مطابقة الكلام لمقتضى الحال
نيسان ـ نشر في 2021/01/21 الساعة 00:00
استعرت هذا العنوان من أبواب البلاغة العربية، وهو يعني: اعتناء الكاتب أو الخطيب بحال مَنْ يقرأ أو يستمع له إن كان من الخاصَّة أو العامَّة، فيجعل كلامه مناسبا لحاله من حيث العلم والمكانة، لكن ما أعنيه هنا، هو: مطابقة الكلام لحقيقة الشخصية العامة من حيث السلوك، وعدم اعتناء السامع والقارئ بحال من يصدر منه الكلام إن كان الكلام منسجماً مع حاله أم لا، ولتوضيح الأمر اليكم هذه القصة:
ورد في قصص التراث الموضوعة على سبيل النكتة، أن رجلا صعد المنبر وخطب بالناس فقال في أثناء خطبته: لقد أحسن العبد الصالح حين قال: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ..)
قاطعه الناس وقالوا له: الذي قال ذلك هو فرعون!!
قال الخطيب: من قالها فقد أحسن.!!
المفارقة في الموضوع هي أن فرعون قال لقومه إن رأيه المنحرف المتمثل بتنصيب نفسه إلها، هو السبيل الصحيح الواجب عليهم اتباعه.. ثم جاء هذا الخطيب الأبله واجتزأ قول فرعون المقطوع عن سياقه واعتبره كلاما حسناً لأن فيه ألفاظاً مثل (أهديكم.. سبيل.. الرشاد) دون أن يعرف أو يتحقق من هذا السبيل الذي عناه فرعون، فقط انتبه للكلام ولم يتحقق من انطباقه بالفعل على حقيقة قائله، حتى أنه لم يكلف نفسه معرفة حال القائل، والقول يتبع حال القائل، ومدح الكلام بمعزل عن حال القائل الذي قال لقومه ( ما علمت لكم من إله غيري) هو جنون مركّب، وجنون هذا الخطيب يقع فيه السواد الأعظم من العرب..
في عالمنا العربي، كسب حكام شعبية كبيرة في حياتهم وأصبحوا أيقونات بعد مماتهم، لأنهم كانوا يعزفون على وتر الكلام المؤثر الذي يصدر من حال تخالفه تماما، يتكلمون بالنصر ويصنعون الهزيمة، يرفعون شعار الوحدة وهم يمزقون البلاد والعباد، يقولون نحن نسير بكم في الاتجاه الصحيح وهم يذهبون بهم الى الهاوية! والشعوب تتمايل سكرى من كلامهم، ولا تستطيع أن تشفى من حبهم والانقياد لهم، فهي تعاني متلازمة "انفصام الأذن عن العين، وكلاهما عن العقل" يرون ويلمسون الضياع في بلادهم، فإذا قال إعلام الحاكم الملهم وأجهزته الأمنية إن سداد رأيه جنب البلاد الضياع!! ينسون ما يرونه من ضياع في البلاد ويصدقون ما سمعوه من كلام يخالف واقعهم. وينسون أنهم يسبحون في القيعان في شر حال، وينتشون فخراً إذا سمعوهم يقولون أنتم على أعلى القمم...
المشكلة تسربت من عالم السياسة الى المجتمع، فصار الناس إذا ظهر فيهم الرجل النصاب صاحب السوابق، وكان حلو الحديث، استعبد قلوبهم وأصبح أمل الكثير منهم التقرب إليه، ويمدحونه في كل مكان وحيثما ظهر، وهم يعرفون حق المعرفة أنه نصاب (أبقع)، فلا يصحى الواحد منهم إلا بعد أن يوقعهم في شباكه.. وقد تجد بعضهم يدافع عنه بكل شراسة وهو يكتوي بناره فيقولون: صحيح هو نصاب وحرامي لكنه (هيبة، مرتب، حشم، زقورت).. والسبب في ذلك تلك المتلازمة التي تحدثنا عنها..
هذه الحالة تسود في العالم العربي، وهي الطريق الواسع الذي يجلب إليه الشعوب العربية الى مزيد من الضياع والبعد عن الجادة، ويؤخر نهوض الأمة التي يقاسمها الفراعنة...
ورد في قصص التراث الموضوعة على سبيل النكتة، أن رجلا صعد المنبر وخطب بالناس فقال في أثناء خطبته: لقد أحسن العبد الصالح حين قال: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ..)
قاطعه الناس وقالوا له: الذي قال ذلك هو فرعون!!
قال الخطيب: من قالها فقد أحسن.!!
المفارقة في الموضوع هي أن فرعون قال لقومه إن رأيه المنحرف المتمثل بتنصيب نفسه إلها، هو السبيل الصحيح الواجب عليهم اتباعه.. ثم جاء هذا الخطيب الأبله واجتزأ قول فرعون المقطوع عن سياقه واعتبره كلاما حسناً لأن فيه ألفاظاً مثل (أهديكم.. سبيل.. الرشاد) دون أن يعرف أو يتحقق من هذا السبيل الذي عناه فرعون، فقط انتبه للكلام ولم يتحقق من انطباقه بالفعل على حقيقة قائله، حتى أنه لم يكلف نفسه معرفة حال القائل، والقول يتبع حال القائل، ومدح الكلام بمعزل عن حال القائل الذي قال لقومه ( ما علمت لكم من إله غيري) هو جنون مركّب، وجنون هذا الخطيب يقع فيه السواد الأعظم من العرب..
في عالمنا العربي، كسب حكام شعبية كبيرة في حياتهم وأصبحوا أيقونات بعد مماتهم، لأنهم كانوا يعزفون على وتر الكلام المؤثر الذي يصدر من حال تخالفه تماما، يتكلمون بالنصر ويصنعون الهزيمة، يرفعون شعار الوحدة وهم يمزقون البلاد والعباد، يقولون نحن نسير بكم في الاتجاه الصحيح وهم يذهبون بهم الى الهاوية! والشعوب تتمايل سكرى من كلامهم، ولا تستطيع أن تشفى من حبهم والانقياد لهم، فهي تعاني متلازمة "انفصام الأذن عن العين، وكلاهما عن العقل" يرون ويلمسون الضياع في بلادهم، فإذا قال إعلام الحاكم الملهم وأجهزته الأمنية إن سداد رأيه جنب البلاد الضياع!! ينسون ما يرونه من ضياع في البلاد ويصدقون ما سمعوه من كلام يخالف واقعهم. وينسون أنهم يسبحون في القيعان في شر حال، وينتشون فخراً إذا سمعوهم يقولون أنتم على أعلى القمم...
المشكلة تسربت من عالم السياسة الى المجتمع، فصار الناس إذا ظهر فيهم الرجل النصاب صاحب السوابق، وكان حلو الحديث، استعبد قلوبهم وأصبح أمل الكثير منهم التقرب إليه، ويمدحونه في كل مكان وحيثما ظهر، وهم يعرفون حق المعرفة أنه نصاب (أبقع)، فلا يصحى الواحد منهم إلا بعد أن يوقعهم في شباكه.. وقد تجد بعضهم يدافع عنه بكل شراسة وهو يكتوي بناره فيقولون: صحيح هو نصاب وحرامي لكنه (هيبة، مرتب، حشم، زقورت).. والسبب في ذلك تلك المتلازمة التي تحدثنا عنها..
هذه الحالة تسود في العالم العربي، وهي الطريق الواسع الذي يجلب إليه الشعوب العربية الى مزيد من الضياع والبعد عن الجادة، ويؤخر نهوض الأمة التي يقاسمها الفراعنة...
نيسان ـ نشر في 2021/01/21 الساعة 00:00