خطاب الأسد الأخير
نيسان ـ نشر في 2015/07/29 الساعة 00:00
على غير ما ذهب إليه أتباع النظام السوري من تفاؤل بخطاب بشار الأسد الأخير، فإن بين سطوره وتفاصيله ما يستدعي غير ذلك، حيث يندرج إعلان واضح بدخول النظام مرحلة جديدة، ربما تكون المرحلة الأخيرة لحكمه سوريا بكامل أراضيها ، لكنها بالتأكيد لن تكون المرحلة الأخيرة في الصراع الذي اصبح بمثابة حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.
وهو اعلان خطير، ليس له إلا معنى واحد، لا تخطئه أذن السامع المتعودة على خطابات الأسد السجالية، الغارقة بالتعريفات، والتلميحات دون التصريحات، موضوعه التخلي عن أراض لجهات أخرى، سواء أكانت حليفة مباشرة أو غير مباشرة أو من خصوم نظام الأسد.
وأول هذه المناطق دمشق، حيث ظل الأسد الإبن يسوق باعتقادٍ ورّثه إياه الأسد الأب، بأن تجار دمشق المُمَثلين بقيادة غرفتهم الحاضرة اللقاء، بالاضافة الى الجبهة الوطنية التقدمية هما حليفا النظام الرئيسان، ويسدّان بدل قوى المجتمع المدني الدمشقية، والحزبيين والمثقفين المطالبين بإصلاحات حقيقية.
حيث بدأ صراع الأسد الإبن، المحكوم باعتقاد الأب المُورِث وبعدم التفهم للواقع وقواه الجديدة، فمنذ عام 2004 بدأت تظهر إرهاصات على شكل مطالبات اصلاحية مهدّت لاندلاع المطالبات الشعبية الواسعة في عام 2011، التي هيأت الأجواء لها أيضا موجات الحراك المندلعة في كل أنحاء الوطن العربي في تلك الفترة.
فما كان من النظام إلا أن بدأ بقمع المظاهرات بلا هوادة وراح يزج بالقوى المطالبة بالاصلاحات في السجون، ومن بينهم، على سبيل المثال لا للحصر، أعضاء حزب العمل الشيوعي والكثير من المناضلين الديمقراطيين. بينما ترك الحبل على الغارب لأصدقائه التكفييريين الذين حانت ساعة حاجته لهم، للالتفاف على المطالبات الشعبية، وكان طالما استخدمهم او خطط لاستخدامهم في لبنان والعراق.
ولم يكن ليعلم أن سحره سينقلب عليه، إلا مع حصار داعش وجبهة النصرة وزهران علوش لدمشق وريفها، ليدرك حينها أن ليس أمامه من مناص، إن عاجلا أو آجلا، غير أن يترك دمشق وينكص الى معقله الطائفي في مناطق الساحل، فطرح على سبيل الاعتذار لحلفائه القدماء قصة نقص العناصر والكوادر البشرية في الجيش.
أما ثاني المناطق، فهي مناطق القلمون والقرى بين حمص ولبنان، حيث سيتركها النظام لميلشيات حزب الله اللبناني، الذي يسيطر عليها فعليا منذ معركة القصير، وبالمرة ليستخدمه كعازل بين دويلته الجديدة ودمشق ، وهنا قال: سوريا ليست لمن يسكن فيها أو من يحمل الجنسية السورية بل لمن يدافع عنها.
وهذه اللغة والتصرفات ليست بالجديدة على النظام، حيث سبق وأن استخدمها في مخيم اليرموك حين سلمه لداعش، كما وكان قد هدد سكان محافظة السويدا إن هم لم يرسلوا اولادهم للإلتحاق بجيشه فإن موعدهم مع داعش سيكون قريبا.
ومن سقطات الخطاب القاتلة، أنه جاء بعد يوم من دخول القوات التركية الى المناطق الشمالية بحجة ضرب داعش، بينما الهدف الحقيقي هو اقتطاع أراض سورية، وهذا ما تمَّ بالفعل، ولم يأتِ - الخطاب- على ذكر ذلك بجملة واحدة، ولو من قبيل الجمل الشهيرة، كالرد المناسب في الوقت والمكان المناسبين، هذا بالإضافة الى حديثه عن ايران ووصفه عدوانها المجرم على العراق فور تسلم الخميني زمام الأمور، بأنها حرب ظالمة امتدت ثماني سنوات ضدها، كذلك وصفه الثورة التونسية المجيدة بأحداث شغب انتجت الارهاب.
ليس من جديد في الخطاب، ليفرح الأتباع ، فهو منذور للتهيئة للإستحقافات الكبيرة التي ستنتج، أو نتجت فعلا، عن التفاهمات الدولية والاقليمية الجارية على قدم وساق هذه الأيام.
نيسان ـ نشر في 2015/07/29 الساعة 00:00