نذهب إلى الدين كما نذهب إلى 'السوبر ماركت'

حسين الرواشدة
نيسان ـ نشر في 2021/02/12 الساعة 00:00
انشغل «تديننا» على مدى القرون الماضية باسئلة الطهارة البدنية وفقه العبادات والحشمة وغيرها من التفاصيل على حساب القضايا الكبرى التي تتعلق بالأمة والنهضة والتحرر والمشاركة السياسية والحرية ونظافة الروح واليد.. الخ، وكان يمكن ان نتقدم نحو الاسلام لنفهم مقاصده وكلياته، او ان نردم الفجوة بين ديننا وتديننا، لكن ذلك لم يحدث، مما جعل اسئلة مثل: هل يجوز تزوير الانتخابات او دفع الرشوات او تكميم افواه الناس عن الكلام او غيرها من اسئلة الحياة العامة اسئلة مشروعة، وان كانت اجاباتها - للاسف - في اجندة بعض دعاتنا ما تزال غائبة.
لماذا يعتبر بعض الناس ان تزوير الانتخابات مثلا او غيرها من اشكال الغش والتزوير مجرد اجراءات او تنفيذا للتعليمات بينما يعتبرون شرب الخمر أو الإفطار في رمضان من أكبر المعاصي؟ الإجابة سوف تقودنا إلى المسافة الشاسعة بين حقيقة الإسلام والطريقة التي نفهمه بها، بمعنى آخر بين حقيقة ما ينص عليه الدين وما يقره من تعاليم وقيم تضبط سلوكنا وترشدنا الى الفعل الصحيح وبين واقع التدين وانماطه: هذا الذي تعرض لكثير من الالتباسات وسوء الفهم والتطبيق.
في الاسلام تنقسم الذنوب الى كبائر وصغائر، الكبائر هى المعاصي الكبرى التي تستوجب عقاب الله في الدنيا وفى الآخرة. وبرغم اختلاف الفقهاء حول الكبائر إلا أنهم اتفقوا جميعا على أن شهادة الزور من أكبر الكبائر حتى إن القرآن الكريم قد حذر بشدة من شهادة الزور في أكثر من آية مثل والذين لا يشهدون الزور (سورة الفرقان من الآية )72 و»فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور» (سورة الحج من الآية 30).
هل تديننا هذا يعكس حقيقة الدين، وهل يمكن له ان يثمر عن وعي لدى شبابنا او أن يؤثر في مجتمعاتنا التي تعاني من أزمات العزوف عن العمل والانتاج وتعاني من الخوف والشعور بالظلم والاستبعاد؟ وهل التدين من خلال «الشعوذة» يستقيم مع منطق الدين الذى حرر العقل الانساني من كل الخرافات والسحر وأعمال الشعوذة؟.
الشعوب تتقدم في حالتين لا ثالث لهما: إما أن تفهم الدين بطريقة صحيحة باعتباره في المقام الأول دفاعا عن القيم الإنسانية: الحق والعدل والحرية، وإما أن تنطلق من فكرة أخلاقية تجعل الضمير الإنساني هو الحكم الذي يفرض معايير الشرف والأمانة. أما الشعوب التي تفهم الدين بعيدا عن القيم الإنسانية فإن قدراتها تتعطل ولا بد أن تتخلف عن ركب الحضارة.
سبق لي ان اشرت الى انماط التدين المغلوط والمغشوش، وذكرت حينها ان تعاملنا مع الدين اصبح شكليا ومظهريا، وان تديننا صار - للاسف - استهلاكيا بامتياز، نذهب الى الدين كما نذهب الى «السوبرماركت» لشراء ما نحتاجه، وما يلبي رغباتنا سواء في التسوق او التسلية او تلبية الحاجات الضروية، دون ان نفكر في مقاصد الدين وحقيقته، ودون ان يكون تدينا انتاجيا، بمعنى ان تتوالد منه قيم وسلوكيات سامية، او التزامات ضميرية غير قابلة للتنازل او صورة كلية يتجسد فيها الدين داخلنا، بحيث تصبح المسافة بين ما يقره الدين وما يعكسه التدين قصيرة ما امكن، وبحيث تنتصر القيم العليا :كالحرية والعدالة التي هي في صميم مقاصد الدين على الاجراءات والمراسيم والشكليات التي طغت على تديننا.
الدستور
    نيسان ـ نشر في 2021/02/12 الساعة 00:00