وئام وهاب نجم سياسي تلفزيوني يهدّد اللبنانيين بالغضب الدرزي
نيسان ـ نشر في 2018/07/21 الساعة 00:00
ما تزال تصريحات رئيس “تيار التوحيد العربي” الوزير السابق وئام وهاب، تتردد في الأوساط اللبنانية. تلك التصريحات التي قال فيها، قبل أيام قليلة إن “اللعب بالموضوع الدرزي في الحكومة سيخلق مشكلة كبيرة، وإذا حاول البعض استضعاف الدروز، فسيؤسس لمشكلة كبيرة وسيدفع الثمن”.
هي نبرة جديدة لوهاب، يقدّم بها شخصيته المناسبة لهذه الفترة السياسية في لبنان والمنطقة، إذ لا يخفى أن هناك شبه إجماع في لبنان على أن وهاب هو من النجوم. فشاشات محطات التلفزيون تتسابق للفوز بمقابلة معه، وذلك بسبب لهجته الجبلية “المحببة” وصراحته وجرأته في تسمية الأشياء بأسمائها والتي تصل في مرات كثيرة إلى حدود غير مقبولة. لكنه مع ذلك كله، يكشف في تلك اللقاءات عن أسرار تغيب عن الكثير من المتابعين، كما يفضح “المرتشين” بغض النظر عن مراكزهم مستندا بذلك إلى معلومات يقول إنه يملكها بالوثائق.
غير أن ما أعلنه في اليوم التالي لظهور نتائج الانتخابات النيابية من أنه تعرّض “لخيانة” حلفائه المفترضين ما أدى إلى سقوطه، شكل حدثاً لا تزال أًصداؤه تتردّد لغاية اليوم. قال وهاب “لكني مع ذلك أصبح الرقم 2 داخل الطائفة الدرزية خلف الرقم 1 من دون منازع وليد جنبلاط، لكني تفوقت على الرقم 2 الافتراضي طلال أرسلان وحللت مكانه”.
صوت الجبل
لم تتوقف الأمور عند ذلك الحد، فقد جاءت الحادثة الأليمة التي ارتكبها رئيس الفريق الأمني الخاص بالأمير طلال أرسلان وأدّت إلى مقتل المتطوع في الدفاع المدني علاء أبي فرج ابن مدينة الشويفات بعد أيام قليلة على إعلان نتائج الانتخابات، ورفض أرسلان تسليم الجاني، بل إيواؤه ومساعدته على الفرار من وجه العدالة، فما كان من وهاب إلا أن صعّد من انتقاداته العلنية بوجه أرسلان واتهمه بالتورط في “الدم الدرزي” وأطلق عليه نعوتا غير مسبوقة في تاريخ التخاطب مع المرجعيات الدرزية، حتى أنه رغم انقطاع علاقة وهاب مع جنبلاط منذ ما قبل الانتخابات النيابية، ما كان منه إلا أن شارك في المأتم الشعبي الذي أقامه “الحزب التقدمي الاشتراكي” لأبي فرج متقبلا التعازي إلى جانب قيادات الحزب وأهل الفقيد.
وكان وهاب الذي ولد في العام 1964 عضوا في الحزب التقدمي الاشتراكي وعمل مراسلا لإذاعة “صوت الجبل” التي كان يديرها الوزير والنائب السابق غازي العريضي خلال الحرب الأهلية. غير أنه بعد انتهاء الحرب انتقل فجأة إلى الضفة الأخرى حيث تولى مهمة استشارية لدى أرسلان وظل مقربا منه حتى العام 2000.
وهاب الذي يجاهر بقربه من النظام السوري ومن العميد رستم غزالة الذي كان رئيساً لجهاز الأمن والاستطلاع في لبنان، تمكّن من الدخول إلى 'جنة السلطة' في لبنان عندما أعلن رفيق الحريري اعتذاره عن تشكيل الحكومة في عهد إميل لحود، فعيّن وهاب وزيراً للبيئة في الحكومة التي شكلها عمر كرامي
ويقول وهاب بنفسه إنه تقرّب من أرسلان بسبب طموحه بلعب دور نيابي أو وزاري لم يكن ليحظى به لو ظل عضواً في الاشتراكي. وبالفعل ترشّح إلى الانتخابات التي أجريت في العام 1996 عن أحد المقعدين الدرزيين في دائرة الشوف بوجه جنبلاط والوزير والنائب مروان حمادة غير أنه لم يوفق.
غير أن وهاب الذي لطالما جاهر بقربه من النظام السوري ومن العميد رستم غزالة الذي كان رئيسا لجهاز الأمن والاستطلاع في لبنان، تمكّن من الدخول إلى “جنة السلطة” في لبنان عندما أعلن رفيق الحريري اعتذاره عن تشكيل الحكومة في عهد إميل لحود، فعيّن وهاب وزيرا للبيئة في الحكومة التي شكّلها عمر كرامي.
لكن “النعيم” الذي عاشه لم يدم طويلا، حيث أعلن كرامي استقالة حكومته عقب اغتيال الحريري، لكن وهاب قال في إحدى مقابلاته التلفزيونية عن تلك التجربة “سأظل حاملا لقب معالي الوزير طالما حييت”.
ثورة الأرز ومحكمة الحريري
لم يكن وهاب يتوقع أن يؤدي اغتيال الحريري وقيام ثورة الأرز بقيادة جنبلاط – الحريري – جعجع إلى خروج الجيش السوري من لبنان، ونجاح هذا الفريق في الفوز بالأكثرية عقب انتخابات العام 2005، فانكفأ “وقتياً” عن الساحة معللا ذلك لانشغاله بوضع النظام الداخلي لحزب “تيار التوحيد العربي” الذي أعلن عن تأسيسه في العام 2006.
وكان من أشهر مواقفه في المرحلة التي تلت تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتي تنظر في قضية اغتيال الحريري، وبعد صدور القرار الظني الذي اتهم عناصر تابعة لحزب الله بتنفيذ العملية، أن خرج وهاب أمام الصحافة المحلية والدولية ليقول إنه يعتبر أن “المحكمة وصرمايتي (حذائي) سوا”، وهذا تصريح لم يرتق إليه حتى أشد أعداء المحكمة والمعنيين مباشرة بها وهم “حزب الله” والضباط الأربعة الذين أوقفهم قاضي التحقيق الدولي لمدة 4 سنوات قبل أن تقرر المحكمة إخلاء سبيلهم.
وفي العام 2006 شنّت إسرائيل عدوانها الشهير الذي استمر 33 يوما ضد “حزب الله” الذي نجح في صدّ الهجوم ومنع العدو من تحقيق أهدافه، فعاد وهاب ليجاهر بأنه إذا طلب منه سوف يضع كل إمكانيات حزبه الوليد بتصرّف المقاومة، ومجاهرا بأن “فريق الممانعة” الذي ينتمي إليه، سوف يعيد صياغة السياسة الداخلية في البلد وأنه سيتولى دورا مهما في هذه الصياغة باسم “أصدقاء سوريا” في لبنان.
حزب الله والدوحة
شنّ “حزب الله” بعدها غزوته الشهيرة على بيروت وبعض أنحاء الجبل، وإذ نجح في السيطرة على العاصمة، إلا أنه تكبّد خسائر كبيرة أمام المقاتلين الدروز في الجبل، فأضطر إلى وقف غزوة “اليوم المجيد” والذهاب إلى العاصمة القطرية الدوحة حيث تم عقد التسوية الشهيرة التي أوصلت العماد ميشال سليمان إلى سدة الرئاسة وجرى الاتفاق على إجراء الانتخابات النيابية المقررة في العام 2009 بموجب القانون الأكثري المعروف باسم “الستين”، وهو أمر كان وهاب يدرك أنه لن يمكّنه مجددا من تحقيق حلمه بالفوز بمقعد نيابي بمواجهة “شعبية” جنبلاط الكاسحة في قضاءي الشوف وعاليه، فبدأت مواقفه الانتقادية المعارضة لقبول “فريقه السياسي” بخوض الانتخابات استنادا إلى هذا القانون تخرج إلى العلن.
وفي الفترة التي كان جنبلاط يقود فيها فريق “14 آذار”، لم يتوان وهاب عن مهاجمته شخصيا وانتقاده بعبارات لاذعة، عمم جنبلاط أثرها على نواب “اللقاء الديمقراطي” ومسؤولي “الحزب التقدمي الاشتراكي” بعدم الرد على وهاب مهما تمادى في انتقاداته، لعدم الانجرار إلى فتنة قد يكن من يقف خلف وهاب يسعى إليها.
مواقف وهاب المؤيدة للنظام السوري تنعكس على حركته الداخلية في لبنان، حيث تعاون مع 'سرايا المقاومة' التابعة لحزب الله في إحياء ذكرى تأسيس حزبه في قرية الجاهلية بـ'استعراض عسكري' كان القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة مع جنبلاط
ومرة جديدة خسر وهاب رهانه، وتدهورت علاقته بأرسلان الذي لم يرضخ لطلب سوري بالتعاون معه في الانتخابات النيابية التي جرت في تلك العام، فأعلن ترشيح “قياديين” من حزبه ضد أرسلان في دائرة عاليه، وترشح إلى جانب “قيادي” آخر من حزبه ضد جنبلاط وحمادة في دائرة الشوف.
أسفرت النتائج عن فوز جنبلاط ولائحته في الشوف، وبأربعة مقاعد من خمسة في دائرة عاليه، بعدما ترك المقعد الدرزي الثاني شاغرا لتأمين فوز أرسلان به.
ورغم أن جنبلاط وجّه رسالة إلى كل من يعنيهم الأمر في الداخل والخارج، حينها، ورغم ترشيح لائحة كاملة في دائرة عاليه فازت بالمقاعد الخمسة وخسارة أرسلان مقعده النيابي أمام المحافظ السابق الذي كان محسوبا عليه النائب فيصل الصايغ، إلا أنه لم يشأ أن يكرر التجربة في العام 2009 بل سمح لأرسلان بالعودة إلى الندوة النيابية بترك مقعد شاغر على لائحته، وهو بذلك أكّد أنه القائد القوي لطائفة الموحدين الدروز، وهذه رسالة يبدو أن وهاب أدركها بخلاف أرسلان.
وأمام الضغط السياسي والشعبي الكبير المعارض لقانون الانتخابات الأكثري، بدأت القوى السياسية درس قانون جديد للانتخابات يعتمد على النظام النسبي، وهذا ما جعل المجلس النيابي أن يمدّد لنفسه ثلاث مرات منذ العام 2014 التاريخ المقرّر للانتخابات النيابية، وهذا الأمر كان يثير غضب وهاب كثيرا إذ أن طموحه بخوض الانتخابات بموجب قانون نسبي يفتح له المجال بالفوز بمقعد نيابي كان ولا يزال يطمح إليه ويعمل من أجله.
أوامر دمشق
ومرة أخرى كانت الريح تجري بعكس ما تشتهي سفن وهاب، فبعد اندلاع الثورة الشعبية ضد النظام السوري في العام 2011، وموقف جنبلاط المؤيد لها ودعوته إلى أبناء طائفة الموحدين الدروز في السويداء بعدم الوقوف في وجه إرادة غالبية الشعب السوري، وجد وهاب نفسه وقد انصاع لأوامر دمشق فراح يجنّد ويسلّح بعض أبناء القرى الدرزية في جبل العرب ليقاتلوا إلى جانب قوات النظام، وراح يهاجم جنبلاط بحدة لتأليبه دروز سوريا ضد النظام.
وانعكست مواقف وهاب المؤيدة للنظام السوري على حركته الداخلية خاصة في قرى جبل لبنان، حيث تعاون مع “سرايا المقاومة” التابعة لحزب الله، ومع بعض العناصر النظامية السورية في إحياء ذكرى تأسيس حزبه في قرية الجاهلية من قضاء الشوف، بـ”استعراض عسكري” لم يبهر أحدا في لبنان رغم أن الرسالة منه كانت موجهة بوضوح ضد جنبلاط، وهي القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة بين الرجلين. فمقابل حرص جنبلاط على عدم وقوع أي فتنة داخلية، وعلى تجنيب أبناء الجبل المعاناة التي طال الوقت أمامهم للخروج منها عقب الحرب الأهلية، كانت رسالة وهاب “الاستعراضية” بمثابة “إثبات وجود” بغض النظر عن الأثمان التي يمكن أن تكلّف الجبل وأبناءه.
ومع إقرار القانون الذي تقرر إجراء الانتخابات النيابية في أيار 2018 بموجبه، وهو قانون أكثري أضيفت إليه “ظاهرة” الصوت التفضيلي، بدأت المفاوضات بين القوى السياسية لتشكيل لوائح تخوض بموجبها الانتخابات، فكان جنبلاط الأكثر حرصا على الوحدة والتنوع في الجبل، وبعد نجاحه في موافقة المجلس النيابي على دمج قضاءي الشوف وعاليه في دائرة واحدة، أخذ يدعو إلى تشكيل أوسع ائتلاف نيابي لا يستثني أحداً في الجبل، ومع أنه ظلّ يمد يده حتى ربع الساعة الأخير، إلا أن أرسلان أولاً رفض خوض الانتخابات إلى جانب جنبلاط رغم أن الأخير ترك له مقعداً شاغراً على اللائحة، ورفض التحالف مع وهاب أيضاً، فكانت لائحة “المصالحة” التي تشكّلت بين “الحزب التقدمي الاشتراكي” و”تيار المستقبل” وحزب “القوات اللبنانية” ومسيحيين مستقلين، بمواجهة لائحة أرسلان التي أسماها “ضمانة الجبل” وضمته إلى “التيار الوطني الحر” و”الحزب السوري القومي الاجتماعي”، ولائحة “الوحدة الوطنية” التي ترأسها وهاب وضمته إلى جانب شخصيات معروفة بولائها للنظام السوري.
مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة المنبثقة عن الانتخابات النيابية الأخيرة تستفز وهاب. فقد أخذ يرفع من حدة انتقاداته لأرسلان الذي يقول إنه 'يستجدي' المقعد الوزاري، غامزا من قناة وزير الخارجية جبران باسيل الذي 'أعاره' ثلاثة نواب ليشكّل معهم كتلة نيابية تبرر مطالبته بالحصول على مقعد وزاري
لكن، والحقيقة تقال، فإن النتيجة التي حققها وهاب كانت مفاجئة. حيث أنه “ابتلع″ كل الأصوات “الأرسلانية” في الشوف تقريباً، وكان قريباً من تحقيق “الحاصل الانتخابي” الذي يؤهله للفوز بمقعد نيابي، حتى أن مجموع الأصوات التي حصل عليها شخصياً كانت أقل من أًصوات أرسلان بـ500 صوت تقريباً على مستوى الدائرة الكبرى، لكنها نسبياً في دائرة الشوف أكثر مما حصل عليه أرسلان في دائرة عاليه.
وعند هذه الأرقام خرج وهاب ليتهم “الأشباح” بتزوير النتائج، وهي النغمة المألوفة في لبنان حيث يطعن الخاسر بنتيجة الفائز معللاً الخسارة بتدخل “الأجهزة الأمنية” ضده وما إلى هنالك من أسباب أخرى، لكنه بالمقابل راح يكيل الانتقاد إلى أرسلان ويسخر من نتائجه، لا بل وجه سهام انتقاداته إلى جنبلاط أيضاً زاعماً أنه لو لم يترك المقعد الشاغر لأرسلان كان ليفوز هو به شخصياً.
ومع بدء مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة المنبثقة عن الانتخابات النيابية، زاد وهاب من حدة انتقاداته لأرسلان الذي يقول إنه “يستجدي” المقعد الوزاري، غامزاً من قناة وزير الخارجية جبران باسيل الذي “أعاره” ثلاثة نواب ليشكّل معهم كتلة نيابية تبرر مطالبته بالحصول على مقعد وزاري، دون أن يوفّر من انتقاداته اللاذعة لباسيل لتدخّله في الشأن الدرزي الداخلي ومحذراً إياه من مغبة المضيّ في هذه السياسة.
وإلى جانب هذا الموقف “الدرزي” الصميم، فإن موقف وهاب من حادثة الشويفات، رغم شكوك البعض بعدم صدقيتها لكنها تنمّ على الأقل عن “ذكاء سياسي”، فإن زعم وهاب بأنه أصبح “الرقم 2” في الطائفة الدرزية له ما يبرره خصوصاً وأن مواقف أرسلان عقب حادثة الشويفات، و”صياحه” للفوز بمقعد وزاري، أفقده الكثير من “هيبته” وشعبيته ليس لدى الدروز فحسب، بل لدى اللبنانيين عموماً.
صلاح تقي الدين - العرب
نيسان ـ نشر في 2018/07/21 الساعة 00:00