وصفي التل الحقيقة والصدى
نيسان ـ نشر في 2020/11/28 الساعة 00:00
كتبت هذا المقال في صحيفة العرب اليوم في عام ٢٠١٠بذكرى استشهاد وصفي التل في ١١/٢٩ ، عشرُ سنوات مرت على كتابته تعاظمت خلالها التيارات الشعبية التي تستحضر صورته كرجل دولة حقيقي جسد دور رئيس الوزراء في الولاية العامة للحكومة في كل شأن داخلي وخارجي منحه لها الدستور . لم يكن وصفي رئيساً منتخبا ولا ممثلا لأغلبية نيابية لكنه جاء من قوة شعبيته كصاحب فكر وارادة وطنية قوية .. وفِي وعي الاردنيين اليوم لا يمثل وصفي جزءاً من تاريخهم فحسب ، انما هو تجسيد لصورة احلامهم في رؤية رجال دولة امثاله يجلسون على مقعد رئيس الوزراء . انها احلام تعبر عن ظاهرة احتجاجية تتسع بين صفوف الاردنيين من وجود حكومات تخلت عن سلطاتها الدستورية منذ ان زحف الليبراليون الجدد الى فكر الدولة فجردوها من جزء كبير من ولايتها العامة في السياسة الداخلية والخارجية واضحت سياسة بلا روح و بلا عقيدة تذكي هذه الروح التي بدونها تفقد الحكومة جسورها مع الشعب وتفقد قوتها وهيبتها امام تحديات الداخل والخارج .
نص المقال:
يبحث كثير من الاردنيين في الجذور لاتخاذ مواقف من بعض ما يجري على الساحة السياسية في البلاد, من هذه الزاوية نفهم ظاهرة الاهتمام على مستوى النخبة بإحياء ذكرى الشهيد وصفي التل, ظاهرة بدأت بالتنامي والاتساع خلال العامين الماضيين.
الاحتفال الاخير بهذه الذكرى, الذي أُقيم في المركز الثقافي وحضرته نخبة من رجالات الدولة السابقين, يعكس هذه الظاهرة لكنه لا يحيط بكل جوانبها, فبينما كان هذا الاحتفال فرصة للمتحدثين, وهم من منابت وأصول اردنية مختلفة, لكي يسلطوا الاضواء على مواقف التل القومية وحرصه على وحدة الاردنيين, اردنيين وفلسطينيين, فان الساحة على جانب آخر, تشهد ميلاد تيارات شعبية تتخذ من الشهيد وصفي التل عنوانا لتحركها الأيديولوجي لكسب تأييد فئات واسعة من الشباب, بعضهم يشكو من البطالة, وآخرون يتذمرون من سياسات الحكم في ما يعتقدون انه اقصاء لهم ولغيرهم من المناصب العليا. غير ان ما يجري التركيز عليه في شعاراتهم هو التعبير عن الخوف والقلق على هوية الاردن ومن ان تصبح ضحية مشروع صهيوني – امريكي, قلق مشروع يستعيد كل ما تحمله طروحات »الوطن البديل« الخبيثة في الذاكرة من مشاريع صهيونية تبنتها ولا تزال احزاب اسرائيلية هي عمود ائتلاف حكومة نتنياهو.
مثل هذه التيارات النخبوية كانت محل نقد مُبطن من المتحدثين في ندوة المركز الثقافي, وهذا يعني انها موجودة بالفعل, واصبحت تلاقي صدى وتُحدث تأثيرا في اوساط شعبية في مختلف انحاء البلاد. وفي رأيي ان ما يشجع هذه الظاهرة ويزيد من رقعتها, انها تأتي كرد فعل على افكار ما يسمى بالليبراليين الجدد الذين أدخلوا مصطلحات مستوردة للانقضاض على الوعي الوطني والقومي, ومحاولة تصوير الهوية الوطنية وتراث التاريخ والحقوق على انها مجرد سوق استثماري وبورصة للبيع والشراء تماما مثل استبدال الاسهم.
علاج هذه الظاهرة, في كل الاحوال, يكمن في الاصلاح السياسي, وبفتح ابواب الديمقراطية والحريات العامة, التي يعبّر فيها الناس عن آرائهم, مهما كانت, في اطار دولة القانون, فاليمين وشعاراته المتطرفة في الديمقراطيات الغربية هو جزء من الحياة السياسية الحرة في اي بلد حر.
في ذكرى رحيل وصفي التل هذا العام, اقدم شهادتين, كنت قد ذكرت بعضها في مقالات نشرت خلال سنوات سابقة, وهي تروي ما كنت قد لمسته عن قُرب عن وصفي التل, في السنة التي تلت أيلول عام .1970
الشهادة الاولى: كان الشهيد معتزا بجوانب سيرة حياته المتعلقة بالصراع ضد المشروع الصهيوني, مؤمنا بالحل العسكري لاسترداد فلسطين, فمن انخراطه في صفوف الثوار الى انتسابه للجيش السوري, ثم سيرته العقائدية كقومي سوري, كان وصفي منشغلا بكيفية تحرير فلسطين, وهو لم يتراجع عن هذه العقيدة, حتى بعد الصدامات مع المقاومة, ولقد اطلعت على ما كتبه بخط يده من توجيهات الى المرحوم رياض المفلح, الذي رئس الوفد الاردني للتفاوض مع منظمة التحرير في مدينة جدة بالسعودية, وهي تحمل ملامح نفس الافكار والنقاط التي حملها الى مجلس وزراء الدفاع العربي في القاهرة, الذي أُغتيل اثناء مشاركته فيه.
اهم ما في المشروع نقطتان 1- السماح باعادة قواعد للفدائيين في بعض الاماكن المحددة القريبة من خط النار مع الاحتلال الاسرائيلي 2- وضع هذه القواعد تحت الحماية والاشراف المباشر للقوات الاردنية وقيادة الجبهة الشرقية (التي كانت تضم سورية والاردن).
الشهادة الثانية: ان وصفي عمل بجهد لم يتوقف بعد احداث ايلول من اجل (1) نفي صفة الحرب الاهلية عن ما جرى والتصدي لأي ممارسات واحداث قد تنشأ على خلفية اقليمية (2) سعيه الحثيث, كرئيس للوزراء, الى اعادة ترميم العلاقات الوطنية الداخلية, بين الاردنيين والاردنيين من اصل فلسطيني, فكان ان اقام »الاتحاد الوطني الاردني« لهذه الغاية كحزب وطني جامع, واسند رئاسته الى قيادة من اصل فلسطيني (مصطفى دودين) الذي خلفه فيها (جمعه حماد), وكان قد استقدم محمد كمال من بيروت لتولي ادارة التلفزيون, فيما بقي على اتصال وتواصل دائم مع المحامي المرحوم ابراهيم بكر وعدد آخر من المقربين من منظمة التحرير.
من الصعب وضع وصفي التل, الرجل والانسان, السياسي والمقاوم, في سلة أحد او تحت عباءة اي تيار. فقد كان بحجم الوطن وعلى مستوى رموز الامة, ولم يكن إلا ضحية تآمر عربي رسمي, كان المقصود منه إضعاف الاردن وحصاره. أما الذين شاركوا في اغتياله فلم يكونوا إلا مجرد ادوات.
نص المقال:
يبحث كثير من الاردنيين في الجذور لاتخاذ مواقف من بعض ما يجري على الساحة السياسية في البلاد, من هذه الزاوية نفهم ظاهرة الاهتمام على مستوى النخبة بإحياء ذكرى الشهيد وصفي التل, ظاهرة بدأت بالتنامي والاتساع خلال العامين الماضيين.
الاحتفال الاخير بهذه الذكرى, الذي أُقيم في المركز الثقافي وحضرته نخبة من رجالات الدولة السابقين, يعكس هذه الظاهرة لكنه لا يحيط بكل جوانبها, فبينما كان هذا الاحتفال فرصة للمتحدثين, وهم من منابت وأصول اردنية مختلفة, لكي يسلطوا الاضواء على مواقف التل القومية وحرصه على وحدة الاردنيين, اردنيين وفلسطينيين, فان الساحة على جانب آخر, تشهد ميلاد تيارات شعبية تتخذ من الشهيد وصفي التل عنوانا لتحركها الأيديولوجي لكسب تأييد فئات واسعة من الشباب, بعضهم يشكو من البطالة, وآخرون يتذمرون من سياسات الحكم في ما يعتقدون انه اقصاء لهم ولغيرهم من المناصب العليا. غير ان ما يجري التركيز عليه في شعاراتهم هو التعبير عن الخوف والقلق على هوية الاردن ومن ان تصبح ضحية مشروع صهيوني – امريكي, قلق مشروع يستعيد كل ما تحمله طروحات »الوطن البديل« الخبيثة في الذاكرة من مشاريع صهيونية تبنتها ولا تزال احزاب اسرائيلية هي عمود ائتلاف حكومة نتنياهو.
مثل هذه التيارات النخبوية كانت محل نقد مُبطن من المتحدثين في ندوة المركز الثقافي, وهذا يعني انها موجودة بالفعل, واصبحت تلاقي صدى وتُحدث تأثيرا في اوساط شعبية في مختلف انحاء البلاد. وفي رأيي ان ما يشجع هذه الظاهرة ويزيد من رقعتها, انها تأتي كرد فعل على افكار ما يسمى بالليبراليين الجدد الذين أدخلوا مصطلحات مستوردة للانقضاض على الوعي الوطني والقومي, ومحاولة تصوير الهوية الوطنية وتراث التاريخ والحقوق على انها مجرد سوق استثماري وبورصة للبيع والشراء تماما مثل استبدال الاسهم.
علاج هذه الظاهرة, في كل الاحوال, يكمن في الاصلاح السياسي, وبفتح ابواب الديمقراطية والحريات العامة, التي يعبّر فيها الناس عن آرائهم, مهما كانت, في اطار دولة القانون, فاليمين وشعاراته المتطرفة في الديمقراطيات الغربية هو جزء من الحياة السياسية الحرة في اي بلد حر.
في ذكرى رحيل وصفي التل هذا العام, اقدم شهادتين, كنت قد ذكرت بعضها في مقالات نشرت خلال سنوات سابقة, وهي تروي ما كنت قد لمسته عن قُرب عن وصفي التل, في السنة التي تلت أيلول عام .1970
الشهادة الاولى: كان الشهيد معتزا بجوانب سيرة حياته المتعلقة بالصراع ضد المشروع الصهيوني, مؤمنا بالحل العسكري لاسترداد فلسطين, فمن انخراطه في صفوف الثوار الى انتسابه للجيش السوري, ثم سيرته العقائدية كقومي سوري, كان وصفي منشغلا بكيفية تحرير فلسطين, وهو لم يتراجع عن هذه العقيدة, حتى بعد الصدامات مع المقاومة, ولقد اطلعت على ما كتبه بخط يده من توجيهات الى المرحوم رياض المفلح, الذي رئس الوفد الاردني للتفاوض مع منظمة التحرير في مدينة جدة بالسعودية, وهي تحمل ملامح نفس الافكار والنقاط التي حملها الى مجلس وزراء الدفاع العربي في القاهرة, الذي أُغتيل اثناء مشاركته فيه.
اهم ما في المشروع نقطتان 1- السماح باعادة قواعد للفدائيين في بعض الاماكن المحددة القريبة من خط النار مع الاحتلال الاسرائيلي 2- وضع هذه القواعد تحت الحماية والاشراف المباشر للقوات الاردنية وقيادة الجبهة الشرقية (التي كانت تضم سورية والاردن).
الشهادة الثانية: ان وصفي عمل بجهد لم يتوقف بعد احداث ايلول من اجل (1) نفي صفة الحرب الاهلية عن ما جرى والتصدي لأي ممارسات واحداث قد تنشأ على خلفية اقليمية (2) سعيه الحثيث, كرئيس للوزراء, الى اعادة ترميم العلاقات الوطنية الداخلية, بين الاردنيين والاردنيين من اصل فلسطيني, فكان ان اقام »الاتحاد الوطني الاردني« لهذه الغاية كحزب وطني جامع, واسند رئاسته الى قيادة من اصل فلسطيني (مصطفى دودين) الذي خلفه فيها (جمعه حماد), وكان قد استقدم محمد كمال من بيروت لتولي ادارة التلفزيون, فيما بقي على اتصال وتواصل دائم مع المحامي المرحوم ابراهيم بكر وعدد آخر من المقربين من منظمة التحرير.
من الصعب وضع وصفي التل, الرجل والانسان, السياسي والمقاوم, في سلة أحد او تحت عباءة اي تيار. فقد كان بحجم الوطن وعلى مستوى رموز الامة, ولم يكن إلا ضحية تآمر عربي رسمي, كان المقصود منه إضعاف الاردن وحصاره. أما الذين شاركوا في اغتياله فلم يكونوا إلا مجرد ادوات.
نيسان ـ نشر في 2020/11/28 الساعة 00:00