مدمنو القهوة : وحشة في النهار ولهفة في الليل

نيسان ـ نشر في 2015/07/02 الساعة 00:00
بدأت ربة المنزل حياة اللوباني حديثها بلهفة عن لذة القهوة التي لا يمكن لها إتمام يومها دونها،إذ تقول " بعد يوم ممتلئ بالطاعات من صلاة وصيام وإقامة لأركان الدين، ومع الانتهاء من تناول وجبة الافطار، تتغلل في الأنفاس رائحة تحمل عباقة؛ وتختزل فيها إرهاق يوم مضى، إنها رائحة القهوة التي تدور فناجينها على افراد الاسرة فتنشي الروح بمذاقها الرائع وسمارها الفتان". ولان الأيام الأولى من الشهر الفضيل كانت بالنسبة لها هي الأصعب، نتيجة توقفها المفاجئ عن احتساء قهوة الصباح التي اعتادت عليها، تقول "لقد اصبت بالدوار والتعب والارهاق، الذي لا يزول إلا برشفات قهوة تزين الصباح ويحلوا بها المساء، فلا يمكن للصائم بعد إفطار رمضاني، أن يكمل يومه وتواصله الاجتماعي إلا بعد احتساء فنجان قهوة طيب المذاق تتغلغل حبات الهيل باجزائه؛ فتنسج ذكريات أيام مضت." ويتجاوز عدد فناجين القهوة التي ترتشفها كل مساء، ثلاثة،" فلا يمكنها قضاء مساء رمضاني مميز دون فاتحة خير تتمثل بالقهوة؛ عربية وتركية"،بحسب قولها. اكثر ما يشدك من رائحة القهوة عندما ترى أحد مروجي القهوة وهو يحمل بيده (صينية القهوة) ملوحاً بها للمارة وللسيارات في أحد الأكشاك على جانب الطريق،حيث يقف صلاح ابو الوفا في أحد اكشاك العاصمة عمان،على جانب الطريق داعيا مرتادي الطريق لشرب القهوة،يلفت نظرهم ليدفعهم للإقبال عليها، حيث تنشط الحركة عقب الإفطار،وكأنك تشعر بان القهوة ستنفذ من المملكة!. ويبتدع ابو الوفاء كغيره من بائعي القهوة على الطرقات،مجموعة من الحركات التي تجذب مرتادي الطرق سواء بالأيدي او بالصينية التي يعتبرها أداته الرئيسة للوصول الى الناس ، إذ يقول " إنها نوع من التعبير عن نوع القهوة التي يريدها السائق وهو في سيارته دون الحاجة إلى النداء أو الصراخ، ولكل نوع من القهوة أو مقدار السكر فيها حركة تمثلها،حيث أصبح المارة يفهمونها، وسرعان ما انتشرت هذه الحركات وأصبحت ماركة مسجلة يعرفها معظم سائقي السيارات ومحبي القهوة خصوصاً في العاصمة وإربد والزرقاء". كثيرون من عشاق القهوة يتشوقون بعد صيام تعد النصف يوم، لرشفة قهوة يحتسونها بلهفة عاشق وملامح محارب بعد قضاء يوم متعب، فما ان يرتشف الفرد فيهم جرعته الأولى منها حتى يتمثل للعيان لحظات استراحة محارب، وملامح راحة بدأت بالظهور، بعد تعب شهده يومه نتيجة توقفه عن احتساء القهوة وبداية يوم برشفة منها تقوده إلى انتظام في المزاج. ويفسر المتخصص بأمراض الكلى الدكتور نبيل العكش،التعب الناتج عن التوقف المفاجئ عن احتساء القهوة في رمضان، بإدمان جسم الإنسان على تناول الكافيين، حيث أنه في رمضان يتوق الصائم لفنجان القهوة نهارا مما يشكل لديه أحد مسببات صعوبة الصيام في الأيام الأولى من الشهر الفضيل، فهناك من يصاب بالصداع الشديد لافتقاد فنجان القهوة الصباحي بسبب الصيام، ففي غير أيام الصيام لا يمكن للفرد أن يبدأ يومه إلاّ مع ذلك الفنجان الذي يسوي مزاجه ويساعده ليمضي نهاره بزخم واندفاع، حتى يصل به الأمر إلى تخزين القهوة في رمضان عند السحور والإفطار، وحتى بين هاتين الوجبتين خوفاً من أن ينفد منه مخزون القهوة والكافيين. وتحتوي القهوة بحسب الدكتور العكش،على مضادات أكسدة تحمي خلايا الجسم من التلف وتزيد مقاومته لتكوين الخلايا السرطانية، حيث تعتبر القهوة مصدر مضادات الأكسدة الأول في الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة نمط الحياة السريعة واعتبار كوب القهوة شيء أساسي في نظام الحياة اليومية أكثر من حبة الفاكهة،كما تمنع القهوة الاكتئاب وتزيد من افراز "السيروتينين" هرمون السعادة، وتزيد من حماية خلايا الدماغ من التلف وتحمي من الزهايمر، إضافة إلى احتوائها على مواد تحفز مضادات الالتهاب للعمل في الجسم. وينصح للتغلب على الصعوبة التي يعانيها الصائم نتيجة التوقف المفاجئ عن تناول القهوة، انه وقبل بداية شهر رمضان بثلاثة أسابيع على الفرد البدء بتعويد الجسم تدريجياً على التوقف عن تناول القهوة أثناء النهار، داعيا إلى تجنب الافطار على فنجان من القهوة.،لأن ذلك قد يؤدي إلى زيادة في إفراز الأنزيمات المهضمة، التي قد تؤثر سلباً على غشاء المعدة، خاصة أن المعدة تكون فارغة تماما من الطعام، كما ينصح بتناول 3 حبات على الأقل من التمر عند بدء الإفطار، فذلك اختيار مثالي، لأن التمر يوفر للفرد مصدرا سريعا من الطاقة التي يحتاجها الجسم وخاصة الدماغ، ومن ثم احتساء فنجان من القهوة الذي يمنح الفرد النشاط في حال شعر بالنعاس بعد وجبة الإفطار. وتظهر دراسة طبية حديثة أجريت بمعهد المعلومات العلمية بنيويورك، أهمية تناول ثلاثة أكواب من القهوة يوميا؛ مما يعمل على تخفيض فرص الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية ، فضلا عن خطر الوفاة بنسبة تصل إلى 21 % ،وتؤكد الدراسة فعالية القهوة خاصة في حال تناول ثلاثة أقداح منها يوميا، ودورها في الحد من مخاطر أمراض القلب. وتشير الدراسة إلى وجود ارتباط بين استهلاك القهوة وتراجع خطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية لتحقق الآثار الوقائية ، وانه في حال تناول 5 أقداح يتم الحصول على نفس النتيجة. وتخلص الأبحاث الطبية إلى أن استهلاك القهوة بمعدل يتراوح ما بين 3 - 5 أقداح يوميا قد يكون له تأثير وقائي ضد مخاطر الوفاة من الأمراض القلبية الوعائية. ويشدد الدكتور العكش على أن النتائج تظهر تفاوتا في التأثير من شعب إلى آخر، حيث يوفر قدحان من القهوة يوميا فقط حماية أكبر بين اليابانيين، في مقابل ثلاثة أقداح للأمريكيين والبريطانيين. ويحذر الدكتور العكش، من الافراط في تناول القهوة (أي ما يزيد عن 5 فناجين كل يوم)، لما لها من مخاطر على صحة الإنسان، حيث يسبب الإفراط في تناول الكافيين مشاكل في القلب، فضلا عن الأرق والقلق، مشيراً إلى ان أفرادا كثر كانوا يستهلكون كميات زائدة عن حد السلامة، لأنهم لم يكونوا على علم بمختلف مصادر الكافيين، كما انه لابد أن تكون كمية الاستهلاك عند الأطفال والحوامل أقل بكثير. ويبقى عشاق القهوة يرددون قول الشاعر : تُعيد إلى الضعيف قِوَى وتهدي * * * إليه غِبْطة وصفاء فِكر .
    نيسان ـ نشر في 2015/07/02 الساعة 00:00