طاهر المصري.. ديمقراطي يحب العمل تحت الشمس
نيسان ـ نشر في 2019/01/02 الساعة 00:00
بقلم إبراهيم قبيلات- قال له الملك الراحل الحسين بن طلال: “إذا مُحرَج ضع كامل الملف في مسؤوليتي”، لكنه رفض الاختباء خلف ظهر الحسين، في تطبيق لولاية عامة كاملة الدسم على شؤون بلاده الداخلية.
إنه طاهر المصري، النائب والوزير ورئيس مجلس الأعيان الأسبق، ورئيس الوزراء لمرتين، الذي هاتفه الحسين بن طلال قبل زيارته إلى منزله، من أجل السماح لـ 42 ألف غزي من حملة الوثائق المصرية في الكويت، بعد حربها مع العراق، العيش على أرض المملكة الأردنية، فكان رده للملك بأن ظروف الأردن لا تسمح لهم ولا لغيرهم.
تلك أجواء ومناخات سياسية عميقة صاغها الملك بمعية رجال وطنيين آمنوا بالأردن وسيادته، فوضعوا كل صغيرة وكبيرة على الطاولة، بمرحلة مهمة من مراحل بناء الدولة الأردنية.
يقول المصري: “حينما كلفني الملك الحسين بالحكومة ناقشته بموضوع الأحكام العرفية وأهمية إلغائها تماما، وناقشته أيضاً بوجود خمسة أعضاء بحكومة مضر بدران من الاخوان المسلمين، وعدم رغبتي بتوريثهم حقائب وزارية، والوزراء هم؛ عبد الله العكايلة في وزارة التربية، ويوسف العظم في وزارة الشؤون الاجتماعية، وابراهيم زيد في الاوقاف، وعدنان الجلجولي في الصحة، وماجد خليفة في وزارة العدل”.
رد الملك الراحل على كل ذلك بحوار انتهى إلى تمتين السلطة التنفيذية وترسيخ قيمها فهمس باذن المصري قائلاً: توكل على الله وتصرف زي ما بدك”.
ليست تلك المرة اليتيمة التي يتمسك بها المصري بخياراته وقناعاته، أمام الملك الراحل، ففي فترة لاحقة كاشف الملك رئيس وزرائه حول إمكانية تشكيل مجلس إدارة الملكية الأردنية من قادة سلاح الجو السابقين، وهو ما رفضه المصري لأسباب فنية وجيهة، قبلها الملك وأخذ بها.
ويحسب للمصري انحيازه للديمقراطية في بواكيرها، ففي العام 1991، تقدمت حكومته باستقالة سريعة عقب توقيع نواب محافظين وإسلاميين في المجلس النيابي الحادي عشر مذكرة حجب ثقة عن حكومته، احتجاجا على حضور الأردن مؤتمر مدريد للسلام، حيث خير الرجل يومها من لدن الملك الراحل الحسين بحل مجلس النواب وبقاء حكومته، فآثر التضحية بالحكومة لتبقى مؤسسة البرلمان، وهو ما اعتبر طوق نجاة وضعه المصري في عنق ديمقراطية لا تكف أياد بيروقراطية كثيرة عن هزها.
يقول المثل العربي “العلم بالصغر كالنقش في الحجر”، هذا تماما ما حدث للمصري الذي شهد في طفولته النابلسية سلسلة من الأحداث الجسام؛ شكّلت وصاغت له فيما بعد هوية عربية، طفولة بدأت بحرب النكبة العام 1948، وما تلاها من وحدة الضفتين، إلى جانب أحداث عربية كبيرة، مثل؛ ثورة الضباط الأحرار في مصر العام 1952، وكذلك ثورة 1958 في العراق، وحرب 67.
كل ذلك ترك بصمة وأثرا في نفس مؤمنة بالوحدة العربية، كقوة وكعامل بناء نهضوي، وبمواجهة نشوء إسرائيل في فلسطين، وظل مؤمناً باعتبارها بوصلة عربية لا يحيد عنها ولا يستبدلها.
يقول المصري لـ “الغد”: “نشأت في بيت أرستقراطي وكنت مرتاحا في عيشتي، وكان الفقر قليلا والغناء الفاحش كذلك”.
حياة بلا فروقات كثيرة بين أبناء المجتمع وطبقاته، حسبما عاشها المصري الذي أنهى دراسته بنجاح في كلية النجاح الوطني بنابلس، قبل أن يلتحق بالجامعة الأمريكية العام 1959، لعام دراسي، ثم ارتحل إلى أميركا لدراسة إدارة الأعمال في جامعة تكساس.
انطلق فكر المصري السياسي من قاعات الجامعة الأميركية في بيروت، حيث الفكر القومي والعروبي في ذروته، كما أن الفتى توسع في الثقافات العالمية في سنته الدراسية الأولى.
بالنسبة لأبي نشأت فإن عائلة المصري تكفلت مبكراً بنسج خيوط مع السلطة والحكم، إذ كان الملك عبد الله الأول ينزل في بيت عمه رئيس بلدية نابلس، الحاج معزوز المصري حينما يزور نابلس، فأدرك الفتى أن أمامه الكثير ليقوله ويصنعه.
عين المصري العام 1965 في البنك المركزي، فقرر محافظ البنك حينئذ، خليل السالم ابتعاثه إلى جانب آخرين لدراسة الدكتوراة في إحدى الجامعات الأمريكية، لكنه فضل الحياة العملية على العلمية.
بعد سنوات من دخوله صندوق الأردنيين المالي، وتحديدا العام 1973، كان المصري على موعد مع دخول قبة البرلمان، فكان عضوا لنحو ثلاثة أسابيع فقط، ثم انتقل للسلطة التنفيذية وزيرا بحكومة زيد الرفاعي.
دخل المصري البرلمان للمرة الأولى العام 1973، فانسجم مع الحالة البرلمانية، لكنه آمن بالسلطة التشريعية، كرافعة وطنية عقب انتخابات 89 التي خاضها ممثلا عن الدائرة الثالثة في عمان، إلى جانب ليث الشبيلات وفارس النابلسي، فغرف من معين الديمقراطية حتى ارتوى.
في ربيعه الحادي والثلاثين كان يقف وبيده اليمنى حقيبة وزارية، وفي اليسرى سلطة تشريعية “معطلة”؛ الأمر الذي صعّب مهمته في تحقيق النجاح، لا سيما انه ظل يحدّث نفسه بخطورة أن يصبح متقاعداً، وهو لا يزال فتياً لم يدخل عامه الثاني والثلاثين بعد.
كان التحدي أمامه، بتدعيم قناعاته ومبادئه باعتبارها سكة نجاح محفوفة بالمخاطر، كان عليه أن يوائم بين مطبخين مختلفين من دون أن يبتلع أحدهم الآخر؛ مطبخ سياسي وآخر اقتصادي.
المشي على الحواف الخطرة لا يريح أبا نشأت؛ فاستعان بعلمه وبإرث عائلة، ارث أقرب لخليط من سياسة واقتصاد، سبكه والده نشأت المصري على نار هادئة، بوصفه مطبخاً سياسياً يرفد محيطه بخيارات الانتخابات وقراراتها، فكان ضابط إيقاعها بلا ضجيج.
هي معادلة كيمائية، تحوّلت تالياً قيماً سياسية، دفعت المصري إلى تقديم استقالته من حكومة زيد الرفاعي في كانون الأول (ديسمبر) العام 1988؛ احتجاجاً على فك الارتباط بين الضفتين؛ ليعود بعد أشهر قليلة نائبا للرئيس في حكومة زيد بن شاكر؛ ثم شكل حكومته الأولى في 19 حزيران (يونيو) العام 1991، من دون أن يتدخل أحد في معادلة الأسماء وتوزيعها الجغرافي، حسبما يقول.
“لم يتدخل الملك في تشكيل الحكومة، لكنه راجعني في اسم واحد في التشكيلة، وهو عبد الله النسور” حسبما يقول المصري، الذي يستعيد رده على الملك بقوله: “اخترته لمجموعة من الصفات تصلح لوزير الخارجية”، فرد الملك: على مسؤوليتك.
اليوم، يرى المصري أن المرجعيات الدستورية والمؤسسات ضعفت، وتحجّم دور الحكومات في قيادة الدولة، وأصبح لأشخاص وجهات من خارج الحكومة سطوة على الشأن الداخلي، وهو ما يدفع لقيادة المرحلة بأدوات مختلفة.
ذلك يعني للمصري أننا يجب ان نقرع الجرس خوفا من السير وبسرعة متفاوتة نحو الهاوية، “ففي موضوع هيبة الدولة ورموزها نسير بسرعة عالية، وفي ملفات أخرى نصل حد “بنشرة العجلات” حسبما يقول المصري المتهم بالشعبوية والفردانية.
يقول المصري: “أترك أعمالي ومواقفي عقب أربعين عاما من العمل تحت وضوح الشمس بكل صدق على تمتين اللحمة بين المواطنين الأردنيين، لترد على تهمهم فأنا أردني أولا ومن أصل فلسطيني، ولا أجد حرجا من حنيني إلى مسقط رأسي”.نقلا عن صحيفة الغد
إنه طاهر المصري، النائب والوزير ورئيس مجلس الأعيان الأسبق، ورئيس الوزراء لمرتين، الذي هاتفه الحسين بن طلال قبل زيارته إلى منزله، من أجل السماح لـ 42 ألف غزي من حملة الوثائق المصرية في الكويت، بعد حربها مع العراق، العيش على أرض المملكة الأردنية، فكان رده للملك بأن ظروف الأردن لا تسمح لهم ولا لغيرهم.
تلك أجواء ومناخات سياسية عميقة صاغها الملك بمعية رجال وطنيين آمنوا بالأردن وسيادته، فوضعوا كل صغيرة وكبيرة على الطاولة، بمرحلة مهمة من مراحل بناء الدولة الأردنية.
يقول المصري: “حينما كلفني الملك الحسين بالحكومة ناقشته بموضوع الأحكام العرفية وأهمية إلغائها تماما، وناقشته أيضاً بوجود خمسة أعضاء بحكومة مضر بدران من الاخوان المسلمين، وعدم رغبتي بتوريثهم حقائب وزارية، والوزراء هم؛ عبد الله العكايلة في وزارة التربية، ويوسف العظم في وزارة الشؤون الاجتماعية، وابراهيم زيد في الاوقاف، وعدنان الجلجولي في الصحة، وماجد خليفة في وزارة العدل”.
رد الملك الراحل على كل ذلك بحوار انتهى إلى تمتين السلطة التنفيذية وترسيخ قيمها فهمس باذن المصري قائلاً: توكل على الله وتصرف زي ما بدك”.
ليست تلك المرة اليتيمة التي يتمسك بها المصري بخياراته وقناعاته، أمام الملك الراحل، ففي فترة لاحقة كاشف الملك رئيس وزرائه حول إمكانية تشكيل مجلس إدارة الملكية الأردنية من قادة سلاح الجو السابقين، وهو ما رفضه المصري لأسباب فنية وجيهة، قبلها الملك وأخذ بها.
ويحسب للمصري انحيازه للديمقراطية في بواكيرها، ففي العام 1991، تقدمت حكومته باستقالة سريعة عقب توقيع نواب محافظين وإسلاميين في المجلس النيابي الحادي عشر مذكرة حجب ثقة عن حكومته، احتجاجا على حضور الأردن مؤتمر مدريد للسلام، حيث خير الرجل يومها من لدن الملك الراحل الحسين بحل مجلس النواب وبقاء حكومته، فآثر التضحية بالحكومة لتبقى مؤسسة البرلمان، وهو ما اعتبر طوق نجاة وضعه المصري في عنق ديمقراطية لا تكف أياد بيروقراطية كثيرة عن هزها.
يقول المثل العربي “العلم بالصغر كالنقش في الحجر”، هذا تماما ما حدث للمصري الذي شهد في طفولته النابلسية سلسلة من الأحداث الجسام؛ شكّلت وصاغت له فيما بعد هوية عربية، طفولة بدأت بحرب النكبة العام 1948، وما تلاها من وحدة الضفتين، إلى جانب أحداث عربية كبيرة، مثل؛ ثورة الضباط الأحرار في مصر العام 1952، وكذلك ثورة 1958 في العراق، وحرب 67.
كل ذلك ترك بصمة وأثرا في نفس مؤمنة بالوحدة العربية، كقوة وكعامل بناء نهضوي، وبمواجهة نشوء إسرائيل في فلسطين، وظل مؤمناً باعتبارها بوصلة عربية لا يحيد عنها ولا يستبدلها.
يقول المصري لـ “الغد”: “نشأت في بيت أرستقراطي وكنت مرتاحا في عيشتي، وكان الفقر قليلا والغناء الفاحش كذلك”.
حياة بلا فروقات كثيرة بين أبناء المجتمع وطبقاته، حسبما عاشها المصري الذي أنهى دراسته بنجاح في كلية النجاح الوطني بنابلس، قبل أن يلتحق بالجامعة الأمريكية العام 1959، لعام دراسي، ثم ارتحل إلى أميركا لدراسة إدارة الأعمال في جامعة تكساس.
انطلق فكر المصري السياسي من قاعات الجامعة الأميركية في بيروت، حيث الفكر القومي والعروبي في ذروته، كما أن الفتى توسع في الثقافات العالمية في سنته الدراسية الأولى.
بالنسبة لأبي نشأت فإن عائلة المصري تكفلت مبكراً بنسج خيوط مع السلطة والحكم، إذ كان الملك عبد الله الأول ينزل في بيت عمه رئيس بلدية نابلس، الحاج معزوز المصري حينما يزور نابلس، فأدرك الفتى أن أمامه الكثير ليقوله ويصنعه.
عين المصري العام 1965 في البنك المركزي، فقرر محافظ البنك حينئذ، خليل السالم ابتعاثه إلى جانب آخرين لدراسة الدكتوراة في إحدى الجامعات الأمريكية، لكنه فضل الحياة العملية على العلمية.
بعد سنوات من دخوله صندوق الأردنيين المالي، وتحديدا العام 1973، كان المصري على موعد مع دخول قبة البرلمان، فكان عضوا لنحو ثلاثة أسابيع فقط، ثم انتقل للسلطة التنفيذية وزيرا بحكومة زيد الرفاعي.
دخل المصري البرلمان للمرة الأولى العام 1973، فانسجم مع الحالة البرلمانية، لكنه آمن بالسلطة التشريعية، كرافعة وطنية عقب انتخابات 89 التي خاضها ممثلا عن الدائرة الثالثة في عمان، إلى جانب ليث الشبيلات وفارس النابلسي، فغرف من معين الديمقراطية حتى ارتوى.
في ربيعه الحادي والثلاثين كان يقف وبيده اليمنى حقيبة وزارية، وفي اليسرى سلطة تشريعية “معطلة”؛ الأمر الذي صعّب مهمته في تحقيق النجاح، لا سيما انه ظل يحدّث نفسه بخطورة أن يصبح متقاعداً، وهو لا يزال فتياً لم يدخل عامه الثاني والثلاثين بعد.
كان التحدي أمامه، بتدعيم قناعاته ومبادئه باعتبارها سكة نجاح محفوفة بالمخاطر، كان عليه أن يوائم بين مطبخين مختلفين من دون أن يبتلع أحدهم الآخر؛ مطبخ سياسي وآخر اقتصادي.
المشي على الحواف الخطرة لا يريح أبا نشأت؛ فاستعان بعلمه وبإرث عائلة، ارث أقرب لخليط من سياسة واقتصاد، سبكه والده نشأت المصري على نار هادئة، بوصفه مطبخاً سياسياً يرفد محيطه بخيارات الانتخابات وقراراتها، فكان ضابط إيقاعها بلا ضجيج.
هي معادلة كيمائية، تحوّلت تالياً قيماً سياسية، دفعت المصري إلى تقديم استقالته من حكومة زيد الرفاعي في كانون الأول (ديسمبر) العام 1988؛ احتجاجاً على فك الارتباط بين الضفتين؛ ليعود بعد أشهر قليلة نائبا للرئيس في حكومة زيد بن شاكر؛ ثم شكل حكومته الأولى في 19 حزيران (يونيو) العام 1991، من دون أن يتدخل أحد في معادلة الأسماء وتوزيعها الجغرافي، حسبما يقول.
“لم يتدخل الملك في تشكيل الحكومة، لكنه راجعني في اسم واحد في التشكيلة، وهو عبد الله النسور” حسبما يقول المصري، الذي يستعيد رده على الملك بقوله: “اخترته لمجموعة من الصفات تصلح لوزير الخارجية”، فرد الملك: على مسؤوليتك.
اليوم، يرى المصري أن المرجعيات الدستورية والمؤسسات ضعفت، وتحجّم دور الحكومات في قيادة الدولة، وأصبح لأشخاص وجهات من خارج الحكومة سطوة على الشأن الداخلي، وهو ما يدفع لقيادة المرحلة بأدوات مختلفة.
ذلك يعني للمصري أننا يجب ان نقرع الجرس خوفا من السير وبسرعة متفاوتة نحو الهاوية، “ففي موضوع هيبة الدولة ورموزها نسير بسرعة عالية، وفي ملفات أخرى نصل حد “بنشرة العجلات” حسبما يقول المصري المتهم بالشعبوية والفردانية.
يقول المصري: “أترك أعمالي ومواقفي عقب أربعين عاما من العمل تحت وضوح الشمس بكل صدق على تمتين اللحمة بين المواطنين الأردنيين، لترد على تهمهم فأنا أردني أولا ومن أصل فلسطيني، ولا أجد حرجا من حنيني إلى مسقط رأسي”.نقلا عن صحيفة الغد
نيسان ـ نشر في 2019/01/02 الساعة 00:00