من أحيا أفكار الجهاديين في سيناء… سيد قطب وابن تيمية أم السيسي؟

نيسان ـ نشر في 2015/07/05 الساعة 00:00
خلال حــــرب غزة عام 2009، قضيت عدة أسابيع في مدينة رفح والعريش المصريتين، واكتشفت حينها أن مصريتهما مختلفة، اللهجة والعادات والأصول، البداوة والقبيلة والصحراء.. لا نيل في سيناء في إحدى المرات كنت في سيارة أحد الأصدقاء الذين تعرفت عليهم في رفح، وفي الطريق.. شاكسته إحدى السيارات وكادت أن تصطدم بنا، فصاح غاضبا وأشار للسيارة الأخرى "شوف هالبني آدم، ده أكيد واحد مصري". فاستغربت وقلت له: "أكيد طبعا أنه مصري، لأنه إحنا في مصر، وأنت مصري".. فأجابني مباشرة ":لا احنا عرب مش مصريين، ودي سينا مش مصر". طبعا ظننته متطرفا في سيناويته بعض الشيء، ولكن بعد أيام من الاختلاط بالمجتمع السيناوي، لاحظت مدى التمايز في التكوين الذاتي والثقافي عن مصر النيل، عدا عن مظالم يعيشونها منذ عقود، تطبع علاقتهم بالقاهرة وتسيطر على شعورهم الجمعي، لذلك أدركت منذ ذلك الحين أن سيناء هي بؤرة تمرد كامنة في مصر. واليوم يتساءل كثيرون: لماذا جاء "تنظيم الدولة الإسلامية" إلى سيناء؟ أعتقد أن السؤال الصحيح هو لماذا ذهبت سيناء لـ"تنظيم الدولة"؟! ومتى بدأنا في التساؤل بالشكل الصحيح، سنتلقى إجابات أكثر واقعية بعيدا عن التسييس.. فما يحدث أن هناك مجتمعات محلية تتوفر فيها عوامل محددة، تجعلها أكثر استعدادا لتقبل فكرة التمرد الجهادي العنيف، بل إن تفاعلات داخلية في هذه المجتمعات على مدى عقود تشبه حراكا متصاعدا يقارب "الديالكتيك"، تصل بها الى مآلات معينة، تتوافق مع ما تطرحه تنظيمات العنف والتمرد الجهادي، أي إنها توصلت للجهادية من خلال التجربة والواقع، وليس من خلال التعاليم الدينية السلفية المجردة. ولذلك يكون السؤال الصحيح الثاني: لماذا سيناء، فقط، دون مصر تحولت لمعقل للجهاديين؟ ولماذا الآن تحديدا؟ وهذا تماما مثلما نسأل لماذا قندهار كانت معقلا لطالبان تحديدا؟ ولماذا الانبار كانت معقلا لتنظيم الزرقاوي بعد احتلال العراق تحديدا؟ ولماذا حماة كانت معقلا للإخوان المسلمين في الثمانينيات ثم الجهاديين اليوم؟ عندما نطرح الزمان والمكان لسؤال الاختبار سنتوصل لنتيجة مفادها أن مجتـــمعات هذه المنــاطق وجدت ضالتها في الثورة العنيفة المسلحة من تلقاء تجربتها، وباتت تفرض الحلول الوسط كالإصلاح. وهنا نجد أنفسنا من جديد أمام الصدام بين تيارين في الإسلامية السنية السياسية في مصر، بين خيار الإخوان المسلمين في مصر الذي يصر على الإصلاح، وسلميا من داخل مؤسسات الدولة والمنظومة الإقليمية المرتبطة بالغرب، وبين خيار الجهاديين ومشروع مؤيدي "تنظيم الدولة" الذين يريدون نسف مؤسسات الدولة تماما ومعها المنظومة كاملة، ونسف حتى الفكرة الوطنية التي قامت عليها هذه الدول القطرية المتنافية مع مشروع الوحدة الإسلامية الساعين له. وتبدو مصر أنموذجا جديدا لهذا النزاع بين التيارين، إذ تبدو حتميات النزاع ومتطلبات الواقع تتماهى مرة أخرى مع أطروحات الجهاديين، ومشروع تنظيم الدولة، وكأنها تسائل المصريين بعد كل مجزرة للسيسي.. هل ما زلتم تنتظرون شيئا من سلميتكم؟ هل ما زلتم تنتظرون شيئا من دولتكم الوطنية؟ هل ما زلتم تتأملون بالغرب والأنظمة العربية لإنقاذكم، أم إنكم تنتظرون شيئا من الديمقراطية التي ضحكوا عليكم بها ليذهبوا بأصواتكم لسلة المهملات، ويصبح الجنرال المستبد العسكري هو صديق الدول الديمقراطية الغربية وضيفها الدائم؟ وكأن ابن تيمية وسيد قطب يبتسمان في قبرهما ويقولان للسيسي.. مهما منعت كتبنا وأحرقتها، فالناس ستتوصل لأفكارنا مما تصنع يداك. العصر - وائل عصام
    نيسان ـ نشر في 2015/07/05 الساعة 00:00