هل إبراز السمت الإسلامي لدى أردوغان (دروشة)؟ 2
نيسان ـ نشر في 2015/07/06 الساعة 00:00
(إن الإسلام الحقيقي هو أكبر قوة في العالم..
إننا في حالة تلاوة القرآن نتعلم دروس الشهامة..
والإيمان والحماس).
هي قصيدة للشاعر الإسلامي التركي محمد عاكف الملقب بشاعر الأمة التركية، وأحد الشخصيات المهمة التي أثَّرت في تشكيل الشخصية الإسلامية لأردوغان.
ذلك الزعيم رجب طيب أردوغان صاحب السمت الإسلامي الظاهر، والذي أسماه الأتاتوركيون العلمانيون بـ"الحاج الرئيس"، على قبيل السخرية منه عندما قام وزوجته المحجبة بأداء العمرة.
هذا السمت الإسلامي الذي يعتبره البعض عند أردوغان درْوشة؟
انطلقنا من خلال ذلك التساؤل في الجزء الأول، لنتتبع باختصار مسيرة أردوغان ونشأته الإسلامية، لنحكم بعدها على تلك الجزئية، أهي دروشة ومظاهر للتفاعل النفسي مع تعاليم الدين لدى أردوغان يمارسها منفصلا عن الواقع، أم أن الرجل يعرف ما يفعل بالفعل.
فأنعش ذاكرتك بالعودة إلى الجزء الأول، فعلى أساسه بنينا ما نسطره اليوم.
انتهى بنا المقام في الجزء الأول، عند تاريخ 12 من ديسمبر عام 1997م، حيث ألقى عمدة إسطنبول رجب طيب أردوغان خطابا في ولاية سرت تضمن أبياتا للشاعر التركي "ضياء غوك ألب"، يقول فيها:
مساجدنا ثكناتنا
قبابنا خوذاتنا
مآذننا حرابنا
والمؤمنون جنودنا
هذا هو الجيش المقدس
الذي يحرس ديننا
*كانت هذه الأبيات بمثابة انفجار هز الأوساط العلمانية في تركيا، وتمّ اعتقال أردوغان بتهمة تهديد أمن البلاد وزرع الفرقة واستنهاض مشاعر العداوة وأوقعوه قسرا تحت طائلة المادة 312 من قانون العقوبات التركي.
ويحكي الكاتب أحمد بهجت مشاهداته في إسطنبول، حيث حضر تلك الواقعة، وكتبها بعموده اليومي في صحيفة الأهرام المصرية بتاريخ 29 سبتمبر 1998م، فيقول:
"مضينا نضرب في طرقات المدينة، ثم أحسسنا حين أقبلت الظهيرة أن هناك شيئا غير عادي قد وقع، لقد بدأ المرور يتحوّل إلى البطء، وضاعت سيولة الحركة في شوارع المدينة.
وبدأنا نتتبع الخبر، كان الخبر من أعجب ما سمعنا في حياتنا الصحفية على كثرة ما شاهدنا وسمعنا من عجائب. قيل لنا إن حركة المرور أبطأت وأصابها ما يشبه الشلل بسبب مظاهرة هائلة تتكون من مائة ألف مواطن تركي اجتمعوا في الساحات والميادين والشوارع ابتداء من مسجد (الفاتح) إلى مسجد (بايازيد) وسط إسطنبول.
سألنا: لماذا احتشدت المظاهرة؟
قالوا: احتشدت المظاهرة احتجاجا على قرار المحكمة الدستورية العليا بتأكيد حبس عمدة إسطنبول ورئيس بلدياتها "رجب طيب أردوغان".
سألنا: ما هي الجريمة التي كانت سببا في الحكم عليه بالحبس؟ قالوا: هي جريمة خطيرة خطيرة، لقد قرأ منذ ثمانية أشهر وهو يخطب في الجماهير بيتا من الشعر كتبه شاعر كانت له اتجاهات إسلامية".
*لقد كانت الطفرة التي أحدثها أردوغان في بلدية إسطنبول، هي الرصيد الواقعي لتجربته، والتي أسهمت في فوز حزبه الصاعد "العدالة والتنمية"، والذي تجنب في توجهه استفزاز العلمانيين على النحو الصريح الذي تميز به أربكان، نظرا لضغط الواقع العلماني وسطوة المؤسسة العسكرية العلمانية.
*وكانت العبارة الشهيرة التي أطلقها أردوغان "لم أتغير ولكني تطورت" تشير إلى تمسّكه بالفكرة الإسلامية واستصحاب الهوية، دون الدخول في صدامات مع الأتاتوركيين المتنفذين.
فمن ذلك أنه أرسل ابنته لتلقّي تعليمها في أمريكا حتى لا تنزع حجابها، وذلك تفاديا للصدام مع العلمانيين.
وخلال فترة تولّي حزبه شؤون البلاد، تعاطى أردوغان مع الواقع التركي المُعقّد، واستطاع تدجين النسور في المؤسسة العسكرية، وهدم الصنم التركي وفق رؤية تدريجية متوازنة، مراعيا موازين القوى في بلاده.
*لقد سار أردوغان في اتجاهين بهذا التوازن، أولهما التنمية والنهضة الاقتصادية وتطهير المؤسسات، والبحث عن دور محوري لتركيا في المنطقة، وثانيهما العمل على استبدال الأفكار والمظاهر الأتاتوركية بالإسلامية.
وتمكن الرجل من استغلال المناخ الديمقراطي الذي ساد في عهد العدالة والتنمية، في نصرة الشعائر الإسلامية، وأحرج العلمانيين بفكرة الحريات الشخصية التي تكفلها الديمقراطية، من أبرزها حق كل تركية في ارتداء الحجاب في الجامعات والبرلمان والمؤسسات الحكومية بما أنه حرية شخصية.
*ومن جانب آخر، أعاد أردوغان روح التراث العثماني المُحمَّل على الفكرة الإسلامية، باعتبار الإمبراطورية العثمانية آخر عهود الخلافة.
أردوغان أحيا اللغة التركية القديمة التي أهال عليها أتاتورك التراب ليقطع الصلة بين الأتراك وتراثهم العثماني الإسلامي.
أعاد للمرأة التركية حقها في ارتداء الحجاب.
واجه دعوات المغرضين لجعل الأذان باللغة الكردية.
أعاد تركيا إلى مسارها الأول في متانة العلاقات مع العالم الإسلامي.
لا يدع مناسبة تمرّ إلا وخاطب جمهوره مؤكداً في أغلب الأحيان على الهوية الإسلامية.
هو أردوغان الذي تراه في صورة يقف بخشوع أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
وتراه في أخرى يرفع يديه بالدعاء على الإفطار وهو يتناوله في رمضان مع اللاجئين السوريين.
هو الذي تسمع صوته يؤذن في أحد المساجد.
هو الذي يتلو القرآن بصوته الندي وهو يؤدي واجب العزاء في بيت أحد الأصدقاء.
ولكن هل أخطأ أردوغان بهذا الحضور القوي والصريح لهويته الإسلامية؟
وهل إبراز السمت الإسلامي لدى أردوغان هو دروشة لا تليق بحاكم دولة بحجم تركيا؟
وهل يصحّ قول البعض إن أردوغان بذلك التوجّه يضرُّ الفكرة الإسلامية أكثر مما يفيدها؟
*الذي أعتقده، أن أردوغان لا يؤكد على هويته ويفتخر بها، ويستصحبها في كل مناسبة، بدافع الحماسة، أو بناء على رغبة شخصية، وإنما هو مسار يتّخذه للتأكيد على الهوية الإسلامية للشعب التركي باعتباره رأس الدولة، وزعيم الأمة التركية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعكس تلك الملامح في وجدان الشعب التركي، لمَحو الصبغة العلمانية التي اصطبغت بها البلاد منذ عهد أتاتورك، والعودة إلى الجذور الأولى.
*بالمناسبة:
لا أتحدث عن أردوغان باعتباره خليفة للمسلمين، ولا باعتباره مُحقّق حلم المسلمين، ولا أزعمُ خلوّ مساره السياسي من زلات وأخطاء.
إنما أتحدث عن زعيم مسلم لدولة غالبيّة شعبها مسلم.. يحمل الفكرة الإسلامية ويحاول المُوازنة بين الواقع والمأمول.. وقد قُلتها من قبلُ عدّة مرات وأُكررها على أعين من يدّعون أني أُطبّل لأردوغان:
(كفّاي مُتحفّزان للتصفيق لمن سينتصر لفكرتي الإسلامية كُليّا أو جزئيا)
كلما وجدتُّ صاحب فكرة إسلامية يبحث عن أسباب تكريسها سأهتف له وأشير إليه.. ومن تركيا وعن تركيا.. للحديث بقية..
إننا في حالة تلاوة القرآن نتعلم دروس الشهامة..
والإيمان والحماس).
هي قصيدة للشاعر الإسلامي التركي محمد عاكف الملقب بشاعر الأمة التركية، وأحد الشخصيات المهمة التي أثَّرت في تشكيل الشخصية الإسلامية لأردوغان.
ذلك الزعيم رجب طيب أردوغان صاحب السمت الإسلامي الظاهر، والذي أسماه الأتاتوركيون العلمانيون بـ"الحاج الرئيس"، على قبيل السخرية منه عندما قام وزوجته المحجبة بأداء العمرة.
هذا السمت الإسلامي الذي يعتبره البعض عند أردوغان درْوشة؟
انطلقنا من خلال ذلك التساؤل في الجزء الأول، لنتتبع باختصار مسيرة أردوغان ونشأته الإسلامية، لنحكم بعدها على تلك الجزئية، أهي دروشة ومظاهر للتفاعل النفسي مع تعاليم الدين لدى أردوغان يمارسها منفصلا عن الواقع، أم أن الرجل يعرف ما يفعل بالفعل.
فأنعش ذاكرتك بالعودة إلى الجزء الأول، فعلى أساسه بنينا ما نسطره اليوم.
انتهى بنا المقام في الجزء الأول، عند تاريخ 12 من ديسمبر عام 1997م، حيث ألقى عمدة إسطنبول رجب طيب أردوغان خطابا في ولاية سرت تضمن أبياتا للشاعر التركي "ضياء غوك ألب"، يقول فيها:
مساجدنا ثكناتنا
قبابنا خوذاتنا
مآذننا حرابنا
والمؤمنون جنودنا
هذا هو الجيش المقدس
الذي يحرس ديننا
*كانت هذه الأبيات بمثابة انفجار هز الأوساط العلمانية في تركيا، وتمّ اعتقال أردوغان بتهمة تهديد أمن البلاد وزرع الفرقة واستنهاض مشاعر العداوة وأوقعوه قسرا تحت طائلة المادة 312 من قانون العقوبات التركي.
ويحكي الكاتب أحمد بهجت مشاهداته في إسطنبول، حيث حضر تلك الواقعة، وكتبها بعموده اليومي في صحيفة الأهرام المصرية بتاريخ 29 سبتمبر 1998م، فيقول:
"مضينا نضرب في طرقات المدينة، ثم أحسسنا حين أقبلت الظهيرة أن هناك شيئا غير عادي قد وقع، لقد بدأ المرور يتحوّل إلى البطء، وضاعت سيولة الحركة في شوارع المدينة.
وبدأنا نتتبع الخبر، كان الخبر من أعجب ما سمعنا في حياتنا الصحفية على كثرة ما شاهدنا وسمعنا من عجائب. قيل لنا إن حركة المرور أبطأت وأصابها ما يشبه الشلل بسبب مظاهرة هائلة تتكون من مائة ألف مواطن تركي اجتمعوا في الساحات والميادين والشوارع ابتداء من مسجد (الفاتح) إلى مسجد (بايازيد) وسط إسطنبول.
سألنا: لماذا احتشدت المظاهرة؟
قالوا: احتشدت المظاهرة احتجاجا على قرار المحكمة الدستورية العليا بتأكيد حبس عمدة إسطنبول ورئيس بلدياتها "رجب طيب أردوغان".
سألنا: ما هي الجريمة التي كانت سببا في الحكم عليه بالحبس؟ قالوا: هي جريمة خطيرة خطيرة، لقد قرأ منذ ثمانية أشهر وهو يخطب في الجماهير بيتا من الشعر كتبه شاعر كانت له اتجاهات إسلامية".
*لقد كانت الطفرة التي أحدثها أردوغان في بلدية إسطنبول، هي الرصيد الواقعي لتجربته، والتي أسهمت في فوز حزبه الصاعد "العدالة والتنمية"، والذي تجنب في توجهه استفزاز العلمانيين على النحو الصريح الذي تميز به أربكان، نظرا لضغط الواقع العلماني وسطوة المؤسسة العسكرية العلمانية.
*وكانت العبارة الشهيرة التي أطلقها أردوغان "لم أتغير ولكني تطورت" تشير إلى تمسّكه بالفكرة الإسلامية واستصحاب الهوية، دون الدخول في صدامات مع الأتاتوركيين المتنفذين.
فمن ذلك أنه أرسل ابنته لتلقّي تعليمها في أمريكا حتى لا تنزع حجابها، وذلك تفاديا للصدام مع العلمانيين.
وخلال فترة تولّي حزبه شؤون البلاد، تعاطى أردوغان مع الواقع التركي المُعقّد، واستطاع تدجين النسور في المؤسسة العسكرية، وهدم الصنم التركي وفق رؤية تدريجية متوازنة، مراعيا موازين القوى في بلاده.
*لقد سار أردوغان في اتجاهين بهذا التوازن، أولهما التنمية والنهضة الاقتصادية وتطهير المؤسسات، والبحث عن دور محوري لتركيا في المنطقة، وثانيهما العمل على استبدال الأفكار والمظاهر الأتاتوركية بالإسلامية.
وتمكن الرجل من استغلال المناخ الديمقراطي الذي ساد في عهد العدالة والتنمية، في نصرة الشعائر الإسلامية، وأحرج العلمانيين بفكرة الحريات الشخصية التي تكفلها الديمقراطية، من أبرزها حق كل تركية في ارتداء الحجاب في الجامعات والبرلمان والمؤسسات الحكومية بما أنه حرية شخصية.
*ومن جانب آخر، أعاد أردوغان روح التراث العثماني المُحمَّل على الفكرة الإسلامية، باعتبار الإمبراطورية العثمانية آخر عهود الخلافة.
أردوغان أحيا اللغة التركية القديمة التي أهال عليها أتاتورك التراب ليقطع الصلة بين الأتراك وتراثهم العثماني الإسلامي.
أعاد للمرأة التركية حقها في ارتداء الحجاب.
واجه دعوات المغرضين لجعل الأذان باللغة الكردية.
أعاد تركيا إلى مسارها الأول في متانة العلاقات مع العالم الإسلامي.
لا يدع مناسبة تمرّ إلا وخاطب جمهوره مؤكداً في أغلب الأحيان على الهوية الإسلامية.
هو أردوغان الذي تراه في صورة يقف بخشوع أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
وتراه في أخرى يرفع يديه بالدعاء على الإفطار وهو يتناوله في رمضان مع اللاجئين السوريين.
هو الذي تسمع صوته يؤذن في أحد المساجد.
هو الذي يتلو القرآن بصوته الندي وهو يؤدي واجب العزاء في بيت أحد الأصدقاء.
ولكن هل أخطأ أردوغان بهذا الحضور القوي والصريح لهويته الإسلامية؟
وهل إبراز السمت الإسلامي لدى أردوغان هو دروشة لا تليق بحاكم دولة بحجم تركيا؟
وهل يصحّ قول البعض إن أردوغان بذلك التوجّه يضرُّ الفكرة الإسلامية أكثر مما يفيدها؟
*الذي أعتقده، أن أردوغان لا يؤكد على هويته ويفتخر بها، ويستصحبها في كل مناسبة، بدافع الحماسة، أو بناء على رغبة شخصية، وإنما هو مسار يتّخذه للتأكيد على الهوية الإسلامية للشعب التركي باعتباره رأس الدولة، وزعيم الأمة التركية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعكس تلك الملامح في وجدان الشعب التركي، لمَحو الصبغة العلمانية التي اصطبغت بها البلاد منذ عهد أتاتورك، والعودة إلى الجذور الأولى.
*بالمناسبة:
لا أتحدث عن أردوغان باعتباره خليفة للمسلمين، ولا باعتباره مُحقّق حلم المسلمين، ولا أزعمُ خلوّ مساره السياسي من زلات وأخطاء.
إنما أتحدث عن زعيم مسلم لدولة غالبيّة شعبها مسلم.. يحمل الفكرة الإسلامية ويحاول المُوازنة بين الواقع والمأمول.. وقد قُلتها من قبلُ عدّة مرات وأُكررها على أعين من يدّعون أني أُطبّل لأردوغان:
(كفّاي مُتحفّزان للتصفيق لمن سينتصر لفكرتي الإسلامية كُليّا أو جزئيا)
كلما وجدتُّ صاحب فكرة إسلامية يبحث عن أسباب تكريسها سأهتف له وأشير إليه.. ومن تركيا وعن تركيا.. للحديث بقية..
نيسان ـ نشر في 2015/07/06 الساعة 00:00