مرافئ الحزن الجليل
نيسان ـ نشر في 2019/01/14 الساعة 00:00
يأخذ الصَّحْبُ عليّ حزن صفحتي الفيسبوكية في الأسابيع الثلاثة الماضية.
بعضهم اتصل متحدثاً في هذا السياق، بعضهم واجهني معبّراً عن تأزمه من مواضيع الحزن ومتعلقات الأسى، آخرون أداروا ظهرهم تاركينني (أندب) وحدي.
معكم كل الحق أيها الأحبة والأصدقاء و(الأعدقاء). حتى الأعداء عليهم أن لا يروا حزني، ويقعوا على بعض همّي وتكدّري، ويسمعوا في ليل الوجع آهاتي.
لكن من قال إنني أعشق البؤس؟ من قال إن الحزن مكوّنٌ رئيسيٌّ في شخصيتي وإنه بعض صفاتي؟
وفي المقابل؛ من هذا المتفائل الشرس الذي بإمكانه أن يدّعي أننا نعيش أجمل أيامنا؟ وأن الفرح يملأ البيوت والحارات والبلاد والعباد، والتفكير بات جدياً بتصدير الفائض منه؟
لستُ عاشقاً للحزن، ولا المباهج رفيق دروبنا اليومية نحو العلم والعمل وأبواب الرزق التي يُغْلَقُ المتاح منها يوماً إثر آخر.
وعندما أحزن لفقد أمي فإني أحزن لكل فقد: لفقد رضيعٍ حُضْنَ أمّه في ليالي الخيام. وعندما تسقط رغماً عني دمعة الذكرى والوفاء لشقيقتي الراحلة، فإنها دمعة التحسر على كل جمال ذهب إلى غير عودة. وعلى كل بهاء أعلن أنه لن يعود. على سطوة الفساد وقهر العباد. على توقيف رجلٍ وازنٍ برتبة (باشا) لأنه نبض ببعض الحق وتنفّس هواء الحقيقة.
أبكي صرخةَ طفلٍ موجوعٍ بردانٍ مرتعبٍ مرتعدٍ لا أفق خلفه ولا ضوء أمامه.
ألوذ بحزني الشخصي، لأتجنّب، ربما، الخوض في حزن أطفال الخيام. علماً أن الحزن الخاص أهون ألف مرّةٍ من الحزن العام.
أبكي لأنّ الظُّلْمَ ظُلُمات.
أبكي عندما يهيجَ الشوقُ حنيناً لدمشق، ثم ما ألبث أن أتذكّر أن بيني وبينها طاغيةٌ صغير.
أبكي عندما ترعبني فكرة أن كل فرحنا وزهونا بانتصارات (النشامى) المظفّرين، قد لا تعيد إلينا تيسير النجار.
أبكي عندما ينتصر (الشِك) المنتفخ على الأخلاق النحيلة .
أبكي لأن كُلَّ شيءٍ يقول إنَّ البركانَ آتٍ.
أبكي عندما تئنّ الفراشات.. يئنّ المطر.. اليعاسيب الضائعات بين مساحة ممكنة للغناء أو دورة معقولة للتجدد. عندما يئنُّ الورد فوق أغصانه. الجمهور الواقف خلف الجالسين. الشريط الذي ينتظر قطعه بمقص الصورة الباهتة. الوحدة الباذخة دون سماسرة أو أراجيل. جنيّ الليل المتعب من كثرة الآيات حوله والتعاويذ والرُّقى. الطفل في خيمة اللجوء المنسية. حين تئنُّ ندف الثلج إذ تُفجع أنها لم تعد مجرَّد مناسبةٍ موسميةٍ للهْوِ البريء. حين يئنُّ كونترول الباص لأن الشاب لم يقف للفتاة.
أبكي لأن البراري تئنُّ والذَّراري والسبع المثاني.
عندما تتيه البوصلات. حين يصغر الوطن في وجدان رجلٍ حافي، ويصبح عنده بحجم حذاء يستر ركضه خلف السراب.
هذا لا يعني أن المسرّات لا تبهجني، والمكارم لا تأسر وجداني. هذا لا يعني أنني لا أضحك بصخبٍ هادرٍ عندما تتجلى المفارقة على شكل دعابة ذكية. صدقوني أن الكون لا يكاد يسعني سعادة عندما يضحك طفلٌ. عندما تتفتح خدوده عن لوحة خالدة من الابتسام العظيم. عندما ينستر فقير، وتنقضي حاجة كادح، وتدمع الصبية فرحاً بخروج والدها سالماً من الأسر. عندما تنفرج أسارير فتاة حالمة بهدية شقيقها في عيد ميلادها. عندما يلتقي الحبيب بالحبيب. عندما يعود الأب التعبان إلى البيت، ويعود الأولاد، فتشعر الأم بهدأة البال، ويلتم شمل الأسرة الصغيرة حول طبق الصبر والرضا ومساء الكفاف.
تصبحون على وطن.
بعضهم اتصل متحدثاً في هذا السياق، بعضهم واجهني معبّراً عن تأزمه من مواضيع الحزن ومتعلقات الأسى، آخرون أداروا ظهرهم تاركينني (أندب) وحدي.
معكم كل الحق أيها الأحبة والأصدقاء و(الأعدقاء). حتى الأعداء عليهم أن لا يروا حزني، ويقعوا على بعض همّي وتكدّري، ويسمعوا في ليل الوجع آهاتي.
لكن من قال إنني أعشق البؤس؟ من قال إن الحزن مكوّنٌ رئيسيٌّ في شخصيتي وإنه بعض صفاتي؟
وفي المقابل؛ من هذا المتفائل الشرس الذي بإمكانه أن يدّعي أننا نعيش أجمل أيامنا؟ وأن الفرح يملأ البيوت والحارات والبلاد والعباد، والتفكير بات جدياً بتصدير الفائض منه؟
لستُ عاشقاً للحزن، ولا المباهج رفيق دروبنا اليومية نحو العلم والعمل وأبواب الرزق التي يُغْلَقُ المتاح منها يوماً إثر آخر.
وعندما أحزن لفقد أمي فإني أحزن لكل فقد: لفقد رضيعٍ حُضْنَ أمّه في ليالي الخيام. وعندما تسقط رغماً عني دمعة الذكرى والوفاء لشقيقتي الراحلة، فإنها دمعة التحسر على كل جمال ذهب إلى غير عودة. وعلى كل بهاء أعلن أنه لن يعود. على سطوة الفساد وقهر العباد. على توقيف رجلٍ وازنٍ برتبة (باشا) لأنه نبض ببعض الحق وتنفّس هواء الحقيقة.
أبكي صرخةَ طفلٍ موجوعٍ بردانٍ مرتعبٍ مرتعدٍ لا أفق خلفه ولا ضوء أمامه.
ألوذ بحزني الشخصي، لأتجنّب، ربما، الخوض في حزن أطفال الخيام. علماً أن الحزن الخاص أهون ألف مرّةٍ من الحزن العام.
أبكي لأنّ الظُّلْمَ ظُلُمات.
أبكي عندما يهيجَ الشوقُ حنيناً لدمشق، ثم ما ألبث أن أتذكّر أن بيني وبينها طاغيةٌ صغير.
أبكي عندما ترعبني فكرة أن كل فرحنا وزهونا بانتصارات (النشامى) المظفّرين، قد لا تعيد إلينا تيسير النجار.
أبكي عندما ينتصر (الشِك) المنتفخ على الأخلاق النحيلة .
أبكي لأن كُلَّ شيءٍ يقول إنَّ البركانَ آتٍ.
أبكي عندما تئنّ الفراشات.. يئنّ المطر.. اليعاسيب الضائعات بين مساحة ممكنة للغناء أو دورة معقولة للتجدد. عندما يئنُّ الورد فوق أغصانه. الجمهور الواقف خلف الجالسين. الشريط الذي ينتظر قطعه بمقص الصورة الباهتة. الوحدة الباذخة دون سماسرة أو أراجيل. جنيّ الليل المتعب من كثرة الآيات حوله والتعاويذ والرُّقى. الطفل في خيمة اللجوء المنسية. حين تئنُّ ندف الثلج إذ تُفجع أنها لم تعد مجرَّد مناسبةٍ موسميةٍ للهْوِ البريء. حين يئنُّ كونترول الباص لأن الشاب لم يقف للفتاة.
أبكي لأن البراري تئنُّ والذَّراري والسبع المثاني.
عندما تتيه البوصلات. حين يصغر الوطن في وجدان رجلٍ حافي، ويصبح عنده بحجم حذاء يستر ركضه خلف السراب.
هذا لا يعني أن المسرّات لا تبهجني، والمكارم لا تأسر وجداني. هذا لا يعني أنني لا أضحك بصخبٍ هادرٍ عندما تتجلى المفارقة على شكل دعابة ذكية. صدقوني أن الكون لا يكاد يسعني سعادة عندما يضحك طفلٌ. عندما تتفتح خدوده عن لوحة خالدة من الابتسام العظيم. عندما ينستر فقير، وتنقضي حاجة كادح، وتدمع الصبية فرحاً بخروج والدها سالماً من الأسر. عندما تنفرج أسارير فتاة حالمة بهدية شقيقها في عيد ميلادها. عندما يلتقي الحبيب بالحبيب. عندما يعود الأب التعبان إلى البيت، ويعود الأولاد، فتشعر الأم بهدأة البال، ويلتم شمل الأسرة الصغيرة حول طبق الصبر والرضا ومساء الكفاف.
تصبحون على وطن.
نيسان ـ نشر في 2019/01/14 الساعة 00:00