"الوزارولوجيا"

د. فيصل القعايدة
نيسان ـ نشر في 2018/06/21 الساعة 00:00
ليس عيباً أن تكون طموحاً؛ فقديما قال المتنبي الشاعر : إذا غامرت في شرفٍ مروم فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقيرٍ كطعم الموت في أمرٍ عظيم
وقال جبران خليل:
إنما القصد من الوجود الطموح إلى ما وراء الوجود. الإنسانُ النبيل سعيه نبيل والإنسان الوصولي يحرّكه 'اللف والدوران'، ومنذ بدءِ الخليقة إلى يومِنا هذا بقي الإنسان النبيل محافظاً على نبله وقيمته الساعية للخير والطموح الذي هو حقه في العلياء، وبقي الوصولي على إيمانه المطلق أن طريق 'الالتفاف' والإدعاء وركب الموجة الطريق الاقصر للوصول.
هذا الكون زاخر بالمعارف بالعُلوم سواء كانت علوم أساسية أو إنسانية أو علوم طبيعية؛ فالميتافيزيقيا علم ما وراء الطبيعة، والجيولوجيا علم الأرض، والأيدلوجيا علم الأفكار، والبيولوجيا علم الأحياء، والراديولوجيا علم الأشعة.
أمّا 'الوزارلوجيا'فهو علم تحوّل الإنسان اللا مؤهل إلى 'لاهث' وراء الوصول للمنصب، وهذه النوع من المعارف لا يتمّ اكتسابه والحصول عليها عن طريق الالتحاق بالمعاهد أو الجامعات، وإنما من خلال اجتهاد شخصيّ من الإنسان نفسه،
وهي غير مقتصرة على فئة في المجتمع، فقد يشترك فيها الموظف الصغير الكسول ورئيس القسم الرديء، والمهندس الضعيف البائس والمراقب الخامل والموظف الملون و المسؤول المتآمر والذكر المُزيف والمحاضر الرديء والتاجر الخائن، فكل إنسان يستطيع ممارسة 'الوزارلوجيا' وفق متسعه فلا تغريك الشعارات الرنانة ولا العبارات المهذبة، فكل من هذه الشاكلة في مجاله يسير في 'الوازالوجيا' ليكون.
عندما يرفع المرشح شعاراته النارية ويدعي من الخوف على المصلحة العامة ما يدعي، ويقسم في مهرجان جماهيري كبير أغلظ الأيمان بالله على الوقوف إلى جانب قواعده الشعبية فهي 'الوزارلوجيا'.
عندما يدعي 'ممثلٌ' المُثل العليا، ويكتب عن والإنصاف والعدالة وحقوق الناس وتوسيع المكاسب ويحفظ كل المرادفات اللغوية لمفردة 'فَقَرَ' ويتبنى لغة الفقراء أكثر من اسمه؛ فهي 'الوزارلوجيا'.
عندما يسعى الموظف الكبير بعد إحالته للتقاعد ويجوب البلاد شرقاً وغرباً جامعاً أسماء ليرخص حزباً ويطلق من خلاله شعارات كان ضدها عندما كان صاحب قرار ليصبح لافتاً للنظر والأضواء والصحافة فهي 'الوزارلوجيا'.
عندما يشترط الأبُ على ابنته الزواج لمن تكون طبقته الاجتماعية الأعلى أو من أرباب السلطة أو أن يكون الاسم الأخير اسماً سياسياً له مستقبله فهي 'الوزارلوجيا'.
عندما يُشربُ الخمر تقرباً لطبقة أو إرضاءً لجلسة 'مخملية' وكي لا يوصف أنه انعزالي، فهي 'الوزارلوجيا'.
عندما يكتبُ الدكتور المشرف لطالب رسالة الماجستير أو الدكتوراة لأجل والد الطالب، أو لتتفتح له طريق علاقات وتسجيل مواقف عند والد الطالب بحكم أنه صاحب 'كرسي' ؛ فهي 'الوزارلوجيا'.
عندما يتخرّجُ 'أبناء' من الجامعات بدرجات عالية بتقدير عال وهم لا يحضرون ولا يُحضّرون تقديراً للوالد المسؤول فهي 'الوزارلوجيا'. الذين يستحقون نيل شرف 'الوزارلوجيا' هم أولئك الذين يتشدقون بشعاراتهم ويتخذونها مبررات ويدعون أنهم الأصلح وما هي إلا مرضى ولكن هي 'الوزارلوجيا' بلاشك.
    نيسان ـ نشر في 2018/06/21 الساعة 00:00