على الدول العربية وقف التطبيع فوراً
نيسان ـ نشر في 2019/11/24 الساعة 00:00
قرار الإدارة الأميركية اعتبار المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة مشروعة وفقا للقانون الدولي لا يغير حقيقة أن هذه المستعمرات تمثل "خرقا صارخا" للقانون الدولي، كما ورد في قرارات مجلس الأمن، وانتهاكا لكل المواثيق الدولية، ولكنه أيضا (القرار) بمثابة إعلان حرب أميركية - إسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، تتسارع بها وتيرة الدمار والقتل، وقضم من فلسطين التاريخية بشكل غير مسبوق منذ نكبة عام 1948.
يعتقد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن القضاء على الشعب الفلسطيني وحقوقه أصبح ممكنا، إذ يقف هذا الشعب وحيدا، فالتطبيع يجري يتسارع بين أغلب الدول العربية وإسرائيل ويجعل من هذه الدول شريكة مباشرة، شاءت أم أبت، في الجريمة الأميركية الإسرائيلية ضد كل الشعب الفلسطيني، فالتطبيع بمثابة قبول للاحتلال ولكل خطواته في قضم ما تبقى من فلسطين التاريخية، أو قصف بيتٍ على أهله، أو إطلاق نار على الشباب.
لا نتوقع من أي دولةٍ إطلاق حرب تحرير، أو حتى دفاعا عن الفلسطينيين، لكن وقف التطبيع يوجع الكيان الصهيوني وأميركا، مثلما تعنيهما مشاريع التطبيع من هيمنة اقتصادية وشرعنة دمج إسرائيل بالمنطقة، وسط عامل عربي مفتت وضعيف، وإلا كل الدول المطبعة هي مشاركة في محاولة ترامب إسدال الستار على ما يعتقد أنه آخر فصل من إنهاء الشعب الفلسطيني.
باستمرار الاستيطان، إذ لم تأخذ الدول العربية أي خطوات عملية للضغط على أميركا لتفرض أي عقوبةٍ عمليةٍ أو حتى معنويةٍ لإجبار إسرائيل لوقف مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات، بما يعنيه ذلك من سرقة أراضي الفلسطينيين وحرمانهم من مصادر المياه فيها، حتى حين كانت واشنطن تعلن بصراحة تأييدها بناء المستوطنات خرقا للقانون الدولي.
بدأ الموقف الأميركي بالتغير من موقف واضح بأن "المستوطنات غير مشروعة" إلى اعتبارها "معرقلة لعملية السلام"، وفي كل مرة كان الفلسطينيون يثيرون ضجة أو يتلكأون في الرجوع إلى المفاوضات، لكن خطأ منظمة التحرير الأساس كان عدم التزامها بشروطها التي وضعتها بعدم دخول المفاوضات قبل وقف الاستيطان وبناء المستوطنات، على اعتبار أن هذه تنشئ أمراً واقعا يحسم طبيعة الحل النهائي في مصلحة إسرائيل.
كانت هذه حقيقة بديهية، فلا يمكن إقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 فيما تستمر هذه بالاستيلاء على الأراضي وتقطيع أوصال الضفة الغربية، وهذا ليس رثاء أو احتفالا بوفاة حل الدولتين، فلم يكن هذا الحل ممكنا، إذ إن إقامة دولة فلسطينية مستقلة يهدد مشروعية دولة إسرائيل، ويعني اعترافا بهوية الأرض وأصحابها، لكن الدخول في المفاوضات، وبعد ذلك تأجيل البت بموضوع المستوطنات إلى المرحلة النهائية، أعطى إسرائيل القدرة والوقت على متابعة سرقة الأراضي وبناء مستعمراتها، تمهيدا لضم الضفة الغربية تحت إدارتها. أي أن إسرائيل لم تجد يوما موقفا عربيا جديا منذ حرب 1967 وإعلانها عن بناء المستوطنات، وموحّدا يضعها والإدارة الأميركية تحت ضغط حقيقي من مقاطعة عربية ورفض الرضوخ للمصالح الأميركية، خصوصا أن ما سميت عملية السلام شكلت غطاء لاستمرار الاستيطان تحت حماية أميركا التي منعت فرض أي عقوبات دولية على إسرائيل.
بناء المستوطنات ونقل مستوطنين يهود من المهاجرين الذين تحق لهم الجنسية الإسرائيلية والإقامة وتملك الشقق والبيوت في المستوطنات لمجرد أنهم يهود، حلقة مركزية في المشروع الصهيوني المبني على سرقة الأراضي وتحويلها إلى مستعمرات استيطانية، أقرب إلى الثكنة العسكرية تحت حماية جيش الاحتلال، وتسليح ساكنيها، لتُكمل الاستيلاء على فلسطين التاريخية وإحلال هؤلاء مكان السكان الأصليين، أي الفلسطينيين. لذا كل القوانين والإجراءات من قتل وأسر واختطاف وتمييز عنصري تسن وتنفذ في خدمة المشروع الاستيطاني، فالاستيطان عادة يكون ممهدا لضم المنطقة لإسرائيل، ولكنه في حالة القدس ضم غير شرعي، سبق التمدد الاستيطاني في عام 1968. وقد ظلت إسرائيل توسع ما تسمى خريطة القدس الكبرى التي تقرّرها كما تشاء، لتشمل مناطق وقرى في بيت لحم ورام الله، وبمجرد مصادرة الأراضي فيها وبناء المستوطنات، تصبح هذه المناطق والقرى جزءا من القدس وتحت الإدارة الإسرائيلية. وكانت إسرائيل قد أعلنت عن ضم هضبة الجولان المحتلة وبناء 38 مستوطنة من دون ضجة، إلى أن اعترفت أميركا بضم إسرائيل الهضبة العربية السورية العام الماضي، من دون أي رد أو تحرّك عربي ولو صورياً.
لم يكن إعلان إدارة الرئيس ترامب قانونية الاستيطان في الأراضي الفلسطينية مفاجئا تماما، فلم يكن هناك أي رد عربي قوي لنقل السفارة الأميركية إلى القدس الشرقية، ولا لضم الجولان السورية. وردود الفعل الخجولة، حتى الإدانات الغاضبة في لغتها، لا تهم الإدارة الأميركية التي تأخذ القرارات وفقا لمصالحها. وبالنسبة إلى متعجرفٍ مثل ترامب الذي استسخف وتجاهل التحذيرات من خطر على المصالح الأميركية في حالة نقل السفارة وربح الرهان، فهو لا يحترم "الخاسرين"، ولا يأبه باعتراضات رؤسائهم وملوكهم، خصوصا أن منهم من يدفع الملايين لواشنطن رهن الطلب "لقاء حماية" أنظمتهم.
لا يعني الحفاظ على ذلك كله الاستسلام، والأهم استسلام الوعي العربي الجمعي، فهناك خطر أن تصبح المصطلحات الجديدة، وأهمها وصف الإدارة الأميركية الأراضي الفلسطينية المحتلة بتعبير "أراض متنازع عليها"، وأن المستوطنات "لا تمثل خرقا للقانون الدولي". والأخطر أن تستعمل الحكومات هذه المصطلحات في إعلامها الرسمي، فالمصطلح الحقوقي ليس مجرد كلام يمكن استبداله بنقيضه. وعدا عن أنه يخرق حقوق الشعب الفلسطيني القانونية، فإنه أيضا توطئة لتمرير الرواية الصهيونية، فالمصطلح جزء من الصمود والمقاومة وتغييره تواطؤ مع جرائم المشروع الصهيوني والقبول به.
يجب أن يبدأ الرد بوقف السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني، وكل الاجتماعات مع إسرائيل، يكون بموازاته تصعيد شعبي عربي على الأنظمة بوقف التطبيع، وأن تكون الحركات المناهضة للتطبيع، وحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات (بي دي إس)، كما الوضع في الأردن ولبنان، جزءا من الحراكات الشعبية، فالنضال الاجتماعي غير منفصل عن النضال التحرّري، إذ إن مشروعا إحلاليا توسعيا، مثل الصهيونية، لا يحس بأمان إلا إذا دخل في السيطرة على موارد الدول المحيطة، وحينها ينهي ما تبقى من أمل الشعوب العربية وأمانها، وليس الشعب الفلسطيني فحسب.
العربي الجديد
يعتقد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن القضاء على الشعب الفلسطيني وحقوقه أصبح ممكنا، إذ يقف هذا الشعب وحيدا، فالتطبيع يجري يتسارع بين أغلب الدول العربية وإسرائيل ويجعل من هذه الدول شريكة مباشرة، شاءت أم أبت، في الجريمة الأميركية الإسرائيلية ضد كل الشعب الفلسطيني، فالتطبيع بمثابة قبول للاحتلال ولكل خطواته في قضم ما تبقى من فلسطين التاريخية، أو قصف بيتٍ على أهله، أو إطلاق نار على الشباب.
لا نتوقع من أي دولةٍ إطلاق حرب تحرير، أو حتى دفاعا عن الفلسطينيين، لكن وقف التطبيع يوجع الكيان الصهيوني وأميركا، مثلما تعنيهما مشاريع التطبيع من هيمنة اقتصادية وشرعنة دمج إسرائيل بالمنطقة، وسط عامل عربي مفتت وضعيف، وإلا كل الدول المطبعة هي مشاركة في محاولة ترامب إسدال الستار على ما يعتقد أنه آخر فصل من إنهاء الشعب الفلسطيني.
باستمرار الاستيطان، إذ لم تأخذ الدول العربية أي خطوات عملية للضغط على أميركا لتفرض أي عقوبةٍ عمليةٍ أو حتى معنويةٍ لإجبار إسرائيل لوقف مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات، بما يعنيه ذلك من سرقة أراضي الفلسطينيين وحرمانهم من مصادر المياه فيها، حتى حين كانت واشنطن تعلن بصراحة تأييدها بناء المستوطنات خرقا للقانون الدولي.
بدأ الموقف الأميركي بالتغير من موقف واضح بأن "المستوطنات غير مشروعة" إلى اعتبارها "معرقلة لعملية السلام"، وفي كل مرة كان الفلسطينيون يثيرون ضجة أو يتلكأون في الرجوع إلى المفاوضات، لكن خطأ منظمة التحرير الأساس كان عدم التزامها بشروطها التي وضعتها بعدم دخول المفاوضات قبل وقف الاستيطان وبناء المستوطنات، على اعتبار أن هذه تنشئ أمراً واقعا يحسم طبيعة الحل النهائي في مصلحة إسرائيل.
كانت هذه حقيقة بديهية، فلا يمكن إقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 فيما تستمر هذه بالاستيلاء على الأراضي وتقطيع أوصال الضفة الغربية، وهذا ليس رثاء أو احتفالا بوفاة حل الدولتين، فلم يكن هذا الحل ممكنا، إذ إن إقامة دولة فلسطينية مستقلة يهدد مشروعية دولة إسرائيل، ويعني اعترافا بهوية الأرض وأصحابها، لكن الدخول في المفاوضات، وبعد ذلك تأجيل البت بموضوع المستوطنات إلى المرحلة النهائية، أعطى إسرائيل القدرة والوقت على متابعة سرقة الأراضي وبناء مستعمراتها، تمهيدا لضم الضفة الغربية تحت إدارتها. أي أن إسرائيل لم تجد يوما موقفا عربيا جديا منذ حرب 1967 وإعلانها عن بناء المستوطنات، وموحّدا يضعها والإدارة الأميركية تحت ضغط حقيقي من مقاطعة عربية ورفض الرضوخ للمصالح الأميركية، خصوصا أن ما سميت عملية السلام شكلت غطاء لاستمرار الاستيطان تحت حماية أميركا التي منعت فرض أي عقوبات دولية على إسرائيل.
بناء المستوطنات ونقل مستوطنين يهود من المهاجرين الذين تحق لهم الجنسية الإسرائيلية والإقامة وتملك الشقق والبيوت في المستوطنات لمجرد أنهم يهود، حلقة مركزية في المشروع الصهيوني المبني على سرقة الأراضي وتحويلها إلى مستعمرات استيطانية، أقرب إلى الثكنة العسكرية تحت حماية جيش الاحتلال، وتسليح ساكنيها، لتُكمل الاستيلاء على فلسطين التاريخية وإحلال هؤلاء مكان السكان الأصليين، أي الفلسطينيين. لذا كل القوانين والإجراءات من قتل وأسر واختطاف وتمييز عنصري تسن وتنفذ في خدمة المشروع الاستيطاني، فالاستيطان عادة يكون ممهدا لضم المنطقة لإسرائيل، ولكنه في حالة القدس ضم غير شرعي، سبق التمدد الاستيطاني في عام 1968. وقد ظلت إسرائيل توسع ما تسمى خريطة القدس الكبرى التي تقرّرها كما تشاء، لتشمل مناطق وقرى في بيت لحم ورام الله، وبمجرد مصادرة الأراضي فيها وبناء المستوطنات، تصبح هذه المناطق والقرى جزءا من القدس وتحت الإدارة الإسرائيلية. وكانت إسرائيل قد أعلنت عن ضم هضبة الجولان المحتلة وبناء 38 مستوطنة من دون ضجة، إلى أن اعترفت أميركا بضم إسرائيل الهضبة العربية السورية العام الماضي، من دون أي رد أو تحرّك عربي ولو صورياً.
لم يكن إعلان إدارة الرئيس ترامب قانونية الاستيطان في الأراضي الفلسطينية مفاجئا تماما، فلم يكن هناك أي رد عربي قوي لنقل السفارة الأميركية إلى القدس الشرقية، ولا لضم الجولان السورية. وردود الفعل الخجولة، حتى الإدانات الغاضبة في لغتها، لا تهم الإدارة الأميركية التي تأخذ القرارات وفقا لمصالحها. وبالنسبة إلى متعجرفٍ مثل ترامب الذي استسخف وتجاهل التحذيرات من خطر على المصالح الأميركية في حالة نقل السفارة وربح الرهان، فهو لا يحترم "الخاسرين"، ولا يأبه باعتراضات رؤسائهم وملوكهم، خصوصا أن منهم من يدفع الملايين لواشنطن رهن الطلب "لقاء حماية" أنظمتهم.
لا يعني الحفاظ على ذلك كله الاستسلام، والأهم استسلام الوعي العربي الجمعي، فهناك خطر أن تصبح المصطلحات الجديدة، وأهمها وصف الإدارة الأميركية الأراضي الفلسطينية المحتلة بتعبير "أراض متنازع عليها"، وأن المستوطنات "لا تمثل خرقا للقانون الدولي". والأخطر أن تستعمل الحكومات هذه المصطلحات في إعلامها الرسمي، فالمصطلح الحقوقي ليس مجرد كلام يمكن استبداله بنقيضه. وعدا عن أنه يخرق حقوق الشعب الفلسطيني القانونية، فإنه أيضا توطئة لتمرير الرواية الصهيونية، فالمصطلح جزء من الصمود والمقاومة وتغييره تواطؤ مع جرائم المشروع الصهيوني والقبول به.
يجب أن يبدأ الرد بوقف السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني، وكل الاجتماعات مع إسرائيل، يكون بموازاته تصعيد شعبي عربي على الأنظمة بوقف التطبيع، وأن تكون الحركات المناهضة للتطبيع، وحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات (بي دي إس)، كما الوضع في الأردن ولبنان، جزءا من الحراكات الشعبية، فالنضال الاجتماعي غير منفصل عن النضال التحرّري، إذ إن مشروعا إحلاليا توسعيا، مثل الصهيونية، لا يحس بأمان إلا إذا دخل في السيطرة على موارد الدول المحيطة، وحينها ينهي ما تبقى من أمل الشعوب العربية وأمانها، وليس الشعب الفلسطيني فحسب.
العربي الجديد
نيسان ـ نشر في 2019/11/24 الساعة 00:00