قصة الإنسان على هذه الارض
نيسان ـ نشر في 2021/01/02 الساعة 00:00
تزحف الأربعينية هذا العام جافة بلا مطر؛ منذرة بالمَحْل وموسم صعب، وتذكر بأربعينية حلّت قبل عقود (1973/1972) في قريتنا التي صارت مهجورة. لم يكن القمح يزرع في البورصة! ولم يكن التفاح يصنع في السوبرماركت! كان الموسم حياة أو موتا، إذا نزل المطر فالحياة جميلة ورائعة. وإذا نقص فلا زرع ولا حلال.. تموت الماشية جوعا، وتشحب وجوه الناس، إذا لا طعام سوى الخبز والزيت والشاي!
قصة الإنسان في هذا الجزء من الأرض هي قصة البرد والشتاء، فالأرض التي لا تمنح الطعام أكثر من أربعة أشهر تجعل الإنسان غير قادر على البقاء الا بالتعاون والإبداع، لم يكن المورد في الواقع سوى العقل، هكذا صار الخبز والملح والزيت والنبيذ، ثم الطرق والمدن والمقايضة والكتابة، وصُنعت سفن حمولتها 600 طن، وكان ذلك معجزة تفوق حاملة الطائرات، ثم كانت القيمة المضافة للسلع والأعمال والصناعات والحرف.. والطهو والفنون. ولشديد الأسف، فإن الإبداع لا يأتي منحة مثل الماء الذي يروي قصة الحضارة المصرية أو البابلية، ولا النفط الذي أحيا الصحراء، فهو ليس سوى توتر عقلي دائم لا يتوقف، وإلا كان الفناء كما حدث بالفعل في مراحل من التاريخ، وكما يمكن أن يحدث اليوم أو في غد قريب!
لكن هذا التهديد بالفناء هو ما أنشأ حضارة مميزة في التاريخ والجغرافيا. ومن العجب أن تكون قوة الخيال التي أنشأت الحياة والبقاء والاعتماد المتبادل هي نقطة الضعف اليوم، ففي ذلك تشكلت هذه التعددية الدينية والثقافية والمذهبية والإثنية والتعايش والاندماج، وذلك لعاملين واضحين وبسيطين ما يزالان قابلين للتفعيل، أحدهما المدن المستقلة والمتعايشة أو المتصارعة على نحو مستمد من حاجتها إلى بعضها وليس الصراع الذي يلغي أيُّ طرف طرفاً آخر، والثاني مستمد من موارد هذه المدن القائمة على الثقة المنشئة شبكةً من النقل والصناعات والتجارة والأعمال والخدمات. لم يكن لدى الناس لأجل البقاء والازدهار سوى الثقة، هكذا صارت المدن والثقافات والحضارات، والتي على رغم بهائها وإبداعها ظلت هشة قابلة للانهيار. لم تكن القدس أو مدينة السلام في واقع الحال سوى واحة المدن المتعاونة والمتصارعة، ولم يكن صهيون سوى هيكل السلام، في إشارة رمزية أن هذا المكان لا قتال فيه، ويقصده الناس لقضاء حوائجهم وحلّ مشكلاتهم، ولحسن الحظ وربما لسوئه، فإن عالماً جديداً يتشكل اليوم قائماً على الإبداع والخيال والثقة، ليس غير ذلك لكن هذه الموارد الأقرب إلى السراب، والتي ليست في الحقيقة سوى آحاد وأصفار في الحواسيب والشبكات تعصف بكل الموارد والمؤسسات، وأولها الأعمال. فالأجهزة المحوسبة والروبوتات تحل مكان الإنسان في معظم، إن لم يكن في جميع، الأعمال القائمة والتي نعرفها اليوم، وستكون جميع أعمال الناس في منتصف القرن مختلفة جذرياً، ولن تكون من بينها الأعمال التي نعرفها اليوم! ما مصير المهن والجامعات والمدارس والمستشفيات والسجون والقلاع والأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخبارية؟
الحوسبة والروبتة والتشبيك والطابعات الثلاثية الأبعاد لا تلغي الأعمال، لكنها تُدخل تغييراً جوهرياً، قد تزيد الأعمال، وهذا مرجح، لكنها أعمال جديدة لم تكن موجودة، فيما تختفي أعمال أخرى، وتبدأ مواجهة التحدي بالتعليم، إذ ستكون غايات المؤسسات التعليمية مختلفة لأنها ستعد الأجيال لأعمال آتية ليست هي الموجودة اليوم، كما أن الشبكة تعيد صوغها وتوزع المسؤوليات والأدوار لتكون الأسر والمجتمعات شريكة رئيسية، وليكون الفرد أساساً هو الذي يعلّم نفسه بنفسه. ولأن الإبداع هو المورد المقبل، فإن التعليم يتجه بطبيعة الحال إلى المواهب والمهارات والخيال، والكتابة والفلسفة والشعر والموسيقى، ومهارات الحياة، وأما المحتوى التعليمي فلم يعد مطلوباً لأجل الحصول عليه سوى لوح إلكتروني!
قصة الإنسان في هذا الجزء من الأرض هي قصة البرد والشتاء، فالأرض التي لا تمنح الطعام أكثر من أربعة أشهر تجعل الإنسان غير قادر على البقاء الا بالتعاون والإبداع، لم يكن المورد في الواقع سوى العقل، هكذا صار الخبز والملح والزيت والنبيذ، ثم الطرق والمدن والمقايضة والكتابة، وصُنعت سفن حمولتها 600 طن، وكان ذلك معجزة تفوق حاملة الطائرات، ثم كانت القيمة المضافة للسلع والأعمال والصناعات والحرف.. والطهو والفنون. ولشديد الأسف، فإن الإبداع لا يأتي منحة مثل الماء الذي يروي قصة الحضارة المصرية أو البابلية، ولا النفط الذي أحيا الصحراء، فهو ليس سوى توتر عقلي دائم لا يتوقف، وإلا كان الفناء كما حدث بالفعل في مراحل من التاريخ، وكما يمكن أن يحدث اليوم أو في غد قريب!
لكن هذا التهديد بالفناء هو ما أنشأ حضارة مميزة في التاريخ والجغرافيا. ومن العجب أن تكون قوة الخيال التي أنشأت الحياة والبقاء والاعتماد المتبادل هي نقطة الضعف اليوم، ففي ذلك تشكلت هذه التعددية الدينية والثقافية والمذهبية والإثنية والتعايش والاندماج، وذلك لعاملين واضحين وبسيطين ما يزالان قابلين للتفعيل، أحدهما المدن المستقلة والمتعايشة أو المتصارعة على نحو مستمد من حاجتها إلى بعضها وليس الصراع الذي يلغي أيُّ طرف طرفاً آخر، والثاني مستمد من موارد هذه المدن القائمة على الثقة المنشئة شبكةً من النقل والصناعات والتجارة والأعمال والخدمات. لم يكن لدى الناس لأجل البقاء والازدهار سوى الثقة، هكذا صارت المدن والثقافات والحضارات، والتي على رغم بهائها وإبداعها ظلت هشة قابلة للانهيار. لم تكن القدس أو مدينة السلام في واقع الحال سوى واحة المدن المتعاونة والمتصارعة، ولم يكن صهيون سوى هيكل السلام، في إشارة رمزية أن هذا المكان لا قتال فيه، ويقصده الناس لقضاء حوائجهم وحلّ مشكلاتهم، ولحسن الحظ وربما لسوئه، فإن عالماً جديداً يتشكل اليوم قائماً على الإبداع والخيال والثقة، ليس غير ذلك لكن هذه الموارد الأقرب إلى السراب، والتي ليست في الحقيقة سوى آحاد وأصفار في الحواسيب والشبكات تعصف بكل الموارد والمؤسسات، وأولها الأعمال. فالأجهزة المحوسبة والروبوتات تحل مكان الإنسان في معظم، إن لم يكن في جميع، الأعمال القائمة والتي نعرفها اليوم، وستكون جميع أعمال الناس في منتصف القرن مختلفة جذرياً، ولن تكون من بينها الأعمال التي نعرفها اليوم! ما مصير المهن والجامعات والمدارس والمستشفيات والسجون والقلاع والأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخبارية؟
الحوسبة والروبتة والتشبيك والطابعات الثلاثية الأبعاد لا تلغي الأعمال، لكنها تُدخل تغييراً جوهرياً، قد تزيد الأعمال، وهذا مرجح، لكنها أعمال جديدة لم تكن موجودة، فيما تختفي أعمال أخرى، وتبدأ مواجهة التحدي بالتعليم، إذ ستكون غايات المؤسسات التعليمية مختلفة لأنها ستعد الأجيال لأعمال آتية ليست هي الموجودة اليوم، كما أن الشبكة تعيد صوغها وتوزع المسؤوليات والأدوار لتكون الأسر والمجتمعات شريكة رئيسية، وليكون الفرد أساساً هو الذي يعلّم نفسه بنفسه. ولأن الإبداع هو المورد المقبل، فإن التعليم يتجه بطبيعة الحال إلى المواهب والمهارات والخيال، والكتابة والفلسفة والشعر والموسيقى، ومهارات الحياة، وأما المحتوى التعليمي فلم يعد مطلوباً لأجل الحصول عليه سوى لوح إلكتروني!
نيسان ـ نشر في 2021/01/02 الساعة 00:00