نحن أحق باللغة العبرية..

نيسان ـ نشر في 2019/11/26 الساعة 00:00
بقلم رانية الجعبري
لم أتفاجأ من ردود الفعل الغاضبة على تصريح أبو مازن بأنه يرغب في البدء بتدريس اللغة العبرية من مرحلة رياض الأطفال، لا يمكنني أن أخالف الناس الرافضة لهذا القرار، إن كان مبدؤها المناسبة التي تم إعلان التصريح خلالها، كونها تأتي في إطار التطبيع بشكل أو بآخر، إذ أن أبو مازن أدلى بالتصريح عند لقائه كاتباً إسرائيلياً ولو كان هذا الكاتب من يهود العراق، أي أنه عربي، لكنه يحمل جنسية "إسرائيل" ويمثلها في النهاية.
لكن لتعلم العبرية وجهان. ما زلت أذكر أيام طفولتي ونفوري من الإنجليزية، واكتشفت مؤخراً وأنا أتعلم الإنجليزية أنني لا أحب صوت هذه اللغة، لكنني أتجرعها اليوم لأتطور في مهنتي ليس إلا. ما زلت أذكر عبارة أمي وهي تشجعني على محبة الإنجليزية "من تعلم لغة قوم أمن غدرهم"، لقد علمتني أمي أن تعلم لغة العدو نوع من أنواع المقاومة، لكنني كنت أكبر وأرى الناس تتعلم الإنجليزية وتتبع عدوها.
لسبب أجهله، بدأت أميل لتعلم العبرية أيام الدراسة، وعندما تنهرني أمي وتدعوني للتركيز على الانجليزية، أجيبها "أنا عدوتي إسرائيل مش بريطانيا هلأ".
بعد سنوات، عندما بدأت العمل في الصحافة وملكتُ أمري، وبدأت أقرأ للأستاذ حلمي موسى في السفير اللبنانية "الوجه الآخر من الصراع"، عاد الحنين في قلبي إلى العبرية، واستأنفت دراستها. أذكر جيداً تلك الأيام عندما كنت أنهي عملي في العرب اليوم ويتبقى لدي ساعات قبل موعد درس العبرية في دار الجليل، كنت أدرس وأحفظ الكلمات العبرية وأنا لا أقوى إلا على سماع الأغاني الوطنية، إذ أنني في حياتي لم أر تعلمي للعبرية إلا شكلا من أشكال المقاومة، فلم أتعلمها لأحاور صهيونياً بل لأكتشف أسلوب تفكيره وتحديداً في الأدب والصحافة.
تطورت الأمور بعد ذلك أكثر، إذ أنني بدأت أحب جرس العبرية، أحب وقع الكلمات ورسمها، كان الأستاذ لا يطلب منا إلا رسم الكلمات وحفظها مطبوعة، لكنني أصريت على تعلم الحرف اليدوي وكتابته. كنت أستغرب من نفسي ومن قربي من اللغة العبرية خلافا للانجليزية. بعد ذلك غرقت أكثر في قراءة وتتبع تاريخ اللغة العبرية، لأكتشف أنني أحق بها من ذلك اليهودي القادم من باريس أو ألمانيا أو أميركا أو أي مكان من العالم، بل إنني أشعر أنه كما اغتصبت الأرض وكما سرق الثوب الفلسطيني والفلافل سُرقت إحدى اللغات الآرامية فقط لأنها تعبر عن ديانة، ديانة من حيث الأصل نبتت في بلادي العربية.
رغم ما سبق، هي لغة عدوي، ووعاء معرفته ومنطق تفكيره، ولا يمكنني مقاومته بلا معرفتها. وعند بدء ما يسمى بالربيع العربي، لم ينتبه الكثيرون إلى أن دولة الكيان الصهيوني أصدرت قراراً ببدء تعليم اللغة العربية لأبنائها من الصف الأول بدلا من الخامس، وكان ذلك قبيل تصريح شمعون بيريز في العام 2011 في دافوس بأن "الانفتاح على دول عديدة [ذُكر العدد في حينه ولكن لا أستطيع تذكره الآن] من بينها الدول العربية، قصة كبيرة".
ما أعرفه جيداً أن الصهيوني يتعلم العربية ليحاربني بها، وأعلم أن عدداً ممن يتعلمون العبرية في بلدي إنما يتعلمونها للتطبيع، وأن معرفتها سلاح ذو حدين، لكن لو توفرت لدينا الإرادة الوطنية، والأهم لو كان لدينا قيادات وطنية تخدم القضية فإن أول قرار سيكون هو تعليم العبرية لترسيخ مبدأ المقاومة، والأهم من كل ذلك أن لا يتم اتخاذ القرار بعد لقاء أحد هؤلاء القادة مع صهاينة يحملون جنسية البلد التي تغتصب أرضي وتحبس حريتي.
    نيسان ـ نشر في 2019/11/26 الساعة 00:00