الجفرافيا الدامية

محمد جميل خضر
نيسان ـ نشر في 2019/08/23 الساعة 00:00
بإمكان مناهج التعليم العربية حذف مساق الجغرافيا من مدارسها، فالبراميل المتفجرة والرصاص الطائش من كل الجهات نحو كل الجهات وعواصف الحزم والعزم ومخططات التقطيع وطائرات الأخوة الأعداء والأعدقاء الحلفاء وصواريخ الألف ميل ومجنزرات الدخول المستعرض وكل تلك الحروب الضارية والمعارك العمياء عرّفتنا رغم أنوفنا بأسماء المدن العربية والقرى والنواحي والحارات والشوارع ومفترقات الطرق والساحات والدواوير في ليبيا واليمن وسوريا والعراق وغيرها. فعندما ترد خان شيخون في نشرة أخبار فليس للحديث عن تلّها الأثري المهيب، بل لتخبرنا تلك النشرة المفجعة بدخول (جيش الاحتلال) السوري لها. وعندما نسمع اسم داريا فالمفروض أن أول ما يخطر على بالنا عنبها الشهيّ، لكن دوامة الأخبار تأخذنا لمجزرة أخرى من مجازر النظام حدثت هناك. ولا تعود أَبْيَن جنة الفواكه والنخيل بل ساحة صراع دامٍ بين الأخوة الأعداء. كما لا تعود عدن غندورة الجنوب بل شاهدة الغدر وشهيدته. وبدل أن تسهر طرابلس الغرب حتى الصباح تداعب فنون المالوف والموشحات والمدائح النبوية، تقضي الليل متيقظة من طعنة في الظهر من أهل البلد ممن باعوه تحت جنح الظلام. ولا يعود نفط راس لانوف لنا بل لأعدائنا. أما في بنغازي فإن نهر الليثي يفشل باعتماد النسيان كباب للرضا والسياحة والحياة، وتصبح المدينة التي كانت ذات يوم عاصمة، قاعدة للخيانة ومنطلقاً لاستباحة الوطن.
جغرافيا دامية تقتلنا من الوريد إلى الوريد. بيروت كانت قبلها عاصمة الجمال، دمشق فسحة الياسمين الناهضة، بغداد قلعة الصمود. لستُ هنا في وارد الحديث عن العدو التاريخي الذي كنا متفقين حول هويته، ولا بوارد إيراد أسماء مدن فلسطين، دعونا ننتهي من درس القتل على الهوية والإبادة الجماعية لشعوبنا بأيدٍ عربية، ثم نفرغ لأنفسنا علّنا نعود لتذكُّرِ فلسطين.
    نيسان ـ نشر في 2019/08/23 الساعة 00:00