هل غدونا قطيعاً أعمى؟
نيسان ـ نشر في 2020/02/24 الساعة 00:00
أتجنب منذ فترة ليست قليلة الخوض في مسائل عامة؛ سياسية على وجه الخصوص: الشمال السوري، ما اصطلح على تسميتها صفقة القرن، رعب الكورونا، برهان السودان عبد الفتاح الثاني (لا داعي لتوضيح من هو الأول)، وقضايا أخرى كثيرة. لكن ما أرغمني على هذه المداخلة وأنا في أقصى حالات الاستفزاز والأسى والحزن والغضب، هو الفيديو الذي جرى تداوله أمس، وكذلك تداول الصور الخاصة به، وعدم الاكتفاء بذلك، بل بإصرار عجيب من خلال وضع دائرة حول جسد الشهيد المنتهكة حرمته من جرافة الاحتلال الغاشم. وأكاد أجزم بقلب مطمئن أن معظم الذين تداولوه لم يعدّوا للثلاثة قبل أن يفعلوا ذلك. لم يسألوا أنفسهم ما هي الفائدة المرجوّة من وراء تداوله. ولم يسألوا أنفسهم هل يسيئون لأهل الشهيد بفعلتهم هذه أم لا.. هل سمح لهم ذووه تداول المشهد المهين إلى حد الفجيعة؟ هل أخذوا إذنهم؟ اللافت أن البعد الإنسانيّ غاب تماماً عن معظم هذا التداول المسعور الجمعيّ الذي يؤكد لي في كل مرّة أننا ما نزال نتحرك بشكل قطيعيٍّ غرائزيّ أرعنٍ لا تعقّلاً فيه ولا تدبّراً ولا احتكاماً لأيِّ وعيٍ ممكن. أقول غاب أي بعد إنسانيّ كمواساة أهله، أو الترحم عليه، أو الإشارة إلى سيرته الشخصية بوصفه إنساناً قبل أن يصبح تسابقاً محموماً على كسب شهرة أو تحقيق تفاعلٍ (ترينديٍّ) مقيت!
لم ينتبه معظم الذين تداولوا الفيديو والصور، إلى أول جهة نشرت الفيديو: (قناة الحدث/ العربية). ألا تعني هذه المعلومة لكم شيئاً؟ أنا شخصياً تعني لي أشياء. لم يتأمّل معظم الذين تداولوا الفيديو والصور إيجابيات هذا التداول وسلبياته (يعني بلغة الحسابات الآوتكم والإنكم بالأنكليزي outcome income). وماااا أكثر سلبيات هذا الفيديو البشع إلى أبعد الحدود: شيّأ الشهيد، أي جعله شيئاً، مادة إعلامية، جرّده من كل ما هو، وكل من هو. زاد من تهويل قسوة العدو وتأكيد صورة عجرفته واستهانته بكل ما يتعلق بالندب والحَزْوَنَة واستدرار عطف العالم وتعاطفه. فهذه مسائل فارغة عنده، وهي فعلاً فارغة عند كل ذي صاحب عقل وإدراك وفهم لكيف يدار العالم حولنا. أظهر حقيقة موازين القوى هناك في الجنوب الفلسطيني المحاصر، فكل ما نراه ونسمعه وكل العروض والملثمين لا يساوون عند حتى جرافة إسرائيلية أي قيمة، وهو ما كان يفترض أن نبقيه في مساحة توريةٍ ما (على رأي المثل صيت غنى ولا صيت فقر). الفيديو تحريضي ضد الفصائل الموجودة في غزة، وبما يرغمها على رد، أي رد، فنتنياهو بحاجة لأي فرقعة إعلامية على أبواب استحقاق انتخابي؛ أنا لا أقصد هنا أن عدم الرد هو ذكاء وحلٌّ عبقريٌّ، ولكن أي رد ونحن مشرذمون كل هذه الشرذمة، ومتخبطون كل هذا التخبط، وضائعون كل هذا الضياع؟
التداول يعزز لديّ أن مواقع التواصل على أهميتها أحياناً، ولكنها، والحق يقال، وللأسف الشديد، خربت بيت آلاف البشر، إن لم يكن ملايينهم، ممن يظلون يجرّبون حظهم عليها، هذا المنشور زبط لأ ما زبط، طب خلينا نجرّب غيره، وبين هذا زبط وهذا ما زبط، ينشرون بغوغائية وغباء وفوضى عارمة وهبلٍ عجيب، كل ما يخطر وما لا يخطر على بال أحد.
المؤسف حقّاً أن عدداً من الأصدقاء (المثقفين) انزلقوا مع المنزلقين، فما قيمة الفكر إن لم يثقّف مواقفنا (الثقافة من ثَقَفَ الرمح أي جعله حاداً، مَضّاءً، واضحَ الوِجهة، حاسمَ المُراد، أكيدَ البوصلة)؟ وكيف يطالب بعضنا بأسبقيتنا عن غيرنا، إن كنا مع أول هرولة جماعية لا عقلانية (قطيعية) نتحوّل إلى مجرد هيولا ضبابية هلامية بلا أي ملامح وسط القطيع؟
لم ينتبه معظم الذين تداولوا الفيديو والصور، إلى أول جهة نشرت الفيديو: (قناة الحدث/ العربية). ألا تعني هذه المعلومة لكم شيئاً؟ أنا شخصياً تعني لي أشياء. لم يتأمّل معظم الذين تداولوا الفيديو والصور إيجابيات هذا التداول وسلبياته (يعني بلغة الحسابات الآوتكم والإنكم بالأنكليزي outcome income). وماااا أكثر سلبيات هذا الفيديو البشع إلى أبعد الحدود: شيّأ الشهيد، أي جعله شيئاً، مادة إعلامية، جرّده من كل ما هو، وكل من هو. زاد من تهويل قسوة العدو وتأكيد صورة عجرفته واستهانته بكل ما يتعلق بالندب والحَزْوَنَة واستدرار عطف العالم وتعاطفه. فهذه مسائل فارغة عنده، وهي فعلاً فارغة عند كل ذي صاحب عقل وإدراك وفهم لكيف يدار العالم حولنا. أظهر حقيقة موازين القوى هناك في الجنوب الفلسطيني المحاصر، فكل ما نراه ونسمعه وكل العروض والملثمين لا يساوون عند حتى جرافة إسرائيلية أي قيمة، وهو ما كان يفترض أن نبقيه في مساحة توريةٍ ما (على رأي المثل صيت غنى ولا صيت فقر). الفيديو تحريضي ضد الفصائل الموجودة في غزة، وبما يرغمها على رد، أي رد، فنتنياهو بحاجة لأي فرقعة إعلامية على أبواب استحقاق انتخابي؛ أنا لا أقصد هنا أن عدم الرد هو ذكاء وحلٌّ عبقريٌّ، ولكن أي رد ونحن مشرذمون كل هذه الشرذمة، ومتخبطون كل هذا التخبط، وضائعون كل هذا الضياع؟
التداول يعزز لديّ أن مواقع التواصل على أهميتها أحياناً، ولكنها، والحق يقال، وللأسف الشديد، خربت بيت آلاف البشر، إن لم يكن ملايينهم، ممن يظلون يجرّبون حظهم عليها، هذا المنشور زبط لأ ما زبط، طب خلينا نجرّب غيره، وبين هذا زبط وهذا ما زبط، ينشرون بغوغائية وغباء وفوضى عارمة وهبلٍ عجيب، كل ما يخطر وما لا يخطر على بال أحد.
المؤسف حقّاً أن عدداً من الأصدقاء (المثقفين) انزلقوا مع المنزلقين، فما قيمة الفكر إن لم يثقّف مواقفنا (الثقافة من ثَقَفَ الرمح أي جعله حاداً، مَضّاءً، واضحَ الوِجهة، حاسمَ المُراد، أكيدَ البوصلة)؟ وكيف يطالب بعضنا بأسبقيتنا عن غيرنا، إن كنا مع أول هرولة جماعية لا عقلانية (قطيعية) نتحوّل إلى مجرد هيولا ضبابية هلامية بلا أي ملامح وسط القطيع؟
نيسان ـ نشر في 2020/02/24 الساعة 00:00