الزبن: لا حيتان في المملكة بل هناك ثعالب جبانة
نيسان ـ نشر في 2015/04/12 الساعة 00:00
يا يُمّه لن تدخل أي بضاعة تضر بك
طبيعة الأردن وعادة المجتمع على الواسطة تعيق عمل المؤسسة
على الشعب الأردني أن يحاسبني إذا قصرت
الأردنيون هلي .. (قالها باللهجة البدوية) .. ومن يغدر بأهله ليس إنساناً
ابراهيم قبيلات ولقمان إسكندر
وكأنه خرج من حقبة الخمسينيات والستينيات على غفلة من الناس. رجل ناصع الشفافية، تدرك من فورك حين تدخل مكتبه، أنه مكان للعمل وليس لـ"الفشخرة"، إنه حيدر الزبن، مدير مؤسسة المواصفات والمقاييس.
يندر أن تقع عيناك على أحد محل ترحاب جميع الأردنيين. بابه مفتوح، وعيناه تراقب كل ما يدخل المملكة، يسنده في ذلك رهانه على الشارع.
ببساطة يقدم استقالته مبكراً لكل وزير جديد، قائلاً له : أمامك خياران؛ أن لا تتدخل في عمل المؤسسة أو أن تحيلني إلى التقاعد. خياران لا ثالث لهما.
الكثير من العناوين خرجنا بها من المقابلة، وكلها تلخص سيرة الرجل المهنية، وتضعه مباشرة مع الناس، من دون تجميل. على العموم سنترك لكم الحوار كما هو:
نيسان: ما الذي فعلته حتى دخلت قلوب الأردنيين؟
أعتقد أن وصولي إلى قلوب الأردنيين لأنهم رأوا ماذا فعلت على أرض الواقع. واستطاعت مؤسسة المواصفات والمقاييس بناء حالة من الثقة مع الناس. أستطيع القول أن "المواصفات" أعادت الثقة إلى السلطة التنفيذية وقللت من الفجوة الكبيرة الواقعة بين السلطة التنفيذية والتشريعية.
الشعب في السنوات الأخيرة فقد الثقة بمؤسسات الدولة، وهي مؤسسات أنشئت لتحمي المواطن. لقد كان للراحل الكبير الملك الحسين رحمه الله نظرة ثاقبة؛ بحيث انشأ مؤسسة المواصفات والمقاييس.
أخذت مؤسسة المواصفات على عاتقها حماية صحة وسلامة المواطن، بالمعنى المطلق، وحماية حقوقه وبيئته.
المؤسسة تعدّ مواصفات قياسية، تضع الشروط التي يجب أن تتوفر بالمنتج. وهذه الشروط ضمن المواصفات الدولية، فنحن أعضاء في المنظمة الدولية.
واجب مؤسسة المواصفات أن تكيف المنتج مع الواقع الأردني. وعلى رأس شروطها أن تكون آمنة للاستخدام وان تكون ذات جودة، وأن تكون لمصلحة المواطن. وتطبيقها على أرض الواقع هذا ما كان ينقصنا. فالمواصفة بحد ذاتها موجودة.
وفي العادة يختلف التطبيق من دولة إلى أخرى، فدول الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن تسمح لمنتج مخالف بالدخول، وكذلك اليابان.
هناك جزء من الأشخاص لا يتجاوزن أصابع اليد، هم ليسوا تجاراً، بمعنى أنه ليس مستورداً حقيقياً، وعند ذهابه إلى أي دولة ويجد بضائع غير مطابقة للمواصفات، يحاول إدخالها إلى الأسواق الأردنية، وتتصدّى لهم المؤسسة بالقانون.
لا يوجد منتَج - وهذا المهم – ليس له تأثير على صحة وسلامة الإنسان. إذا تحدثنا كانت الأدوات الكهربائية غير مطابقة للقاعدة الفنية يمكن أن تؤذي المستهلك، وكذلك الملابس وكل ما يتعلق بحياة الإنسان.
المهم هنا أن المواصفة القياسية ليست من الشروط المثلى، بل هي الحد الأدنى المطلوب لحماية المواطن.
نيسان: أنت (نكلت) بكل الفاسدين.. من يحميك؟ وعلى أي جدار تستند؟
أنا لم انكّل بأحد..ولا يوجد عندي مافيات، لدي قانون وأعمل على تطبيقه، الدولة والحكومة مجبرة على تطبيق قوانينها التي تحمي صحة وسلامة المواطنين.
أنت تقول أنا (نكّلت).. أنا ما نكلت بأحد، أنا طالبت بتطبيق القانون، مثلي مثل أي دولة تحترم شعبها، وحصل ما حصل أني (أنكّل) في البعض، والبعض ادّعى أني أعطل الاستثمار، واني أعيد بضائع.. لا نسمح بدخول بضائع غير مطابقة للقواعد الفنية .. (نقطة أول السطر).
نيسان: من معك ؟.
أولا؛ معي جلالة الملك، ومعي كل الأردنيين.
ثانياً؛ نحن تربينا أن المواطن خط أحمر مقدّس، المواطن داعم أساسي وحقيقي لكل من يريد أن يعمل لمصلحته ومصلحة وطنه.
ثالثا؛ البضائع التي يراد إدخالها، وهي غير مطابقة للمواصفات تؤثر على ميزان العجز التجاري؛ لذا فالحماية للجميع.
نيسان: هل البضائع الصينية ذات السمعة السيئة مطابقة للمواصفات الأردنية؟
دعنا نتفق أولا أن بضائع الصين غزت العالم كله، ومن بينها أوروبا والولايات المتحدة. لكن هناك دولاً لا يوجد لديها قناعة لحماية مواطنها، وتدخل بضائع غير صالحة بناء على طلب المستورد. وهذا ما قاله لي السفير الصيني، وأقول لك إننا منعنا البضائع الصينية الرديئة.
وفي عام 2012م كان لدينا أكثر من 60% من المستوردات الأردنية من الخارج غير مطابقة للمواصفات والمقاييس، لكن في عام 2014 هبطت المخالفات نصف في المائة.
اليوم علينا أن نثق بمؤسسة المواصفات والمقاييس، ومؤسسة الغذاء والدواء، وعلينا أن نثق بالحكومات.
تعرف أننا بشر والبشر يخطئون، بعض الموظفين لدينا يخطئ، لكن من يخطئ يحاسب؛ لذلك حصلنا على جائزة الملك عبدالله للتميز وبدأت المؤسسة تطبيق الشروط، وبات التاجر والمستورد سعيدان بتطبيقنا القانون.
نيسان: ما هي المعركة التي انتصرت بها؟
إذا قلت لك معركة واحدة سأكون مخطئ.
نيسان: أعني معركة ضخمة ناضلت لتحقق فيها القوانين.
أولا الزيوت المعدنية، حيث كانت تأتي زيوت معدنية غير مطابقة للمواصفة، وكان هناك خطر كبير على حياة المواطنين، خاصة أنها تدخل في صناعة مكابح السيارات، وكانت تحوي مادة ديزل، واستطعت الانتصار بتطبيق القوانين.
وكذلك الأمر في ملف إطارات السيارات. لكن المعركة الكبيرة كانت في ساحة اسطوانات الغاز المعروفة لدى الأردنيين.
نيسان: ماذا عن المعركة التي هزمت فيها؟
لا يوجد. أنا لا أدخل معركة خاسرة. لكن يجب تطبيق القواعد الفنية؛ خدمة لصحة المواطنين وحياتهم وأموالهم.
نيسان: بماذا مشغول هذه الأيام؟
أعمل على أن تكون الأدوات الكهربائية المنزلية المستخدمة في المنازل من الأدوات الموفرة للطاقة، بحيث سنوفر وفق الدراسات 500 مليون دولار سنوياً، إذا ما استخدمنا تسعة أجهزة موفرة للطاقة وهي: (الثلاجات، والغسالات، والفريزرات. والنشافات، والسشوار، الأفران، والمايكرويف، والجلايات الدوارة)، وبعد 1/7/2015 لن يسمح بدخول المكيفات إلا أن تكون موفرة للطاقة.
نيسان: ماذا تقول للمواطن؟.
أنا وعدت المواطن أكثر من مرة. وقلت مطمئناً كل أم أردنية : يا يُمّه لن أسمح بدخول أي بضاعة تضر بك أو بغيرك. والله لن أسمح.
نيسان: هل تشعر بأن الحكومة تعيق عملك؟
طبيعة الأردن وعادة المجتمع على الوساطة، خلقت إعاقة للمؤسسة. الصحيح أن المعلومات المتعلقة بالمعاملات في كثير من الأحيان تنقل إلى الوزير أو النائب أو شيخ العشيرة أو ذوي القربى أو الصديق بصورة مغلوطة، وعندما نضعه في صورة الأمر يقف موقفنا.
نيسان: هل من تدخلات لمتنفذين؟
أريحك كثير. لكن لا أحد فوق القانون، وسأستقيل من منصبي إذا لم استطع حماية الأردنيين.
نحن في الأردن، لا يوجد حيتان، وطبيعة الأردن الصحراوية لا تسمح بوجود حيتان، هناك ثعالب جبانة. لا يوجد أحد يمكن له أن يجبر المؤسسة على تمرير معاملته.
نيسان: أنت لوحت كثيرا بالاستقالة..
لم ألوح بها.. بل قدمتها مسبقاً لكل وزير للصناعة والتجارة جديد، لأنه هو من يتعرض للضغط جراء عمل مؤسسة المواصفات والمقاييس، بصفته رئيساً لمجلس الإدارة.
وأقول له: هذا طلب إحالتي على التقاعد أو أن لا تتدخل في عمل مؤسسة المواصفات. وعلى الشعب الأردني أن يحاسبني إذا قصرت وعلى الملأ.
الأردنيون هَلي .. (قالها باللهجة البدوية) .. ومن يغدر بأهله ليس إنساناً. أنا شخص لدي كرامة وقيم ولا استطيع التخلي عنها.
نيسان: ما الموقف الطريف الذي وقعت فيه خلال عملك في المؤسسة؟
كان لي صديق أراد أن يمرر معاملة له غير قانونية. فرفضت وأغلقت مؤسسته، وتسبب لي ذلك بأنه لم يعد يتحدث معي.
نيسان ـ نشر في 2015/04/12 الساعة 00:00