(مارشال) العربي
نيسان ـ نشر في 2015/08/17 الساعة 00:00
إذا صح ما نشر عن الاتجاه إلى وضع خطة لإعادة بناء ما تهدم فى بعض دول الربيع العربى، فإننا نصبح بإزاء بادرة إيجابية فى الوقت المناسب. أتحدث عن التقرير الذى نشرته صحيفة «الشروق» يوم السبت الماضى (١٥/٨)، الذى تحدث عن خطة «مارشال» التى طرحتها دولة الإمارات وهى الآن بصدد التشاور مع البنك الدولى لإطلاقها، حيث قيل إنها تشمل فى مرحلتها الأولى إعادة إعمار ثلاث دول هى سوريا واليمن وليبيا. وإذ أشار التقرير إلى أن الخطة ستتكلف عشرة مليارات دولار، فإن البعض يرى أنها قد تتكلف ضعف ذلك المبلغ. وفيما فهمت من الكلام المنشور فإن طرح الفكرة تزامن مع ما تردد عن قرب التوصل إلى تسوية سياسية فى كل من سوريا واليمن، وأن شمول المشروع للوضع الليبى وثيق الصلة بنتائج المشاورات الجارية الآن بين السعودية وقطر لمحاولة إنجاح الجهود الرامية لاستقرار الوضع الليبى وإنجاح التسوية السياسية بين الفرقاء المتصارعين هناك.
إشارة التقرير إلى خطة مارشال تتضمن إحالة تستلهم فكرة المشروع الذى أطلقه الجنرال جورج مارشال رئيس أركان الجيش الأمريكى لإعادة تعمير أوروبا بعد الدمار الذى حل بها أثناء الحرب العالمية الثانية، وقد أعلن الرجل عن مشروعه من جامعة هارفارد فى عام ١٩٤٧، بعدما عين وزيرا للخارجية. وتحدث عن ١٣ مليار دولار تسهم فيها الحكومات الأوروبية لانعاش اقتصاد القارة المنهار. وهو المشروع الذى لايزال يثير اللغط بين الباحثين، الذين يرى بعضهم انه انعش الاقتصاد الأوروبى حقا، فى حين ذهب آخرون إلى أن الولايات المتحدة أرادت به وقف المد الثورى الذى ظهرت تجلياته فى فرنسا وإيطاليا، إلى جانب بسط الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على أوروبا وتنصيب الدولار سيدا على القارة. ورغم ان الاتجاه الأول رصد النتائج التى تحققت فى حين ان أصحاب الرأى الآخر ركزوا على ا لنوايا والمقاصد، إلا أن الثابت أن المبالغ التى جرى انفاقها فى أوروبا وقتذاك كان لها إسهامها الذى لا ينكر فى إنعاش اقتصاد القارة.
قلت إن المبادرة الإماراتية جاءت فى الوقت المناسب، ذلك أن الدمار الذى ترتب على الصراعات فى الدول الثلاث التى سبق ذكرها أعادها مائة سنة إلى الوراء، ناهيك عن أنه أوقع بعضا من الخسائر التى لا يمكن تعويضها، وهى تلك التى أدت إلى تدمير الآثار بأيدى بعض الجهلاء أو نهبها بواسطة اللصوص وعصابات الاتجار فيها. وهذا الدمار لم يصب العمران فقط ولكنه أصاب الاقتصاد أيضا ــ الأمر الذى يعنى أن علاجه قد يستغرق عقودا، أما معاناة الناس بسببه فمما يصعب احتماله أو استمراره.
لدى ملاحظة تتعلق بخلفية المبادرة وأخرى تنصب على آلية تنفيذها. وهو مما لا ينبغى أن يقلل من الحفاوة بها أو من تقدير مشاعر النخوة والشعور بالمسئولية التى تكمن وراءها. وما دعانى إلى التطرق إلى الخلفية أننى لاحظت فى التقرير الذى نشرته جريدة «الشروق» أن الدول العربية الثلاث التى أشير إليها دمرت بسبب الربيع العربى، ورغم أن ذلك التوصيف يمكن ان ينسب إلى الجريدة وليس إلى دولة الإمارات إلا أنه مع ذلك يستحق المراجعة والتصويب. خصوصا ان ثمة أصواتا تتردد فى العالم العربى تحاول تشويه الربيع العربى وتصنف حراك الشباب وانتفاضة الجماهير بحسبانها نكسة حينا ومؤامرة حينا آخر، وفى بعض الدول العربية من يحرض على وصفه بأنه «خريف» أو «خراب» عربى. وحقيقة الأمر ان الدمار لم يحدث بسبب الربيع، ولكنه كان من فعل الاستبداد والطغيان العربى. فالمظاهرات التى خرجت منادية بالتغيير كانت كلها سلمية والهتافات والشعارات التى ترددت أطلقها أناس عزل لم يحملوا سلاحا، وما خطر ببالهم ان يريقوا دما. لكن الأنظمة المستبدة التى تملك السلاح ولديها رصيدها من الشبيحة والبلطجية والقناصة هى التى قاومت الجماهير وأصرت على قمعها وسحقها. فالذى دمر سوريا هو نظام الرئيس الأسد والذى دمر ليبيا هو العقيد القذافى والذى أشاع الخراب والفوضى فى اليمن هو نظام الرئيس السابق على عبدالله صالح الذى تحالف مع الحوثيين وشجعهم على الاستيلاء على صنعاء والزحف إلى عدن. ولن أتحدث عن الخراب الذى أحدثه نظام مبارك فى مصر أو نظام بن على فى تونس أو الاحتلال أمريكى فى العراق. الشاهد والخلاصة أن الربيع العربى برىء من الدمار الذى حدث فى أى قطر عربى، ولكن الظلم والاستبداد هو الذى أدى إلى فساد العمران، كما قال ابن خلدون بحق.
أما فى تنفيذ المبادرة فينبغى أن يحسب إطلاقها حقا للدولة الإمارات لكننى أزعم أن تبنيها من جانب مجلس التعاون الخليجى أو الجامعة العربية يمكن ان يكون أصوب وأحكم. ليس فقط لأن العبء ثقيل وليس من العدل أن تحمله دولة واحدة أو اثنتان. ولكن أيضا لأن هذه فرصة تاريخية لتفعيل التعاون الخليجى وتعزيز دوره فى النهوض بالمنطقة. وللعلم فإن مشروع الإنعاش الأوروبى كان اقتراحا أمريكيا حقا، لكن حكومات الدول الأوروبية أسهمت فيه وكان لها دورها فى تمويله وإنجاحه، وإضافة إلى ذلك فإن الانعاش المنشود للدول الثلاث يتطلب إلى جانب التمويل خبرات وكفاءات بشرية، لا تستطيع دولة الإمارات ان توفرها من خلال كوادرها.
إننا أمام تحد كبير يتطلب انجازه وقتا طويلا، لكن الإعداد الجيد له كفيل بتحقيق الإنعاش المطلوب إذا أخذت خطوات التنفيذ على محمل الجد. وفى هذه الحالة فإن المردود سوف يتجاوز الدول الثلاث ليشمل العالم العربى بأسره. علما بأن الحرب على الفساد وإنعاش الاقتصاد المؤدى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية كان ولايزال بين أهداف الربيع العربى.
نيسان ـ نشر في 2015/08/17 الساعة 00:00