هل إبراز السمت الإسلامي لدى أردوغان (دروشة)؟
نيسان ـ نشر في 2015/06/29 الساعة 00:00
"أرجوكم لا تنسوا، الموت حق على الجميع، لو كنتُ رئيس جمهورية، أو رئيس وزراء، أو كنتُ أثرى الأثرياء فإن الموت حق، المكان الذي سنذهب إليه جميعا واضح، وهو حفرة بمترين".
*لم تكن هذه الموعظة صادرة عن خطيب مسجد أو عالم في الشريعة، أو واعظ من الوُعّاظ، إنها للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطاب له مؤخرا.
لم يكن هذا المشهد الذي يتجلّى فيه حرص أردوغان على إبراز هويته الإسلامية هو الأول من نوعه، بل أصبح أمرًا اعتياديا مألوفا في حياة الرجل الذي أصبح زعيما للأتراك، وأنموذجا للحاكم المسلم العادل الذي يتطّلع إلى مثله المسلمون.
*تأكيد أردوغان على مرجعيته الإسلامية مثار جدل واسع النطاق، فالبعض يرى أن أردوغان يستصحب إبراز هذه الهوية ( لعبًا) على العاطفة الدينية لدى الأتراك، ويستغلّ الدين لتحقيق أهداف سياسية.
وبعضهم يقول إن أردوغان يحاول أن يقود السنة بمشروع تكون تركيا هي مركزه.
وبعضهم يرى أنه علماني وأنه صِبغته الإسلامية مجرد مجموعة من القيم الروحية التي يعتنقها.
فكما يقول الكاتب شريف تغيان في كتابه "الشيخ الرئيس" عن أردوغان: "يصفه العلمانيون بأنه إسلامي رجعي، ويتهمه بعض الإسلاميين بخدمة المصالح الأمريكية والتخلّي عن بعض المبادئ الإسلامية.
*لا يمكن تجاهل الخلفية الإسلامية لأردوغان، والذي تسلّم السلطة عبر جهود تراكمية لأحزاب وكيانات ذات جذور إسلامية انطلقت من الأساس الروحي الذي وضعه (بديع الزمان النورسي)، وأخذت قالبها السياسي، وتعرّضت في طريقها هذا إلى التهميش والإقصاء والاستئصال.
إن تركيا تشهد صراعا على الهوية بين حقبة (أتاتورك) التي لا زالت آثارها ضاربة في المجتمع التركي، وبين التراث الإسلامي المرتكز على الفكرة الإسلامية، والذي أحياه أردوغان.
*رجب طيب أردوغان ابن حي قاسم باشا الذي يشتهر ببأس رجاله، نشأ في أسرة متدينة، وأطلق عليه مُعلّمه في فترة تعليمه الابتدائي لقب "الشيخ رجب"، وذلك لأنه خرج أمام التلاميذ ليُعلّمهم الصلاة بصورة عملية بناء على طلب من المعلم، لكنه رفض أداء الصلاة على صحيفة بها صور نساء متبرّجات.
والتحق أردوغان بمعهد الأئمة والخطباء ونال فيه قسطا من العلوم الشرعية، أثّرت في تكوينه بشكل قوي.
قاده توجهه الإسلامي إلى الالتحاق بحزب السلامة الوطني ذي التوجه الإسلامي الذي أسّسه نجم الدين أربكان (طيب الله ذكره ومقامه)، ليقود الجناح الشبابي المحلي للحزب، وحتى عام 1980 عبر الانقلاب العسكري الذي أطاح بالأحزاب السياسية.
وبعد عودة الحياة الحزبية إلى تركيا عام 1983م، سطع نجم أردوغان في حزب الرفاه الإسلامي، وأصبح رئيس فرع إسطنبول، ثم صار عضوا باللجنة المركزية للحزب، والذي رشّحه أكثر من مرة لعضوية البرلمان التركي.
*وبعد فوزه برئاسة بلدية إسطنبول 1994م، تمكن من تغيير وجه الحياه في المدينة وجعلها نموذجا تتطلع إليه بلديات تركيا.
وكانت الهوية الإسلامية بارزة في شخصية العمدة الجديد، إلا أنه خدم الفكرة الإسلامية بتلك الملحمة من التفاني والإخلاص في العمل من أجل خدمة أهالي إسطنبول، فلم يكن الرجل من هواة التنظير، إنما كان يؤمن بأنه سيخدم توجهه الإسلامي بخدمة الناس وحلّ مشاكلهم.
*يختصر الدكتور عبد الودود شلبي في كتابه "جنرالات تركيا لماذا يكرهون الإسلام"، تلك الإصلاحات كشاهد عيان فيقول:
"وفي ظرف عام بعد تولّي هذا الشاب شؤون المدينة تغير كل شيء، توفرت وسائل المواصلات والنقل، وتوفرت المساكن للفقراء الباحثين عن مأوى، وأصبحت المرافق تعمل بصورة جيدة في كل شيء، حتى المياه التي كانت شحيحة أصبحت فائضة عن الحاجة".
أغلق أردوغان نوادي القمار والخمارات وبيوت الدعارة، بل إنه ذهب إلى زيارة زعيمة (بائعات الهوى) ليعرض عليها التوبة لها ولمن معها، ويوفر لهن حياة كريمة.
وثار العلمانيون، مُندّدين بتوجّهات هذا الرجل الذي يعمل على تقويض العلمانية وأَسلمة إسطنبول، وزاد من الهجمة العلمانية الشرسة، دعوة أردوغان إلى صلاة الاستسقاء في جميع المساجد، ليفتح شهية الأتاتوركيين للنيل منه، واتّهامه بالتخلف والرجعية والدروشة، ليفاجأ الجميع بأن السماء قد أمطرت، وملأ ماؤها الخزانات الفارغة.
*لقد أثار التوجه الإسلامي لعمدة إسطنبول، غضب الكاتبة العلمانية بينار كور، والتي جعلت تُعرض بأردوغان خلال مقال لها على صحيفة الجمهورية، فقالت "يمكننا القول إن إسطنبول بدأت طوال العام المنصرم في البحث أكثر من أي فترة مضت عن رئيس للبلدية يغني وهو يسير على طرقاتها أغنية إسطنبول الشهيرة التي تقول: لقد تجوّلت هذا المساء في كل حانات إسطنبول وبحثتُ عنكِ، عن طريق آثار الشفاة الموجودة على الأقداح".
*وفي 12 من ديسمبر عام 1997م، ألقى أردوغان خطابا في ولاية سرت تضمن أبياتا للشاعر التركي "ضياء غوك ألب"، يقول فيها:
مساجدنا ثكناتنا
قبابنا خوذاتنا
مآذننا حرابنا
والمؤمنون جنودنا
هذا هو الجيش المقدس
الذي يحرس ديننا
*كانت هذه الأبيات بمثابة انفجار هز الأوساط العلمانية في تركيا، وتمّ اعتقال أردوغان بتهمة تهديد أمن البلاد وزرع الفرقة واستنهاض مشاعر العداوة وأوقعوه قسرا تحت طائلة المادة 312 من قانون العقوبات التركي.
*ويحكي الكاتب أحمد بهجت مشاهداته في إسطنبول حيث حضر تلك الواقعة، وكتبها بعموده اليومي في صحيفة الأهرام المصرية بتاريخ 29 سبتمبر 1998م، فيقول:
"مضينا نضرب في طرقات المدينة، ثم أحسسنا حين أقبلت الظهيرة أن هناك شيئا غير عادي قد وقع، لقد بدأ المرور يتحوّل إلى البطء، وضاعت سيولة الحركة في شوارع المدينة. المصدر: بوابة الشرق
*لم تكن هذه الموعظة صادرة عن خطيب مسجد أو عالم في الشريعة، أو واعظ من الوُعّاظ، إنها للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطاب له مؤخرا.
لم يكن هذا المشهد الذي يتجلّى فيه حرص أردوغان على إبراز هويته الإسلامية هو الأول من نوعه، بل أصبح أمرًا اعتياديا مألوفا في حياة الرجل الذي أصبح زعيما للأتراك، وأنموذجا للحاكم المسلم العادل الذي يتطّلع إلى مثله المسلمون.
*تأكيد أردوغان على مرجعيته الإسلامية مثار جدل واسع النطاق، فالبعض يرى أن أردوغان يستصحب إبراز هذه الهوية ( لعبًا) على العاطفة الدينية لدى الأتراك، ويستغلّ الدين لتحقيق أهداف سياسية.
وبعضهم يقول إن أردوغان يحاول أن يقود السنة بمشروع تكون تركيا هي مركزه.
وبعضهم يرى أنه علماني وأنه صِبغته الإسلامية مجرد مجموعة من القيم الروحية التي يعتنقها.
فكما يقول الكاتب شريف تغيان في كتابه "الشيخ الرئيس" عن أردوغان: "يصفه العلمانيون بأنه إسلامي رجعي، ويتهمه بعض الإسلاميين بخدمة المصالح الأمريكية والتخلّي عن بعض المبادئ الإسلامية.
*لا يمكن تجاهل الخلفية الإسلامية لأردوغان، والذي تسلّم السلطة عبر جهود تراكمية لأحزاب وكيانات ذات جذور إسلامية انطلقت من الأساس الروحي الذي وضعه (بديع الزمان النورسي)، وأخذت قالبها السياسي، وتعرّضت في طريقها هذا إلى التهميش والإقصاء والاستئصال.
إن تركيا تشهد صراعا على الهوية بين حقبة (أتاتورك) التي لا زالت آثارها ضاربة في المجتمع التركي، وبين التراث الإسلامي المرتكز على الفكرة الإسلامية، والذي أحياه أردوغان.
*رجب طيب أردوغان ابن حي قاسم باشا الذي يشتهر ببأس رجاله، نشأ في أسرة متدينة، وأطلق عليه مُعلّمه في فترة تعليمه الابتدائي لقب "الشيخ رجب"، وذلك لأنه خرج أمام التلاميذ ليُعلّمهم الصلاة بصورة عملية بناء على طلب من المعلم، لكنه رفض أداء الصلاة على صحيفة بها صور نساء متبرّجات.
والتحق أردوغان بمعهد الأئمة والخطباء ونال فيه قسطا من العلوم الشرعية، أثّرت في تكوينه بشكل قوي.
قاده توجهه الإسلامي إلى الالتحاق بحزب السلامة الوطني ذي التوجه الإسلامي الذي أسّسه نجم الدين أربكان (طيب الله ذكره ومقامه)، ليقود الجناح الشبابي المحلي للحزب، وحتى عام 1980 عبر الانقلاب العسكري الذي أطاح بالأحزاب السياسية.
وبعد عودة الحياة الحزبية إلى تركيا عام 1983م، سطع نجم أردوغان في حزب الرفاه الإسلامي، وأصبح رئيس فرع إسطنبول، ثم صار عضوا باللجنة المركزية للحزب، والذي رشّحه أكثر من مرة لعضوية البرلمان التركي.
*وبعد فوزه برئاسة بلدية إسطنبول 1994م، تمكن من تغيير وجه الحياه في المدينة وجعلها نموذجا تتطلع إليه بلديات تركيا.
وكانت الهوية الإسلامية بارزة في شخصية العمدة الجديد، إلا أنه خدم الفكرة الإسلامية بتلك الملحمة من التفاني والإخلاص في العمل من أجل خدمة أهالي إسطنبول، فلم يكن الرجل من هواة التنظير، إنما كان يؤمن بأنه سيخدم توجهه الإسلامي بخدمة الناس وحلّ مشاكلهم.
*يختصر الدكتور عبد الودود شلبي في كتابه "جنرالات تركيا لماذا يكرهون الإسلام"، تلك الإصلاحات كشاهد عيان فيقول:
"وفي ظرف عام بعد تولّي هذا الشاب شؤون المدينة تغير كل شيء، توفرت وسائل المواصلات والنقل، وتوفرت المساكن للفقراء الباحثين عن مأوى، وأصبحت المرافق تعمل بصورة جيدة في كل شيء، حتى المياه التي كانت شحيحة أصبحت فائضة عن الحاجة".
أغلق أردوغان نوادي القمار والخمارات وبيوت الدعارة، بل إنه ذهب إلى زيارة زعيمة (بائعات الهوى) ليعرض عليها التوبة لها ولمن معها، ويوفر لهن حياة كريمة.
وثار العلمانيون، مُندّدين بتوجّهات هذا الرجل الذي يعمل على تقويض العلمانية وأَسلمة إسطنبول، وزاد من الهجمة العلمانية الشرسة، دعوة أردوغان إلى صلاة الاستسقاء في جميع المساجد، ليفتح شهية الأتاتوركيين للنيل منه، واتّهامه بالتخلف والرجعية والدروشة، ليفاجأ الجميع بأن السماء قد أمطرت، وملأ ماؤها الخزانات الفارغة.
*لقد أثار التوجه الإسلامي لعمدة إسطنبول، غضب الكاتبة العلمانية بينار كور، والتي جعلت تُعرض بأردوغان خلال مقال لها على صحيفة الجمهورية، فقالت "يمكننا القول إن إسطنبول بدأت طوال العام المنصرم في البحث أكثر من أي فترة مضت عن رئيس للبلدية يغني وهو يسير على طرقاتها أغنية إسطنبول الشهيرة التي تقول: لقد تجوّلت هذا المساء في كل حانات إسطنبول وبحثتُ عنكِ، عن طريق آثار الشفاة الموجودة على الأقداح".
*وفي 12 من ديسمبر عام 1997م، ألقى أردوغان خطابا في ولاية سرت تضمن أبياتا للشاعر التركي "ضياء غوك ألب"، يقول فيها:
مساجدنا ثكناتنا
قبابنا خوذاتنا
مآذننا حرابنا
والمؤمنون جنودنا
هذا هو الجيش المقدس
الذي يحرس ديننا
*كانت هذه الأبيات بمثابة انفجار هز الأوساط العلمانية في تركيا، وتمّ اعتقال أردوغان بتهمة تهديد أمن البلاد وزرع الفرقة واستنهاض مشاعر العداوة وأوقعوه قسرا تحت طائلة المادة 312 من قانون العقوبات التركي.
*ويحكي الكاتب أحمد بهجت مشاهداته في إسطنبول حيث حضر تلك الواقعة، وكتبها بعموده اليومي في صحيفة الأهرام المصرية بتاريخ 29 سبتمبر 1998م، فيقول:
"مضينا نضرب في طرقات المدينة، ثم أحسسنا حين أقبلت الظهيرة أن هناك شيئا غير عادي قد وقع، لقد بدأ المرور يتحوّل إلى البطء، وضاعت سيولة الحركة في شوارع المدينة. المصدر: بوابة الشرق
نيسان ـ نشر في 2015/06/29 الساعة 00:00