ثنائية الاستبداد والإرهاب في مصر
نيسان ـ نشر في 2015/07/10 الساعة 00:00
التطرف والاستبداد وجهان لعملة واحدة، ويغذي كل منهما الآخر. وقد عرفت مصر هذه الثنائية منذ ثلاثة عقود. فقد نجح حسني مبارك، على الرغم من انعدام خبرته وضعف قدراته السياسية، في استغلال التطرف وإلإرهاب، من أجل بسط هيمنته وسيطرته على الحياة السياسية، وتثبيت أركان حكمه السلطوي، في حين دفع المجتمع، ولا يزال، ثمناً باهظاً لهذه المعادلة البائسة، بحيث رضي كثيرون بمناصرة الاستبداد، من أجل وقف الإرهاب. وقبلت النخبة المصرية بأن تضحي بالديمقراطية، من أجل ضمان الاستقرار. وذلك إلى أن قامت ثورة 25 يناير التي ظننا أنها كسرت هذه المعادلة، وفتحت الآفاق أمام معالجة حقيقية لمسألتي التطرف والاستبداد. ولكن، بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013، عادت المعادلة إلى الواجهة، وهذه المرة بشكل أكثر قبحاً وفجاجة. فالسلطة الحالية ارتكبت من الجرائم والمجازر ما يكفي لدفع عشرات الشباب إلى التطرف. وهي تدرك، جيداً، أن استثمارها الوحيد من أجل البقاء هو في صناعة الإرهاب وتغذيته، وهو ما قاله الجنرال عبد الفتاح السيسي، صراحة، حين طلب ذلك التفويض المشؤوم في 26 يوليو/تموز 2013.
وعلى عكس ما يعتقد بعضهم، فإن مدافعين كثيرين عن النظام الحالي، والسائرين في ركابه، يبتهجون ويفرحون كلما انتشر الإرهاب والتطرف، ويرقصون طرباً كلما وقعت حادثة إرهابية هنا أو هناك. فبالنسبة إليهم، الإرهاب بمثابة "إكسير الحياة" الذي يضخ الدماء في شرايين نظامهم السلطوي. أعرف كثيرين من هؤلاء، خصوصاً المحسوبين على الوسط الصحافي والإعلامي الذين استفادوا مادياً ومهنياً واجتماعيا من انقلاب يوليو، ينتظرون بفارغ الصبر أن تقع عملية إرهابية، كي يرفعوا أصواتهم منددين بكل من يطالب بالحرية واحترام حقوق الإنسان. وقد رأينا بعضاً من هؤلاء وهو يدافع بشراسة عن قانون الإرهاب سيئ السمعة، والمزمع إقراره، على الرغم من مواده الكارثية على حرية التعبير وحق الحصول على المعلومات. رأيت بعضهم وهو يطير فرحاً بالجريمة الإرهابية في تونس قبل أسبوعين، وقد بدا شامتاً في التجربة الديمقراطية الوليدة في تونس، ولسان حاله يقول: فلتذهب الديمقراطية إلى الجحيم. وكأن قدر مصر أن تختار بين هذين البديلين السيئين.
صحيح أن في الدول الديمقراطية إرهاباً ومتطرفين، لكنها لا تستغل ذلك من أجل قمع مواطنيها، وانتهاك حقوقهم الأساسية، مثلما يحدث في مصر. كما أن تجربة الثلاثين عاماً الماضية كشفت أن الاستقرار الذي يأتي من خلال القبضة الأمنية وعنف الدولة زائف، لا يلبث أن ينهار مع أول انتفاضة شعبية، مثلما حدث مع نظام مبارك الذي انهار في أقل من ثلاثة أسابيع.
من جهة أخرى، من يدافعون عن التطرف، ويبررون جرائمه، هم أيضا واهمون بأن ذلك سوف ينهي القمع والظلم. فعلى العكس، ليس هناك شيء أفضل للأنظمة السلطوية، كي تستمر في قمعها وظلمها، من العنف والإرهاب. هؤلاء لا يقلون في غبائهم وإجرامهم عن السلطة التي تقمعهم. بعضهم تدفعه مشاعر الغضب والرغبة في الانتقام من السلطة، من أجل تبرير العمليات الإرهابية واستهداف الأبرياء. وبعض منظّريهم وإعلامييهم غارقون حتى آذانهم في تبرير الإرهاب، وتوفير غطاء له، لا لشيء إلا لإثبات فشل السلطة، وفق منطق المكايدة السياسية. لا يدرك هؤلاء أن دفاعهم أو تبريرهم وتغطيتهم للإرهاب يُسقط عنهم أي غطاء أخلاقي، وينهي أي تعاطف محتمل مع قضيتهم، وإن كانت عادلة.
لا يوجد مستقبل لبلادنا ما دامت ثنائية الاستبداد والإرهاب قائمة، ولا خروج لمصر من هذه المعادلة سوى بالتمسك بالمبادئ والقيم الديمقراطية الحقيقية، بعيداً عن تشجنات الطرفين. ويتوجب على من لديه قدر من الحكمة والوعي ألا يتورط في الدفاع عن أي طرف، في هذه المعادلة البغيضة. المصدر: العربي الجديد
وعلى عكس ما يعتقد بعضهم، فإن مدافعين كثيرين عن النظام الحالي، والسائرين في ركابه، يبتهجون ويفرحون كلما انتشر الإرهاب والتطرف، ويرقصون طرباً كلما وقعت حادثة إرهابية هنا أو هناك. فبالنسبة إليهم، الإرهاب بمثابة "إكسير الحياة" الذي يضخ الدماء في شرايين نظامهم السلطوي. أعرف كثيرين من هؤلاء، خصوصاً المحسوبين على الوسط الصحافي والإعلامي الذين استفادوا مادياً ومهنياً واجتماعيا من انقلاب يوليو، ينتظرون بفارغ الصبر أن تقع عملية إرهابية، كي يرفعوا أصواتهم منددين بكل من يطالب بالحرية واحترام حقوق الإنسان. وقد رأينا بعضاً من هؤلاء وهو يدافع بشراسة عن قانون الإرهاب سيئ السمعة، والمزمع إقراره، على الرغم من مواده الكارثية على حرية التعبير وحق الحصول على المعلومات. رأيت بعضهم وهو يطير فرحاً بالجريمة الإرهابية في تونس قبل أسبوعين، وقد بدا شامتاً في التجربة الديمقراطية الوليدة في تونس، ولسان حاله يقول: فلتذهب الديمقراطية إلى الجحيم. وكأن قدر مصر أن تختار بين هذين البديلين السيئين.
صحيح أن في الدول الديمقراطية إرهاباً ومتطرفين، لكنها لا تستغل ذلك من أجل قمع مواطنيها، وانتهاك حقوقهم الأساسية، مثلما يحدث في مصر. كما أن تجربة الثلاثين عاماً الماضية كشفت أن الاستقرار الذي يأتي من خلال القبضة الأمنية وعنف الدولة زائف، لا يلبث أن ينهار مع أول انتفاضة شعبية، مثلما حدث مع نظام مبارك الذي انهار في أقل من ثلاثة أسابيع.
من جهة أخرى، من يدافعون عن التطرف، ويبررون جرائمه، هم أيضا واهمون بأن ذلك سوف ينهي القمع والظلم. فعلى العكس، ليس هناك شيء أفضل للأنظمة السلطوية، كي تستمر في قمعها وظلمها، من العنف والإرهاب. هؤلاء لا يقلون في غبائهم وإجرامهم عن السلطة التي تقمعهم. بعضهم تدفعه مشاعر الغضب والرغبة في الانتقام من السلطة، من أجل تبرير العمليات الإرهابية واستهداف الأبرياء. وبعض منظّريهم وإعلامييهم غارقون حتى آذانهم في تبرير الإرهاب، وتوفير غطاء له، لا لشيء إلا لإثبات فشل السلطة، وفق منطق المكايدة السياسية. لا يدرك هؤلاء أن دفاعهم أو تبريرهم وتغطيتهم للإرهاب يُسقط عنهم أي غطاء أخلاقي، وينهي أي تعاطف محتمل مع قضيتهم، وإن كانت عادلة.
لا يوجد مستقبل لبلادنا ما دامت ثنائية الاستبداد والإرهاب قائمة، ولا خروج لمصر من هذه المعادلة سوى بالتمسك بالمبادئ والقيم الديمقراطية الحقيقية، بعيداً عن تشجنات الطرفين. ويتوجب على من لديه قدر من الحكمة والوعي ألا يتورط في الدفاع عن أي طرف، في هذه المعادلة البغيضة. المصدر: العربي الجديد
نيسان ـ نشر في 2015/07/10 الساعة 00:00