قِراءةٌ متأخِّرة

محمد جميل خضر
نيسان ـ نشر في 2019/10/26 الساعة 00:00
تَجَذَّرَ الدينُ الإسلاميُّ على الأرض بجهودِ ثلاثة: الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر. أما أركان تجذُّرِهِ التي تَمَثَّلها ثلاثتُهم فهي: العدل. الخطاب فوق الطائفي المناطقي القبلي المتعالي على أسباب الفرقة والتشرذم والتحزب. تلمسهم ضرورات انتصارهم لرسالتهم. تخليهم عن ذواتهم لصالح الفكرة. إدراكهم اللحظة التاريخية التي ينبغي للعرب أن لا يضيّعوها كي يكون لهم مكانهم ومكانتهم أسوة بمن صنع لنفسه كياناً ومساحة حولهم، خصوصاً أيامهم، الفرس والروم. إيمانهم العميق بالفكرة. إيمانهم العميق بالطاقة الكامنة داخلَ وجدانِ أمَّتِهم. إيمانهم العميق بقدرة أبناء الصحراء مترامية الأطراف على صناعة الفارق إن هم تحلّوا بالإرادة والعزيمة والثبات والإيمان والشجاعة. معرفتهم العميقة أن بدو تلك الصحراء لا يعوّل عليهم وأن الأمر يحتاج حتماً مشاركة أبناء الريف والمدن في مشروعهم وثورتهم ورسالتهم. تحلّيهم بتواضعٍ لم يخبر التاريخ شبيهاً له. منحهم ذخيرتهم الحيّة من الناس والمؤمنين مساحة حقيقية من حق التعبير وحق الاختلاف: "لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها" (عمر). "حَكَمْتَ فَعَدَلْتَ فَأَمِنْتَ فَنِمْت" (عن عمر). رفض التوريث (الرسول صلى الله عليه وسلم ووصاياه أثناء احتضاره). الحسم والحزم في القضايا الجوهرية التي قد تطيح الميوعة فيها بأركان دولة ناشئة (طريقة تعامل أبو بكر مع المرتدين من بدو الجزيرة وأَعرابها). التفهم العميق لحاجات الناس وما يحقق لهم أمانيهم ويرتقي بهم (تحفيز الطاقة الإيجابية عند الشعب واستخراجها وهو ما فعله الرسول قبيل معركة الخندق، وما فعله أبو بكر لحظة موت الرسول (من كان يعبد محمد) وما فعله عمر عندما أرسل جيوش الفتوحات). تحييد العواطف في اللحظات المفصلية الحاسمة وبما يضمن كرامة الناس فلا أمة ولا رسالة ولا فتوحات يمكن تحقيقها بأناس بلا كرامة ولا إحساس حقيقي عميق أنهم ليسوا عبيداً إلا لله.
بعد هؤلاء الثلاثة دخلت الأمة بِنَتانةِ الطائفية المناطقية القبلية البائسة: بنو أمية وبنو عبد مناف، وهو ما لا أبرئ منه (أنا شخصياً وعلى مسؤوليتي) لا عثمان ولا علي. ما جرى بين عثمان وعلي هو ما نعاني منه حتى يومنا هذا.
من أراد أن يفهم فليفعل، ومن أراد أن يكفّرني فليتفضَّلْ لأمنحه دمي ورقبتي ومصيري.
    نيسان ـ نشر في 2019/10/26 الساعة 00:00