الوجه الآخر للإحتفالات

ممدوح الولي
نيسان ـ نشر في 2015/08/07 الساعة 00:00
قبل أيام اضطرنى شدة مرض والدتى بدمياط ، الى سرعة السفر ليلا عن طريق الإسماعيلية بورسعيد ، وبعد بوابة الرسوم بالإسماعيلية لاحظت إنارة غير عادية بالطريق ، فظننت أنها لمسافة محدودة بعد محطة الرسوم ، مثما هو الحال عند المرور بمدينة العاشر من رمضان . لكن الإضاءة المبهرة استمرت ، وحاولت رصد لمبة واحدة مطفأة فى عمود إضاءة، لكن محاولاتى باءت بالفشل ، فجميع اللمبات ، ولا أقولالأعمدة مضاءة بلا استثناء، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أصبحت خدمات الطريق مزدوجة ، ما بين رصف جديد وخطوط بيضاء تفصل بين حارات الطريق المتعددة . وعلامات عين الصقر العاكسة للضوء التى تحدد جانبىالطريق ، وحاجز خرسانى يحول دون وصول الأنوار المبهرة القادمة من الإتجاه العاكس ، وفى مسافات عديدة كان هناك تطعيم للحاجز الخرسانى بعلامات عين الصقر العاكسة للضوء ، للحيلولة دون الاقتراب منالحاجز الخرسانى . والمفاجأة أن تلك الخدمات المتعددة استمرت من بوابة الرسوم وحتى مدينة الاسماعيلية لعشرات الكيلو مترات ، احتفلات بافتتاح تفريعة قناة السويس ، لكنه بمجرد خروجى من مدينة الاسماعيلية ، متجها الى مدينة القنطرة غرب فى طريقى الى بورسعيد ، انقلبت الأمور تماما ، حيث لا يوجد عمود إضاءة ولا لمبة مضيئة واحدة ، وبعد أن كنت أترصد وجود لمبة غير مضيئة ،أصبحت أبحث عن لمبة واحدة مضاءة فلا أجد . رغم أننى ما زلت فى حدود محافظة الاسماعيلية الجغرافية ، ومدينة القنطرة غرب ملاصقةلمجرى القناة التى نحتفل بها ، واستمر الحال هكذا ما بين مدينة الاسماعيلية ومدينة القنطرة غرب ، وتوالت المفاجآت مع استمرار غياب الإضاءة فىالطريق ما بين القنطرة وبورسعيد ، بل وحتى دمياط ، واكتمل المشهد العكسى لغياب الخدمات . فلا وجود للحارات المتعددة للطريق مثلما كانت بعد بوابة الرسوم ، ولا وجود للخطوط البيضاء المحددة للحارات ، وبالطبع لا وجود لعلامات عين الصقر العاكسة للضوء ، وزادت صعوبة مهمتى لإكمال السير فى تلك الأجواء المرعبة ، ولا سبيل لدى سوى الدعاء المستمر بالنجاة . وشاء القدر أن أعود من دمياط للقاهرة ليلا أيضا ، لتزداد معاناتى فىالمسافة من دمياط وحتىالاسماعيلية ، من انعدام الإضاءة والخطوط البيضاء ، وزاد الأمر خطورة بوجود عمليات اصلاح بالطريق دون تنبيه كاف ، والمعاناة من المطبات المفاجئة خاصة ما بين بورسعيد وحتى القنطرة غرب . وبعد أن نجانى الله من تلك العملية الانتحارية المسماة بالسفر ليلا ، أخذت التساؤلات تتداعى الى ذهنى ، هل المواطن المقيم بمدينة الاساعيلية درجة أولى ، والمقيم بمدن وقرى المحافظة الأخرى درجة ثالثة ؟ ألم يسافر محافظ بورسعيد الحالى أو من سبقوه ليلا ذات مرة ، سواء قاصدا القاهرة أو عائدا منها عبر هذا الطريق الذى لا بديل له ؟ ألم يستخدم محافظ دمياط الحالى ومن سبقوه هذا الطريق ، وشاهدوا مخاطره . ألم يكن حتى من باب التكافل وتعميم الفرحة ، توزيع الإضاءة المكثفة من بوابة الرسوم وحتى مدينة الاسماعيلية ، على باقى مسافات الطريق حتى دمياط ، واذا كان المواطنين لا حقوق لهم فى بلادنا فيما بعد الثالث من يوليو 2013 ، فإن شعارات الإستثمار بمدن القناة لن تتحقق ، عندما يجرب رجال الأعمال استخدام طريق القاهرة بورسيعد ليلا . ولأن المصريين عليهم الصبر والتحمل ، لكن ما ذنب الأجانب الذين يأتون للسياحة عبر سفن قناة السويس ،حيث ينزل السياح القادمون من إتجاه الجنوب بميناء السويس ، ليستقلوا سيارات أتوبيسلرؤية الأهرامات ، ثم الاتجاه للحاق بالسفينة ببورسعيد . أو ينزل القادمون من اتجاه الشمال الى ميناء بورسعيد ، ويستقلون اتوبيسات لرؤية الأهرامات ، والعودة الى السويس للحاق بسفينتهم ، وهو ما يعنى استخدام السياح طريق القاهرة بورسعيد الملىء بالمخاطر سواء فى الذهاب للأهراماتأو بالعودة منها ، مما يزيد من فرص حوادث السير التى تتعرض لهاالأتوبيسات السياحية ، وتحول دون قدوم الكثيرين منهم الى مصر . وأفقت من تساؤلاتى وأسرتى تبحث عن ممرضة أو ممرض ليلا لتركب جهاز المحلول للمريضة ، فلا يجدون رغم اغراءات دفع أى مقابل مادى ، لتنتظر المريضة حتى الصباح ، وأعرف منهم أنهم لجأوا الى النجدة ثمالى أحد مراسلى الصحف كواسطة ، لإحضار عربة اسعاف بها طبيب ،لكنه رغم صلاته بالرسميين فشل فى المهمة . وفى اليوم التالى كانت المسيرات الشبابية احتفالا بافتتاح تفريعة القناة والتى عمت كل المحافظات ، وعلمت من بعض ذوى الشأن ، أن الأمور مرتبة من قبل الأجهزة الحكومية ومراكز الشباب ومديريات الشباب والرياضة ، وقصور الثقافة وقيادات الحزب الوطنى ، مع طلب جهات رسمية من أصحاب المحلات تعليق لافتات و نشر اعلانات تهنئة وترحيب وتأييد . وعادت التساؤلات تجول بخاطرى هل يمكن أن يفرح ملايين العاطلين وأسرهم بتلك الإحتفالات ، أو المرضى الذين لا يجدون الدواء بالمستشفيات ، أو الذين لا يجدون الحضانات لأطفالهم المولودين بالمستشفيات أو الذين يعيشون بالعشش والمقابر ، أو الذين يعانون من تدنى قيمة المعاشات . وهم يسمعون عن عشرات الملايين التى تم انفاقها سواء على مراسم الحفل الرئيسى ، أو على احتفالات المحافظات ، أو على النشر بالصحف العالمية أو بالصحف ووسائل الاعلام المحلية، ألم يكن الأولى إنفاق تلك الملايين على مشروعات خدمية أو انتاجية ؟ خاصة ونحن نعانى من عجز مزمن بالموازنة وديون داخلية وخارجية هائلة ، سيقول البعض ولكن جانب كبير من ذلك الإنفاق من تبرعات رجال أعمال وشركات وبنوك، وينسى هؤلاء أنه يتم خصم تلك التبرعات من وعائهم الضريبى ، أى أن الموازنة المصابة بالعجز ستفقد ايرادات كانت ستتوجه الى أمور أكثر جدوى . واذا كان الموظفين سعداء بيوم الأجازة ، فهناك أصحاب مصالح تعطلت واقتصاد خسر ناتجا اجماليا بالمليارات ، وهذاالسخاء فى مجانية ركوب القطارات فى ظل خسائر بالمليارات للسكة الحديد مما دفع الى زيادة قيمة التذاكر ، وركوب مجانى للمترو رغم خسائره وركوب مجانى للأتوبيسات رغم خسائر النقل العام . واذا كان المقيمين بالقاهرة قد استفادوا بالركوب المجانى للمترو والأتوبيسات ، فهل عوضنا مواطنى بحرى وقبلى عن حرمانهم من تلك الخدمات المجانية ؟ وحتى لا تطول لا تطول قائمة البدائل التى كان يمكن انفاقها ، سواء على الخدمات المتدهورة من طرق سيئة ، ووحدات صحية تنقصها الإمكانات، ومدارس آيلة للسقوط وقرى بلا مياه شرب نقية أو صرف صحى ، أو غير ذلك من الخدمات الناقصة بالقرى والعشوائيات . وجدتنى أتذكر المثل الشعبى "إللى يحتاجه البيت يحرم على الجامع" ، لكن جاء مثل شعبى آخر ليفرض نفسه على واقع الحال ، وهو الذى يقول" زغرطى يا للى منتيش غرمانة " . مصر العربية
    نيسان ـ نشر في 2015/08/07 الساعة 00:00