من قال إنها 'ذكريات زمن جميل'..؟

لقمان اسكندر
نيسان ـ نشر في 2020/07/21 الساعة 00:00
في تمام هذا الحر، وتحديدا في ساعة لهّابة، كان النوم على البلاط، بعد "شطفة" ما بعد الظهيرة، لذة لا يتممها إلا أن يأتي اخوك لاعبا، ويسكب عليك ما تبقى من الماء الذي شربه. تنتفض، غير أنك تتلذذ بالرذاذ البارد.
هذه ليست ذكريات لزمن جميل. لم يكن الزمن حينها جميلا. فقط كنا أصغر. كان الصغر هو الجميل. فيما المستقبل ما زال بعيدا، بهمّه، وغمّه.
لهذا، أشعر بالتوتر كلما سمعت متغزلا بكلمة "ذكريات الزمن الجميل". فأي جمال كان. وكيف قدّر أول من كتب جملة: "ذكريات الزمن الجميل"! وكيف فكّر من صدقه! وكيف راق له من قلّده! ثم تجد من تنهّد وجعا يريد عودة ذاك الزمن.
من قال إنه كان جميلا؟ كل ما هنالك أننا كنا أصغر. هذا هو الجميل.
في العادة، هم يخطّون عن ذاك الزمان قصصا من ألف ليلة وليلة. قصص بالأبيض والأسود. تريد أن تخدعك، وهي تقول لك: إننا كنا أنقى، وأطهر. وهذا ليس صحيحا.
لن يخطر في رأسك "البلاوي" التي كانت. أما أبناء ذاك "الزمن الجميل"، فباتوا فيحملون "بلاويه" محمل "الجمال"، في زخرفة لاحقة.
في ذاك الزمن كانت الهزائم تمر من تحت أقدامنا، ثم نصفّق لها انتصارا. أليس هذا من أسس للعفن الذي نحن فيه اليوم.
في تمام هذا الحر، وتحديدا في ساعة ساكنة، سكون أوراق الشجر الآن،
كبرنا. نحن جيل سقوط بغداد، وضحايا خراب دمشق وعطش القاهرة، وأبناء جائحة لم تبق ولم تذر.
تخيلوا لو تفوّه، بعد أربعين عاما، شاب في العشرين من عمره الان، فقال: "إيييه على ذكريات الزمن الجميل". يعني أحداث اليوم. هو سيقولها حينها، متحسّرا على ما مضى من شبابه. وحينها لن يجد كهول اليوم، ليعقّبوا عليه. ربما هم لو سمعوه لقفزوا من قبورهم غضبا، صارخين: متى كان جميلا يا رجل!
    نيسان ـ نشر في 2020/07/21 الساعة 00:00