لماذا لا للتطبيع مع العدو الصهيوني
نيسان ـ نشر في 2018/10/27 الساعة 00:00
لنفترض، جدلاً، أن (أبو عمّار) والقيادة الفلسطينية عندما جنحت لخيار السلم مع العدو الصهيوني، كانت تبحث عن فرصةٍ (ما) للحصول على شيء، أي شيء، من فلسطين التاريخية. كانت تريد موطئ قدم، كانت تلعب في المساحة الممكنة، تقوم بأي فعل بدل الموات.
لنفترض أنها كانت تمنح نفسها وشعبها أنفاس أمل. تطرق الباب الأخير الذي ظل موارباً أمام مشروعية وجود منظمة التحرير الفلسطينية: تحرير فلسطين كما يظهر من اسمها.
فإذا بها مسكونة بالفرضيات هذه جميعها، أو بعضها، تدخل في مشاريع التسوية، وتنخرط منذ مطالع تسعينيات القرن الماضي، في عملية سياسية، نتج عنها: أوسلو ثم تبعها وادي عربة، وربما كان جرّار الحبل سيصل إلى تسوية مع سوريا ومن بعدها لبنان.
من باب الأمانة العلمية والنزاهة الموضوعية، فلا بد من الإقرار أن حجم الضغوطات التي مورست على القيادة الفلسطينية، لتصل باب نضال مُسَلَّحٍ مسدود، تهيئة لباب مفاوضات مُشَلَّحٍ مفتوح على مصراعيه بداية، هي من نوع الضغوطات المرعبة المركبة المستحيل مواصلة مواجهتها.
انطلقت المفاوضات، فإذا بالاتفاقيات الشفوية مجرد خدع لا نهائية، والوضع النهائي عنوان ليس له قرار. وإذا بما يقال في أروقة الفنادق غير ما يحبّر ويُطْلَب التوقيع عليه في قاعات الاجتماعات. كانت منظمة التحرير تحتاج ربما وقتها إلى أدوات ضغط، من مثل أنها تفاوض لكن دولاً عربية بعينها تتوعد (إسرائيل)، قوىً تصر على الكفاح المسلّح فتمنحها دفقاً تفاوضياً ودماء استراتيجية.
ضاعت أهداف القبول بحلٍّ سلميٍّ في متاهات الملفات والملحقات وملحقات الملحقات. واستطاعت (إسرائيل) في مستهل ما حصلت عليه من وراء هذه المفاوضات الحصول على اعتراف رسميّ بها من الدول العربية جميعها من المحيط الهادرِ إلى الخليج الثائرِ، كما تمكّنت من استدراج منظمة التحرير إلى الداخل الفلسطيني (غزة أريحا أوّلاً)، وتأسيس سلطة منزوعة دسم المنظمة، تعمل في مسار بدأ يَقْضِمُ يوماً إثر يومٍ فكرة منظمة التحرير الفلسطينية والمبادئ التي تأسست من أجلها.
وخلال تلك المفاوضات العبثية بنت (إسرائيل) عشرات المستوطنات، وزجّت بآلاف المناضلين إلى غياهب السجون والمعتقلات، وصفّت صفوة القيادات، وضيّقت على فلسطينيي الضفة والقطاع تحت أعين سلطتهم المنزوعة السلاح والدسم والمعنى والآفاق.
وظلّت تجرح وتعدّل إلى أن حصلت على قيادة لتلك السلطة تصف النضال بالعبثي لا مفاوضاته التي ظلت على مدى ربع قرن بلا طائل. قيادات لا تخجل أن تقول إن عكا أو حيفا أو يافا ليست فلسطينية.
المهم وصلت تلك المفاوضات إلى باب مسدود، تماماً كما وصل النضال قبل ذلك إلى باب مسدود، أو كما أوهم الواهمون الناس والفدائيين البسطاء بذلك: لا جدوى من المقاومة والنضال، العالم كلّه مع عدونا ونحن بمواجهته إنما نحارب طواحين الهواء.
فإلى أي قاع انقادت قيادات الثورة وقادت شعبها؟ سؤال وجوديّ صار يطلب الإجابة.
وسط هذه الدوامة التي تحولت إلى رواتب موظفين تابعين لهذه السلطة، ومناطق محاصرة مقطعة الأوصال تابعة لتلك السلطة، وصراعات بين أمراء هذه السلطة على الكرسيّ المنزوع الدسم، بات قرع الجرس مطلباً وجودياً جوهريّ الدلالة مفصليّ التداعيات. قرع جرس انتهاء حصة المفاوضات والعودة إلى جلال المعركة الكبرى بين أن نكون أو لا نكون. العودة إلى مقولة: "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".
هذا القرار الصعب يحتاج حتماً إلى ظهر، إلى سند، إلى عمق استراتيجيّ، وهو ما لا يمكن تحققه في حال أظهرت الأنظمة العربية تهافتاً في تسابقها للتطبيع مع هذه (الإسرائيل).
وبدل أن تقول للعدو الصهيوني (اتفاهم مع الشعب الفلسطيني أحسنلك وحقق له مطالبه ولبّ تطلعاته وهي على وجه العموم قليلة: دولة على أقل من 20 بالمائة من فلسطين التاريخية) فنحن لا تفاهم معنا وما بيننا وبينك سوى السيف وصليل المعارك، فإذا بها كما لو أنها تقول له: هذا الشعب لا ديّة له عندنا؛ دمه مهدور، وحقّه قبض هواء، نحن لسنا معه ولا نفكر فيه ولا نقيم لقياداته وأبنائه وزناً! أينك أنت من زمان؟ من (كم ليلة ومن كم يوم وإحنا بنستنّا هاليوم)!!
تطبيع قضى على البقية الباقية من أحلامنا وبصيص النور الذي قد يكون تراءى لبعضنا عند نهاية النفق.
لو تحققت الدولة الفلسطينية المشتهاة، لكان، ربما، التطبيع مع العدو الصهيوني مفهوماً ويحمل بعض المنطقية والقبول.
لكن هذه الدولة بعيدة.. بعيدة.. دونها، على ما يبدو، تضحيات جسام، ونهوض أمة سادرةٍ في غيبوبةٍ طويلةِ الأسى. دونها الدم وبذل الغالي والنفيس. ليس من قِبَلِ الشعب الفلسطيني فقط، بل من قِبَلِ الأمّتين العربية والإسلامية، فهذه فلسطين، وفيها القدس والبحر وذكريات المراكب.
والحال كذلك، فإن أي تطبيع الآن، وفي ظل كل هذه الظروف، مع العدو اللئيم الكذاب الوجوديّ، لا يحقق إلا مزيداً من الضياع، ويؤجل الحلم خطوة لا بل مليون خطوة.
التطبيع الآن خيانة لدم الشهداء، ولتضحيات الأسرى، وطعن للمكلومين والجرحى ولشعبنا المضطهد المتروك وحده لمواجهة العالم أجمع.
(أبو عمّار) عندما تقدم بكوفيته التاريخية الرمزية لمصافحة أعداء الأمة والحق، كان يحاول القبض على بعض الحلم بما تبقى بين يديه من وسائل وأسلحة وأوراق وأدوات.
أمّا غير (أبو عمّار)، فإن سعار تسابقه لهكذا مصافحة، هو بكل بساطة وتجرد، وبكل وضوح، قَتْلٌ لأي وَمْضَةٍ داخل دهاليز هذا الحلم.
لنفترض أنها كانت تمنح نفسها وشعبها أنفاس أمل. تطرق الباب الأخير الذي ظل موارباً أمام مشروعية وجود منظمة التحرير الفلسطينية: تحرير فلسطين كما يظهر من اسمها.
فإذا بها مسكونة بالفرضيات هذه جميعها، أو بعضها، تدخل في مشاريع التسوية، وتنخرط منذ مطالع تسعينيات القرن الماضي، في عملية سياسية، نتج عنها: أوسلو ثم تبعها وادي عربة، وربما كان جرّار الحبل سيصل إلى تسوية مع سوريا ومن بعدها لبنان.
من باب الأمانة العلمية والنزاهة الموضوعية، فلا بد من الإقرار أن حجم الضغوطات التي مورست على القيادة الفلسطينية، لتصل باب نضال مُسَلَّحٍ مسدود، تهيئة لباب مفاوضات مُشَلَّحٍ مفتوح على مصراعيه بداية، هي من نوع الضغوطات المرعبة المركبة المستحيل مواصلة مواجهتها.
انطلقت المفاوضات، فإذا بالاتفاقيات الشفوية مجرد خدع لا نهائية، والوضع النهائي عنوان ليس له قرار. وإذا بما يقال في أروقة الفنادق غير ما يحبّر ويُطْلَب التوقيع عليه في قاعات الاجتماعات. كانت منظمة التحرير تحتاج ربما وقتها إلى أدوات ضغط، من مثل أنها تفاوض لكن دولاً عربية بعينها تتوعد (إسرائيل)، قوىً تصر على الكفاح المسلّح فتمنحها دفقاً تفاوضياً ودماء استراتيجية.
ضاعت أهداف القبول بحلٍّ سلميٍّ في متاهات الملفات والملحقات وملحقات الملحقات. واستطاعت (إسرائيل) في مستهل ما حصلت عليه من وراء هذه المفاوضات الحصول على اعتراف رسميّ بها من الدول العربية جميعها من المحيط الهادرِ إلى الخليج الثائرِ، كما تمكّنت من استدراج منظمة التحرير إلى الداخل الفلسطيني (غزة أريحا أوّلاً)، وتأسيس سلطة منزوعة دسم المنظمة، تعمل في مسار بدأ يَقْضِمُ يوماً إثر يومٍ فكرة منظمة التحرير الفلسطينية والمبادئ التي تأسست من أجلها.
وخلال تلك المفاوضات العبثية بنت (إسرائيل) عشرات المستوطنات، وزجّت بآلاف المناضلين إلى غياهب السجون والمعتقلات، وصفّت صفوة القيادات، وضيّقت على فلسطينيي الضفة والقطاع تحت أعين سلطتهم المنزوعة السلاح والدسم والمعنى والآفاق.
وظلّت تجرح وتعدّل إلى أن حصلت على قيادة لتلك السلطة تصف النضال بالعبثي لا مفاوضاته التي ظلت على مدى ربع قرن بلا طائل. قيادات لا تخجل أن تقول إن عكا أو حيفا أو يافا ليست فلسطينية.
المهم وصلت تلك المفاوضات إلى باب مسدود، تماماً كما وصل النضال قبل ذلك إلى باب مسدود، أو كما أوهم الواهمون الناس والفدائيين البسطاء بذلك: لا جدوى من المقاومة والنضال، العالم كلّه مع عدونا ونحن بمواجهته إنما نحارب طواحين الهواء.
فإلى أي قاع انقادت قيادات الثورة وقادت شعبها؟ سؤال وجوديّ صار يطلب الإجابة.
وسط هذه الدوامة التي تحولت إلى رواتب موظفين تابعين لهذه السلطة، ومناطق محاصرة مقطعة الأوصال تابعة لتلك السلطة، وصراعات بين أمراء هذه السلطة على الكرسيّ المنزوع الدسم، بات قرع الجرس مطلباً وجودياً جوهريّ الدلالة مفصليّ التداعيات. قرع جرس انتهاء حصة المفاوضات والعودة إلى جلال المعركة الكبرى بين أن نكون أو لا نكون. العودة إلى مقولة: "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".
هذا القرار الصعب يحتاج حتماً إلى ظهر، إلى سند، إلى عمق استراتيجيّ، وهو ما لا يمكن تحققه في حال أظهرت الأنظمة العربية تهافتاً في تسابقها للتطبيع مع هذه (الإسرائيل).
وبدل أن تقول للعدو الصهيوني (اتفاهم مع الشعب الفلسطيني أحسنلك وحقق له مطالبه ولبّ تطلعاته وهي على وجه العموم قليلة: دولة على أقل من 20 بالمائة من فلسطين التاريخية) فنحن لا تفاهم معنا وما بيننا وبينك سوى السيف وصليل المعارك، فإذا بها كما لو أنها تقول له: هذا الشعب لا ديّة له عندنا؛ دمه مهدور، وحقّه قبض هواء، نحن لسنا معه ولا نفكر فيه ولا نقيم لقياداته وأبنائه وزناً! أينك أنت من زمان؟ من (كم ليلة ومن كم يوم وإحنا بنستنّا هاليوم)!!
تطبيع قضى على البقية الباقية من أحلامنا وبصيص النور الذي قد يكون تراءى لبعضنا عند نهاية النفق.
لو تحققت الدولة الفلسطينية المشتهاة، لكان، ربما، التطبيع مع العدو الصهيوني مفهوماً ويحمل بعض المنطقية والقبول.
لكن هذه الدولة بعيدة.. بعيدة.. دونها، على ما يبدو، تضحيات جسام، ونهوض أمة سادرةٍ في غيبوبةٍ طويلةِ الأسى. دونها الدم وبذل الغالي والنفيس. ليس من قِبَلِ الشعب الفلسطيني فقط، بل من قِبَلِ الأمّتين العربية والإسلامية، فهذه فلسطين، وفيها القدس والبحر وذكريات المراكب.
والحال كذلك، فإن أي تطبيع الآن، وفي ظل كل هذه الظروف، مع العدو اللئيم الكذاب الوجوديّ، لا يحقق إلا مزيداً من الضياع، ويؤجل الحلم خطوة لا بل مليون خطوة.
التطبيع الآن خيانة لدم الشهداء، ولتضحيات الأسرى، وطعن للمكلومين والجرحى ولشعبنا المضطهد المتروك وحده لمواجهة العالم أجمع.
(أبو عمّار) عندما تقدم بكوفيته التاريخية الرمزية لمصافحة أعداء الأمة والحق، كان يحاول القبض على بعض الحلم بما تبقى بين يديه من وسائل وأسلحة وأوراق وأدوات.
أمّا غير (أبو عمّار)، فإن سعار تسابقه لهكذا مصافحة، هو بكل بساطة وتجرد، وبكل وضوح، قَتْلٌ لأي وَمْضَةٍ داخل دهاليز هذا الحلم.
نيسان ـ نشر في 2018/10/27 الساعة 00:00