من دفاتر أحوالنا !
نيسان ـ نشر في 2015/08/16 الساعة 00:00
( 1 )
إذا كان صحيحا ً أن ّ أمّة العرب أهرقت مئات آلاف الأطنان من الحبر و الورق للكتابة ولتسويد الصفحات، فإن ّ الحبر في مجمله والورق في أغلب صفحاته استُهلك لكتابة الشتائم على أشكال عديدة وقد تكون جاءت بصيغ ٍ بدت للوهلة الأولى انـّها كتابات تدافع عن الحق والخير والحرية !
... العرب أهرقوا الحبر كله والورق كله لإعادة إنتاج وتدوير صور الشتيمة فجاءت على صيغ و أشكال :
نميمة وفساد ومكيدة وضغينة وتدابير نكاية وحقد ووشايات وحلقات رقص ومنافع وضحك على الذقون وتجميل القبح و"تقبيح الجمال" والندب والشكوى والبحث عن فراغ لملء الفراغ
وهكذا !
وهكذا راح حبرنا مع الورق في أودية الكلام، فيما انتصر الكلام القليل في صفحات الآخرين .
( 2 )
طالما ، ظلّت وظيفة الجمهور العربيّ محصورة في رفع اللافتات و توضيب منصّات الخطابة في المسارح لكي يهتف منها عابرو مواقف ، فإن ّ الأحوال ليست بخير وربـّما تدنـّت سلوكات وقيم الوعي والحريـّّة وتراجعت لصالح قيم استهلاكيّة يفرضها الذين يحتلّون الواجهات و يقفزون إلى الصفوف الأولى في المواسم !
..
الذي يقف فوق المسرح لغايات الهتاف ، في الأغلب الأعم يرى ويراقب رؤوس الحاضرين والمتفرجين و لا يرى وجوههم أو هو لا يستطيع التمعّن فيها .
..
هل يمكن أن ينزاح الجمهور كلّه إلى جهة الانقياد و ممارسة دور " رافع اللافتة / حامل المقاعد / موزّع البطاقات التي تحمل أرقام الهواتف لغايات ضبط مواعيد الاستجداء " ؟
..
هل فقد الجمهور توازنه ؟!
أم أن ّ الفاعل المؤثـّر سطا بطغيان حضوره فأصاب الناس بــ ِ عمى الألوان ؟
..
هل ؟
و ..
كيف يمكن أن تتبدّل وظيفة الجمهور العربيّ و تتبدّل من اللطم والهتاف والأكل والنميمة والفرجة والردح والصراخ
و تدبير المكائد و التصيّد في الماء العكرة و الرقص في العتمة و .......... إلى أدوار أخرى تصنع الحياة و تزرع النبت و تسقي الورد و تصنع الخبز بقمح البلاد ؟
( 3 )
أسوأ ما في الأمر ، في كل حال ، أن تـُدار حلقات العلم بلا علماء و حلقات الشعر بلا شعراء و حلقات الفكر بلا مفكرين و حلقات التقوى بلا تقاة !
تماماً ، مثلما يحدث كثيرا ً حين تُدار حلقات الحديث عن أحوال المرأة وحقوقها ومشكلاتها ، من دون حضور للمرأة .. أو أن تُعقد الحلقات للحديث عن " مرض محدّد " من دون حضور مرضى .
..
المشكلة فينا أننا نتحدث عن الآخر في غياب الآخر نفسه .. أو نتحدث عن أزمة في غياب عنوانها .
نيسان ـ نشر في 2015/08/16 الساعة 00:00