الاعتياد.. أو بلادتنا التي تقصف غزة
نيسان ـ نشر في 2019/05/06 الساعة 00:00
أمضت غزة ليلة كاملة تحت القصف الصهيوني العنيف، لكنها كانت وحدها، كما لم يكن من قبل، إذ بدا الأمر وكأن الأمة اعتادت هذا الروتين، فلم يعد يغضبها شيء، وإن غضبت فلا يتجاوز فعلها مصمصة الشفاه وهمهمة في خجل.
العدوان، هذه المرة، كان أكثر وضوحًا في استهداف الإنسان الفلسطيني العادي، بقصف المنازل الآهلة بالأطفال والعجائز، فسقطت القذائف في غرف النوم، وتهدّمت بنايات كاملة، بينما هناك مواطن عربي يتابع في تثاؤب وكأنه يشاهد مباراة مملة بين فريقين.
على أن المأساة تمدّدت لتنطلق على ألسنة متثاقفين وإعلاميين من الصهاينة العرب عبارات منقولة، حرفيًا، من خطاب المتحدثين باسم الاحتلال الصهيوني، تلقي بالمسؤولية، وتُنحي باللائمة على حركات المقاومة الفلسطينية، فتقرأ على لسان متثاقف سعودي، ما يردده أفيخاي أدرعي، الناطق باسم جيش العدو، من دون زيادة أو نقصان: هذه الحرب على حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وليست ضد الشعب الفلسطيني الذي هو بدوره ضحية مقاومته، لا ضحية عدوان المحتل.
في ردود الأفعال والتغطيات الإعلامية، لا تجد معظم النوافذ والمواقع الإلكترونية وقتًا لتدقيق وضبط الصياغة للأخبار العاجلة، فيصبح الاستشهاد مقتلًا، ويصير جيش الاحتلال المعتدي "الجيش الإسرائيلي" فيما تعج الشاشات العربية بوجوه المعلقين والمحللين الصهاينة، يبرّرون العدوان، ويدافعون عن الهمجية، وكأن بعضًا من هذه الشاشات تتحرّق شوقًا لطقسٍ كهذا، كي تفتح أبوابها ونوافذها للضيف الصهيوني.
غير أن الفاجعة ليست في كل ما سبق، بل في المواطن العربي الذي افترسه الاعتياد، فصار شغفه وتفاعله بالعدوان على غزة في مرتبةٍ أقل من شغف متابعة إصابة لاعب كرة، أو نتيجة مباراة، أو الانشغال بتوقع الفائز في بطولة قارّية أو محلية.
هذا الاعتياد البليد هو مكسب العدو الصهيوني الأول، إذ نجح في احتلال مساحات واسعة من العقل والوجدان العربيين، بمساعدة نخبٍ عربيةٍ، إعلامية ودينية وسياسية، قامت بالدور الأكبر في تمرير ما يمكن تسميته "التطبيع الصامت غير المباشر"، وورّطت معها قطاعًا من الجمهور العربي الذي صار يتلقف ما يفرزه العقل الصهيوني من سموم، عبر وسائل إعلام عربية، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فأصبح بعضهم لا يجد غضاضةً في إعادة نشر الروث الفكري والمعلوماتي الذي يضخّه المعلقون الصهاينة، والاشتباك والتفاعل معه، أخذًا وردًا وانتقادًا، واستعمالًا في منازلة الخصوم.
والحاصل أن غزة لا تقاوم ترسانة العدو الهمجي فقط، بل هي قبل ذلك في مرمى نيران الاعتياد المخجل الذي يتم تكريسه منذ سنوات، مع فرض الصهاينة معادلة اليمين الصهيوني المتطرّف: استئصال مشروع الإسلام السياسي، مقابل دمج المشروع الصهيوني، حين قالت تسيبي ليفني بعد عدوان 2009 في حوار مع "نيوزويك" و"واشنطن بوست" "لا أريد أن أحرج أي كان، ولكني أعلم أنني أمثل مصالحهم أيضا. لم يعد الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني أو الصراع اليهودي- العربي، ولكنه صراع بين المعتدلين والمتطرفين. هذه هي الطريقة التي تنقسم بها المنطقة حاليا".
وبعد عشر سنوات، صار بعض العرب أكثر صراحةً وشراسةً في تبنّي هذه المعادلة، على النحو الذي يخجل منه الصهاينة أنفسهم، إذ يطربون لكل صاروخ يدمر بيتًا في غزة، ويعتصرهم الحزن إذا ما أصاب صاروخ للمقاومة مستعمرًا إسرائيليًا، إلى الحد الذي لا يجب أن تندهش معه إذا رأيت أبراج الصهاينة العرب مضاءةً بألوان علم العدو، حدادًا على سقوط قتلاهم بسلاح المقاومة.
العربي الجديد
العدوان، هذه المرة، كان أكثر وضوحًا في استهداف الإنسان الفلسطيني العادي، بقصف المنازل الآهلة بالأطفال والعجائز، فسقطت القذائف في غرف النوم، وتهدّمت بنايات كاملة، بينما هناك مواطن عربي يتابع في تثاؤب وكأنه يشاهد مباراة مملة بين فريقين.
على أن المأساة تمدّدت لتنطلق على ألسنة متثاقفين وإعلاميين من الصهاينة العرب عبارات منقولة، حرفيًا، من خطاب المتحدثين باسم الاحتلال الصهيوني، تلقي بالمسؤولية، وتُنحي باللائمة على حركات المقاومة الفلسطينية، فتقرأ على لسان متثاقف سعودي، ما يردده أفيخاي أدرعي، الناطق باسم جيش العدو، من دون زيادة أو نقصان: هذه الحرب على حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وليست ضد الشعب الفلسطيني الذي هو بدوره ضحية مقاومته، لا ضحية عدوان المحتل.
في ردود الأفعال والتغطيات الإعلامية، لا تجد معظم النوافذ والمواقع الإلكترونية وقتًا لتدقيق وضبط الصياغة للأخبار العاجلة، فيصبح الاستشهاد مقتلًا، ويصير جيش الاحتلال المعتدي "الجيش الإسرائيلي" فيما تعج الشاشات العربية بوجوه المعلقين والمحللين الصهاينة، يبرّرون العدوان، ويدافعون عن الهمجية، وكأن بعضًا من هذه الشاشات تتحرّق شوقًا لطقسٍ كهذا، كي تفتح أبوابها ونوافذها للضيف الصهيوني.
غير أن الفاجعة ليست في كل ما سبق، بل في المواطن العربي الذي افترسه الاعتياد، فصار شغفه وتفاعله بالعدوان على غزة في مرتبةٍ أقل من شغف متابعة إصابة لاعب كرة، أو نتيجة مباراة، أو الانشغال بتوقع الفائز في بطولة قارّية أو محلية.
هذا الاعتياد البليد هو مكسب العدو الصهيوني الأول، إذ نجح في احتلال مساحات واسعة من العقل والوجدان العربيين، بمساعدة نخبٍ عربيةٍ، إعلامية ودينية وسياسية، قامت بالدور الأكبر في تمرير ما يمكن تسميته "التطبيع الصامت غير المباشر"، وورّطت معها قطاعًا من الجمهور العربي الذي صار يتلقف ما يفرزه العقل الصهيوني من سموم، عبر وسائل إعلام عربية، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فأصبح بعضهم لا يجد غضاضةً في إعادة نشر الروث الفكري والمعلوماتي الذي يضخّه المعلقون الصهاينة، والاشتباك والتفاعل معه، أخذًا وردًا وانتقادًا، واستعمالًا في منازلة الخصوم.
والحاصل أن غزة لا تقاوم ترسانة العدو الهمجي فقط، بل هي قبل ذلك في مرمى نيران الاعتياد المخجل الذي يتم تكريسه منذ سنوات، مع فرض الصهاينة معادلة اليمين الصهيوني المتطرّف: استئصال مشروع الإسلام السياسي، مقابل دمج المشروع الصهيوني، حين قالت تسيبي ليفني بعد عدوان 2009 في حوار مع "نيوزويك" و"واشنطن بوست" "لا أريد أن أحرج أي كان، ولكني أعلم أنني أمثل مصالحهم أيضا. لم يعد الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني أو الصراع اليهودي- العربي، ولكنه صراع بين المعتدلين والمتطرفين. هذه هي الطريقة التي تنقسم بها المنطقة حاليا".
وبعد عشر سنوات، صار بعض العرب أكثر صراحةً وشراسةً في تبنّي هذه المعادلة، على النحو الذي يخجل منه الصهاينة أنفسهم، إذ يطربون لكل صاروخ يدمر بيتًا في غزة، ويعتصرهم الحزن إذا ما أصاب صاروخ للمقاومة مستعمرًا إسرائيليًا، إلى الحد الذي لا يجب أن تندهش معه إذا رأيت أبراج الصهاينة العرب مضاءةً بألوان علم العدو، حدادًا على سقوط قتلاهم بسلاح المقاومة.
العربي الجديد
نيسان ـ نشر في 2019/05/06 الساعة 00:00