حكوماتنا وعنق الزجاجة ومواعيد عرقوب

محمد فالح النوافعة
نيسان ـ نشر في 2020/05/15 الساعة 00:00
مواعيد عرقوب مثلا توارثته الأجيال على إمتداد مساحة الوطن العربي ، وفيه مافيه من إسقاط على كل من يعد أهله وذويه وصحبه بتحقيق مراد وغاية ، حيث يعد أحدهم بوعد يأخذه على نفسه طواعية في لحظة زهو خادعة مزيفة وباطلة ، مسها هبل و وهل ، يدغدغ بها العواطف والنفوس العطشى لغد مشرق ، والتى أصابها ما أصابها من الوهن والضعف والفاقة والحاجة ، يمني بها الناس الحالمة بمستقبل زاه وبراق ، وما دروا أنهم يطاردون خيط دخان ، او سراب حسبوه ماء ، يداعب ضمأهم الذي أخذ منهم كل مأخذ ، ويخادعهم كما تروغ الثعالب .
وعرقوب هو يهودي يثربي المسكن والهوى ، راح مثلا لمن يعد ولا يفي بوعده ، وبمن يقول مالا يفعل، وقد ضربته العرب وصمة عار لازمته ومن شاكله بالوعد المزيف .
وقصة المثل أن عرقوب ذات يوم أراد أن يزرع نخلة ، فطلب من أخيه أن يساعده بذلك ومناه بثمرها إن أينع وطاب قطافه ذات قيض .
فكان له ذلك وعندما أثمرت جاء أخاه ، يطلب منه ما وعده به ، فقال له عرقوب :
إنتظر يا أخي حتى تصبح بلحا ، فلما أصبحت بلحا رجع اليه الأخ مرة أخرى يطلب بلحها ، فقال عرقوب له مهلا مهلا على رسلك حتى تصبح زهوا ، فذهب اخوه وعاد بعد مدة قصيرة يطلب ما وعد به ، فقال له عرقوب : دعها تصير رطبا لذيذا ، فسال لعاب أخيه المغفل ، وعندما صارت رطبا جاء الأخ لعرقوب يطلب ما وعده به تارة أخرى ، فما كان من عرقوب الا ان قال له : دعها الى ان تصير تمرا ، فإمتثل الأخ لعرقوب ومواعيده .
وذات ليلة خلت منها النفوس الحالمة ، صعد عرقوب النخلة وقطف تمرها ، وعندما عاده الأخ ورأى النخلة قد تعرت من ثمرها الشهد ، ولا يوجد عليها شيء يكحل عينيه به، ويشفي لعاب ريقه السيال دفقه شوقا لطرحها ، وكأنها لم تحمل ثمرا ذات يوم ، أو لم تغنى بالأمس ، عرف أن عرقوب قد فعلها خلسة بليل بهيم ،على حين غفلة منه ، فلم يفي بوعده فحزن لما آل إليه الحال والمآل من حنث عرقوب .
قصة هذا المثل ذكرتني بحكوماتنا التي لطالما وعدتنا بالخروج من عنق الزجاجة ، التي شمروا له عن سواعدهم ، وراحوا يغازلونا بذلك من كل محفل طلوا به علينا ومنونا بالأماني وحلو الأيام القادمة ، وفرشوا لنا الأرض سهلا حريرا حف بالورد والياسمين ، ووعدونا بالشهد المصفى ، وخزائن كسرى بحليها وأساورها وووووو .
نعم تفننت حكوماتنا بألاعيب عرقوب على حين غفلة منا وسذاجة أصابتنا ، فخلفت وعودها كما عرقوب يوما ، يوم ان ضربها لحنا يغنى بين العرب ، وكأني بها تعزف سيمفونية لمغناة من فم لفم ومن يد ليد تدار ، توارثتها كابر عن كابر ، ونحن لها نعزف مصدقينا ، ولسنا بالمكذبين لها قولا وخطابا .

حلمنا بتمر عرقوب ولذيذ طعمه ، وما درينا أنها إختصته لنفسها وزبانيتها في غفلة منا ، وليتها ما خطت ولا تعشمنا .

قال تعالى: { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا } صدق الله العظيم .

وقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان»
وكأني بالاشجعي كان مستشرفا لحكوماتنا وما تعدنا به جهارا نهارا :
وعدت وكان الخلف منك سجية
مواعيد عرقوب اخاه بيثرب
حتى ناصره كعب بن زهير حمية لنا وفزعة في بانت سعاد :
ولا تمسك بالعهد الذي زعمت
إلا كما يمسك الماء العرابيل
فلا يغرنك ما منت وما وعدت
إن الأماني والأحلام تضليل
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا
وما مواعيدها إلا الأباطيل
وقال أحدهم :
أمنجز أنتم وعدا وثقت به
أم اقتفيتم جميعا نهج عرقوب
الله غالب.
    نيسان ـ نشر في 2020/05/15 الساعة 00:00