغل بصفته وزيرا للتخطيط والتعاون الدولي منصب محافظ الأردن لدى البنك الدولي وبنك التنمية الإسلامي وبنك الإعمار الأوروبي، وبين عامي 2014 و2018 أصبح مديرا لمكتب الملك.
حكومة سيامية
العديد من مدن المملكة الأردنية تشهد مؤخرا حراكات بلغت شعاراتها سقوفا عالية، لم تبلغها إبان انتفاضات الربيع العربي، وقد عبرت هذه الحراكات بحدة عن احتجاجها على رفع الأسعار، وانتشار الفساد، وطالبت بإيجاد حلول لمشكلات الفقر والبطالة
دخل حسان حكومة الملقي مطلع هذا العام، حين عُين نائبا لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، بعد تعديل وزاري فرضته الظروف الصحية التي يمر بها الرئيس، إذ اضطرته هذه الظروف إلى التغيّب لدواعي العلاج، إما بالسفر خارج البلاد وإما للدخول في المستشفيات الأردنية.
نائب رئيس الوزراء المهندس جمال الصرايرة، يشارك اليوم أيضا في إدارة وتسيير شؤون مجلس الوزراء، وهو الرجل القوي أيضا، المقرب من دوائر صنع القرار، والمرشح لخلافة رئيس الوزراء الحالي، لكن هذه المشاركة بدأت بشد توجهات الحكومة إلى اتجاهين عند كل مفترق طريق، وهو ما حدا ببعض المتندرين إلى وصفها بالحكومة السيامية، أي إنها برأسين، وربما تؤثر في العلاقة بين النائبين، بحيث لا تعود منسجمة إلى الدرجة التي تنجح عمل الفريق، بل أكثر ما يمكن أن توصف به إيجابا أنها علاقة مساكنة.
الحقيقة أن أعراض هذه المشكلة كانت بادية قبل تشكيل الحكومة الحالية وفق التعديل الوزاري الأخير، حيث خرج من فريق الحكومة السابق أو رفض الدخول فيها أكثر من وزير أو مرشح لموقع في الحكومة بسبب تحديد أسماء نواب الرئيس سلفا.
وتؤثر هذه العلاقة في النائبين إلى درجة واضحة، بحيث أصبح واضحا للعيان تأخر إنجاز القرارات، مثل التأخر في تعيين مدير عام لوكالة الأنباء الأردنية، والذي شغر منذ فترة، ويمكن أن يكون مرد ذلك التجاذبات بين مراكز القوى، ولعل هذا وغيره من التباطؤ في تنفيذ أو اتخاذ قرارات ما حدا بالرئيس إلى إطلاق تصريحاته الحادة نوعا ما في مجلس النواب، مؤخرا، ما يدلل على وجود التوتر في مستويات عمل الحكومة كافة.
مآزق المدرسة الليبرالية
ينتمي حسان إلى المدرسة الليبرالية، ولعله بات اليوم من أهم أعمدتها؛ بعد أفول شمس رائدها باسم عوض الله، الذي يحمّله الشارع مسؤولية ما تمر به البلاد من أزمات، وترجح إشاعات بأنه أصبح بعيدا عن مطبخ القرارات.
تسريبات عن تنحي عوض الله تضع جعفر حسّان في موقع المرشح لخلافته، لا سيما وأن تسريبات الخلاف بينهما بدأت توشح أحاديث وقصص مجالس النميمة السياسية في عمان.
لكن التحديات أمام التيار الليبرالي كبيرة إلى درجة تنذر بهزيمته أمام صعود حظوظ التيار المحافظ الذي عماده البيروقراط الأردني الأقدر على الحفاظ على مؤسسات الدولة في أجواء العواصف، والأقدر على إقناع الشارع وطمأنته بحكم تحدره من أصول عشائرية في الأغلب، إضافة إلى ميله إلى عدم تجريع الأدوية المرّة للعلاج، وأسلوبه في تأجيل اتخاذ القرارات الاقتصادية الصعبة.
مأزق المدرسة الليبرالية الكبير اليوم في الأردن أنها مسؤولة عن حل المشكلة الاقتصادية، وهو ما يشكل التحدي الأكبر أمامها، إذ لا يمكن عبور الأزمة إلّا بقرارات صعبة قد تمتد إلى جيوب المواطنين، وهذا ما حدث بالفعل، وتنال من مكتسباتهم ومقدراتهم التي أصبحت لا تكفي، أصلا، للحفاظ على البقاء ضمن حدود مستويات المعيشة المتواضعة السابقة.
لكن إيرادات الموازنة ملاحقة بالعجز في كل سنة، ما يضطر الحكومة، خصوصا في ظل توقف الدعم الخليجي وضعف حوالات المغتربين المالية، إلى رفع الأسعار أو سحب الدعم من بعض السلع الأساسية، ما يضعها في مواجهة مباشرة مع الشارع.
ولقد شهدت العديد من مدن المملكة حراكات بلغت شعاراتها سقوفا عالية، لم تبلغها إبان انتفاضات الربيع العربي، وعبرت هذه الحراكات بحدة عن احتجاجها على رفع الأسعار، وانتشار الفساد، وطالبت بإيجاد حلول لمشكلات الفقر والبطالة.
كل ما تقدم يُدخل التوجه الليبرالي في مأزقه الكبير الذي يجبره على العودة دائما والاستسلام لتيارات البيروقراطية المحافظة، والتي تتمهل الحلول في انتظار معجزات قد تتحقق في أطر خارجية، سواء إقليمية أو دولية، وتعود في شكل منح وهبات تحل هذه المشكلات جميعها.
لكن المشكلة كبيرة، خصوصا أن المالية العامة للدولة ترزح تحت ضغوط أقساط الدين وخدمته، إضافة إلى متطلبات التطوير والصيانة والتشغيل التي تتطلب رؤوس أموال كبيرة.
خطة لاستثمار 23 مليار دولار
خطة تحفيز النمو التي يراقبها الملك ويتبناها حسان تهدف إلى تكييف الظروف للحصول على التمويل من خلال تحسين الموقف الائتماني والتكيف للحصول على التمويل الأجنبي، من خلال التأهل لشروطه
يتبنى حسان خطة تحفيز النمو الاقتصادي وهي خطة أعدها مجلس السياسات الاقتصادية وتبنتها الحكومة، بحيث يتم تنفيذها في الفترة 2018 – 2022، وهو ما يتناقض مع وعود أطلقها رئيس الوزراء الملقي عبر مقابلة أجراها معه التلفزيون الأردني قبل أشهر، حيث وعد الأردنيين بأن تحل المشكلات جميعها في عام 2019.
تهدف خطة تحفيز النمو إلى تكييف الظروف للحصول على التمويل من خلال تحسين الموقف الائتماني والتكيف للحصول على التمويل الأجنبي، من خلال التأهل لشروطه، أو السعي للتمويل من خلال استهداف مدخرات مؤسسة الضمان الاجتماعي ومؤسسة ضمان الودائع.
ليس من مشكلة في تمويل النفقات الرأسمالية للخزينة بكلف فوائد أقل، لكن الطامة الكبرى إذا جرى تمويل النفقات الجارية للحكومة من مدخرات هذه المؤسسات، فأي عائدات تضمن سداد هذا الدين الذي هو مدخرات لقطاعات شعبية لا تحتمل أي مفاجآت على صعيد دخلها المتدني.
يؤاخذ كثيرون على خطة تحفيز النمو الاقتصادي أنها تُبنى على أساس فرضية استثمار نحو 23 مليار دولار على مدى الخمس سنوات المقبلة في قطاعات الدولة المختلفة من أجل رفع معدلات النمو، فيتساءلون من أين سيتم الحصول على ما يقارب أربعة مليارات دولار سنويا، في وقت تعجز فيه الحكومة عن تأمين عُشر هذا المبلغ لسد العجز الحاصل في موازنتها؟ فقد اضطرت في مطلع هذا العام إلى رفع الدعم عن السلع الأساسية بما فيها مادة الخبز التي يشكل ارتفاع أسعارها حساسية بالغة لدى قطاعات شعبية واسعة.
وحسب ما نشر الكاتب الراحل فهد الفانك في مقالة له في جريدة الرأي الأردنية فإن مشكلة تدبير الأموال المطلوبة تبقى هي الأساسية، فكيف يمكن إقناع القطاع الخاص بتقديم 9.5 مليار دينار للاستثمار في الفرص التي تقترحها الخطة، وفي معرض النقاش حول تحصيل بقية المبلغ لتمويل المشروعات الحكومية، تساءل الفانك كيف سيتم ذلك من دون أن يؤدي إلى زيادة عجز الموازنة وإلى ارتفاع المديونية؟
ينتمي حسان إلى الجيل الأصغر في الإدارة الأردنية، وهو خريج الجامعات الغربية، فهو يحمل شهادة الماجستير والدكتوراة في العلوم السياسية والاقتصاد الدولي من معهد الدراسات الدولية بجامعة جنيف بسويسرا، وماجستير في الإدارة العامة من جامعة هارفارد، وحصل على ماجستير في العلاقات الدولية من جامعة بوسطن، بينما حصل على بكالوريوس في العلاقات الدولية من الجامعة الأميركية في باريس.
أخيرا، يُنظر اليوم لجعفر حسان، في الأردن، كرجل الحكومة القوي، المرشح من ضمن آخرين لقيادة الفريق الحكومي القادم، وإن لم يحصل ذلك فإن مكانه في الفريق الاقتصادي محفوظ، برغم عدم التراكمية في عمل الحكومات. فالجميع يذكر أن حكومة النسور وضعت خطة طويلة الأمد، لكن الحكومة الحالية لم تتابع تنفيذها، بل شرعت في إعداد خطط جديدة، وهذا ما يجعل خطة تحفيز النمو عرضة للرفع على الرفوف في المستقبل.
العرب اللندنية
نيسان ـ نشر في 2018/04/27 الساعة 00:00