على وقع الشارع 2

محمد جميل خضر
نيسان ـ نشر في 2018/06/04 الساعة 00:00
في المساحة المفترضة بين عمر الرزاز رئيساً مطروحاً لحكومة ما بعد هاني الملقي، وبين الإضراب الشامل المعلن عنه لبعد غد الأربعاء، يتجلى الشارع الأردني كمصدر للسلطات، وكمنجمٍ لروحٍ جديدةٍ يسهل تلمس مفرداتها وأنفاسها من ابتسامة الرمثا وحتى ثغر العقبة.
فما هو الوطن بعد الله (الله.. الوطن..)؟ إنه الشعب بأرقى تجلياته وأنبل حراكه وأعمق تعبيره عن وجوده ومعناه وحقوقه وتطوّر مدركاته وآليات تلقيه للمعلومة وفرزها وتبويبها ووضعها، عند لحظة تاريخية فارقة، في مكانها الصحيح.
في هذا السياق صعدت للسطح وما فوقه مؤسساتُ مجتمعٍ مدنيّ، ظلّ كثيرٌ منها، حتى شعار 'الشعب يريد إسقاط الحكومة'، في دائرة الشك حتى لا أقول الاتهام.
فما هو الإكسير هنا؟ كلمة السر التي إن فك طلاسمها شعبٌ فإنه لن يموت ولن يضمحل؟ الجواب يتلخص دون رتوش بعنوان الإرادة: 'الشعب يريد'. إرادة الفعل ضد احتمالات الذوبان في بنود واهمة واستحقاقات غاشمة وأجندات ظالمة.
ولا ينسى الأردنيون وهم في طريقهم إلى قول كلمتهم، ورسم ملامح غدهم بيدهم لا بيد غيرهم، تأكيد ملامحهم، وتعزيز خصوصياتٍ تميّزهم عن غيرهم: متظاهرٌ يؤم في الصلاة رجال الدرك، محتجون يحاصرون مقر الحكومة قرب الدوار الرابع يصافحون عناصر الدرك قبيل آذان الإمساك قائلين لهم سنترككم تتسحرون فإلى اللقاء غداً.
كما لا تنسى (جهات بعينها) مواصلة (أفلامها المحروقة) من مثل اعتقال مواطن من جنسية غير أردنية يحمل (المولوتوف)، مع تثبيت اسمه الرباعي ونشر صورته قبل التحقيق وقبل تفريق الخيط الأبيض من الأسود عند صبيحة يوم رمضانيّ جديد.
تلك الأفلام باتت الغاية منها واضحة: تشتيت تركيز الناس في شوارع الغضب، ومحاولة انتزاع بعض الدسم من صيحات (أولاد الحرّاثين).
لكن الشعب قال: 'اللي مش خايف على البلد هو الذي يسعى لحرقنا جميعنا.. إحنا ما إلنا غير بلدنا.. بدناش نهاجر.. بدناش نسكت.. بدناش نموت. بدنا نحيا بكرامة.. بدنا نلعن أبو أبو الفساد.. بدنا توكلوا (...) وتستجيبوا لمطالب الناس المشروعة والعادلة: إسقاط حكومة (الهَبَل).. تغيير آليات تعيين الحكومات.. عدم الخنوع لشروط الاستعمار الاقتصادي.. منح الشباب فرصاً حقيقية لتحقيق أحلامهم وتطلعاتهم.. عدم التدخل السافر بانتخابات مجلس النواب..'. ثم صدحوا عالياً بصوت واحد: (بدناااااااااااا بلدناااااا رجعولنا ياها..).
فلا أفلام (ريحتها طالعة) مِشْيَتْ، ولا تفكيك لمعطيات اللحظة نجح، وأعلن الشارع عن نفسه وما يزال يعلن.
عندما يقول الشعب لأحدهم (إرحل)، فلا بد في نهاية المطاف أن يفعل ذلك، طال الزمان أم قصر.
وتتواصل الفيديوهات من مثل تلك المتعلقة بكشف تفاصيل قانون الضريبة الجديد، كما تتسابق المنشورات والمعلومات حول ازدواجية الجنسية عند كثير ممن حملوا لقب (دولة) وألقاب (معالي)، دون أن يفوت الشارع الطريف التعريج على (الصلعان) أو في تسمية أخرى (جماعة الديجيتال).
إنه وقع الشارع الذي لم يعد بوارده أن يرحم أحداً ممن سعى لاغتيال رغيف خبزه، أو يحاصصه بكفاف يومه.
    نيسان ـ نشر في 2018/06/04 الساعة 00:00