فرح بنكهة الإزعاج
نيسان ـ نشر في 2018/12/15 الساعة 00:00
تعد الأسرة الركن الأساسي واللبنة الأولى في بناء المجتمع وإعداد أفراده ليكونوا بناة الغد وقادة المستقبل متسلحين بالمعرفة والخلق والعلم إلى جانب دور مؤسسات التعليم بشقيه المدرسي والجامعي، وعادة ما تحرص الأسرة على توفير أعلى متطلبات الحياة والتعليم لافرادها وإن تطلب الأمر اللجوء إلى الاقتراض وتنويع مصادر فتجد الوالديّن منغمسين في تدليل أبنائهم مهما كلف الأمر وصولاً بهم إلى مدارس متقدمة علميا ً وتخصصات جامعية محصورة في الطب أو الهندسة واضطراراً طب الأسنان والصيدلة على أمل الوصول بهم إلى حياة كريمة وهذا جيد في ظاهره لكنه أوصل الأبناء إلى حالة من الاتكالية والضعف والانسلاخ عن المنظومة القيمية للمجتمع فمثل هؤلاء لا يعرفون إلا بطاقة الصراف والأسرة بنظرهم المكان الذي يوفر الطعام والمبيت، ما دفعني إلى الكتابة ما رأيته من منظر للاحتفاء بتخرج طلبة وإغلاق للشوارع واصطحاب فرق الدبكة والسيارات ذات صافرات الإنذار المزعجة ومكبرات الصوت وأهالي يصفقون فرحاً وهذا هو دورهم فقط في الإحتفال إلى جانب التكفل بمصاريف هذا الاحتفاء الذي لا يرتبط بأي منظومة اليوم اجبرتني الأزمة الخانقة أن أشاهد عن قرب كيف يحتفي المهندسون بتخرجهم وكيف يعبّرون عن فرحهم مهما أصدروا من إزعاج واحدثوا من إغلاق للشوارع فالمهم أنهم تخرجوا؟ منظر أشعل في نفسي الحزن على جيل اتسعت الهوة بينه وبين ذويه وأصبح يدير نفسه وفق أهواء نفسه دون أي اكتراث للآخر ودون أي تفكير في المستقبل فالمهم الآن وليس غدا، المهم أن يفرح ولو كان العالم كله حزن واسى، وهنا اتساءل هل للفرح معنى بهذا الضجيج؟ فاليوم لا يمر يوم دون مناسبة زواج أو خطوبة في أكبر صالات الأفراح وافخمها ويتصدر المشهد عدد من أصحاب الدولة والمعالي والسعادة الذين تصدّروا لهذه المناسبات وأصبحوا ركناً اساسياً فيها عند الأغلبية لكنها تفتقر إلى الفرح الحقيقي الذي كنا ننتظره بفارغ الصبر بقرانا وبوادينا نعم فالفرح الحقيقي غادرنا منذ زمن لأن افراحنا أصبحت ستعراضاً للتباهي بحجم العلاقات المبنية على المصالح والنفوذ لا على الود الحقيقي والمحبة الصادقة، ما رأيته اليوم هو جزء من ثقافة مجتمع أصبح مسلوخا عن قيمهِ واعرافه الصحيحة فأصبح شيوع الخطأ علامة لقبوله وتسويقه فالاصلاح يبدأ من الأسرة التي هي عماد المجتمع ولا أظنها كذلك اليوم .
نيسان ـ نشر في 2018/12/15 الساعة 00:00